إيران وحزب الله حينما يضيقان بـ "رذائل" نظام الأسد


إحدى التساؤلات الكبرى التي لطالما كانت تثير الجدل في التحالف المتين بين إيران وممثلها اللبناني، حزب الله، وبين نظام الأسد في سوريا، هو كيف تتحالف قوة تضبطها آيدلوجية دينية محددة، مع قوة لا تضبطها أي آيدلوجية دينية أو أخلاقية؟

بطبيعة الحال، هناك إجابات عديدة بهذا الخصوص، لعل أبرزها، أن إيران وحزب الله، الشيعيين، يرون في الطائفة العلوية المُحتسبة على الشيعة، مكوناً ديمغرافياً يمكن استيعابه في المنظومة الشيعية الإقليمية الموالية لنظام ولاية الفقيه في طهران.

وإحدى الإجابات أيضاً، تلك المتعلقة بالبعد البراغماتي العميق للسياسات الإيرانية، الذي تشكل الآيدلوجية الدينية، مجرد ستار له.

كما توجد إجابة أخرى، تتعلق بالبديل عن نظام الأسد في سوريا، والذي لا يشكل، في أيٍ من خياراته، حليفاً مناسباً للإيرانيين وحزب الله.

لكن، على اختلاف الإجابات، لطالما كان التحالف بين الطرفين، غير منسجم من الناحية الدينية أو الأخلاقية. هو حلف مصالح دون شك. وحالما تصبح المصالح في خطر، قد ينال ذلك من متانة الحلف.

في الأسابيع الأخيرة، كان يمكن رصد العديد من التطورات والأحداث التي توحي بتفاقم الاستياء المتبادل، بين إيران من جهة، وبين حليفها في سوريا، نظام الأسد، من جهة أخرى. كانت إحدى تجليات ذلك الاستياء، تفاقم الحديث الصريح في وسائل إعلام موالية لحزب الله وإيران، عن فساد أجهزة أمن وشبيحة نظام الأسد، المستشري، والذي بات يؤثر سلباً، بشكل متفاقم، على مسار المعارك من جهة، وعلى إمكانية إعادة تأهيل نظام الأسد كشريك في مستقبل البلاد، من جهة أخرى.

ولأول مرة، بات الحديث عن القلق من "رذائل" نظام الأسد، علنياً وصارخاً في وسائل إعلام محسوبة على الإيرانيين وحزب الله.

في عام 2006، وحسب وثيقة دبلوماسية أمريكية، سرّبتها "ويكليكس"، فُوجئ أمين الجميل، الرئيس اللبناني الأسبق، أثناء حديث مع أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، باستياء الأخير مما وُصف في الوثيقة بـ "رذائل السوريين".

وحسب الوثيقة، اعتبر نصر الله مخابرات نظام الأسد، بلا أخلاق، ويسعون وراء المال والنساء فقط. لكن نصر الله، رغم ذلك، قال إن من مصلحة اللبنانيين الحفاظ على نظام الأسد في سوريا، لأن البديل الوحيد عن بشار هم "السلفيون"، حسب وصفه.

حديث نصر الله، السرّي، عن رذائل نظام الأسد وشبيحته وقواه الأمنية، خرج للعلن في وسائل إعلام موالية لحزب الله وإيران، خلال الأسابيع الأخيرة. وأدى إلى توتر ملحوظ بين الطرفين، وصل إلى حد وقف أحد مراسلي قناة "الميادين"، المقربة من إيران وحزب الله، عن العمل في سوريا، حسب قرار صادر عن وزارة إعلام نظام الأسد.

مراسل "الميادين" الذي أُوقف عن العمل في سوريا، نشر مقالاً في موقع القناة الإلكتروني، بدا فيه كمن "يبق البحصة"، ليتحدث باستفاضة عن عشرات الحالات من الفساد والبلطجة والسرقة والفوضى، التي تتسبب بها لجان شبيحة النظام وقواه الأمنية في مدينة حلب، بعد السيطرة على شطرها الشرقي.

بالنسبة للسوريين، لم يتحدث مراسل "الميادين" عن شيء جديد. لكن أن تتحدث قناة موالية لحليف الأسد الإقليمي الأبرز، إيران، بهذه اللهجة، عن الفساد الذي يستشري في أوصال أجهزة النظام الأمنية والعسكرية، يجعل الأمر يبدو وكأن إيران ذاتها، ضاقت ذرعاً بفساد و"رذائل" هذا النظام.

لا يعني ما سبق، بطبيعة الحال، إسباغ بُعدٍ أخلاقي على الطرف الإيراني وممثله اللبناني، حزب الله. لكنه يعني بكل تأكيد، أن التحالف بين الطرفين لا يتمتع بالانسجام الكامل بينهما. وأن تغول الإيرانيين ومقاتلي حزب الله في العمق السوري، أكثر فأكثر، يزيد من الاحتكاك المباشر بين الطرفين، مما يكشف عن المزيد من التناقضات، التي تزيد من نفور كل طرف من الآخر.

وكأنها علاقة طردية، فكلما أوغلت إيران في سوريا، كلما زاد نفورها من نظام الأسد. وكلما زاد نفور نظام الأسد وأذرعته الأمنية والعسكرية والتشبيجية، من إيران وحزب الله وميليشياتهم الميدانية، بالمقابل.

فإلى متى سيصمد تحالف مصالح، بين طرفين متناقضين من النواحي الدينية والآيدلوجية؟.. سؤال يبدو أنه برسم أشهر قليلة قادمة فقط، لا أكثر.

ترك تعليق

التعليق