كيف أحرجت "إسرائيل" روسيا، اقتصادياً، في سوريا؟


كان ملفتاً للغاية، ذلك التقرير الذي نشرته صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" الروسية، منذ يومين، والذي أدانت فيه الغارات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، ووصفت فيه القوات الجوية الروسية بـ"الوقاحة".

أما لماذا كان ذلك التقرير ملفتاً؟،.. فالجواب.. لأن الغضب الروسي المُتبدي من الغارات الإسرائيلية، والذي تُرجم بإعلان الخارجية الروسية، استدعاء السفير الإسرائيلي في موسكو، لا يرجع إلى الاعتداء على حليف روسيا، الأسد.. بل يرجع إلى الإحراج الاقتصادي الذي سببته الطائرات الإسرائيلية للمجمع الصناعي العسكري الروسي.

قبل نشر التقرير المذكور بيوم واحد فقط، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن وصول قيمة صفقات السلاح التي نفذتها روسيا خلال العام 2016، إلى 15 مليار دولار، لصالح 52 بلداً حول العالم. كما أعلن بوتين عن توقيع صفقات جديدة بقيمة 9.5 مليار دولار.

لا يُخفِ الإعلام الروسي ذلك الارتياح الكبير الذي يشعر به أباطرة المجمع الصناعي العسكري الروسي، حيال ما جرّه التدخل العسكري الروسي في سوريا، من مرابح اقتصادية لذلك المجمع.

بوتين، نفسه، أقرّ بأن التدخل العسكري الروسي في سوريا كان السبب في ازدياد مطرد في طلبات شراء السلاح الروسي.

ووفقاً لتقرير صادر عن معهد "سيبري" المستقل، المتخصص بتجارة السلاح حول العالم، فإن تلك التجارة بلغت مستوى قياسياً منذ الحرب الباردة في السنوات الخمس الأخيرة، بسبب الطلب في الشرق الأوسط وآسيا.

وقبل شهر تقريباً، تألقت الصناعات العسكرية الروسية، في معرض "آيدكس 2017". وتلقت شركات روسية طلبات شراء من دول عديدة في الشرق الأوسط. وتحدثت مصادر إعلامية عن اهتمام أبدته السعودية بمنظومة "اس 400" الصاروخية الروسية. إلى جانب طلبات شراء للسلاح الروسي من الإمارات ومصر، ودول عربية أخرى، لم تُسمها المصادر الإعلامية. ناهيك عن الإقبال الهندي والصيني والتركي المتزايد على السلاح الروسي في السنوات القليلة الماضية.

فأين أحرجت الطائرات الإسرائيلية، الروس، في سوريا؟.. ببساطة، فإن الغارة الإسرائيلية التي حدثت منذ عشرة أيام، حيث أطلق النظام السوري صاروخ مضاد للطائرات، لم يصب هدفه، أتبعته إسرائيل بغارة أخرى قرب تدمر، استهدفت نقطة قريبة من موقع كان فيه عسكريون روس.

الغارة الأخيرة تحديداً، والتي بدا فيها أن إسرائيل تختبر صبر الروس، وليس النظام السوري، كانت استثنائية، لأنها استهدفت موقعاً جغرافياً خارج نطاق المناطق المستهدفة عادةً، والتي تنحصر في محيط دمشق والجنوب السوري.

لذلك، قالت صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" بأن الطائرات الإسرائيلية كانت تمتحن أعصاب القائمين على وسائل الدفاع الجوي الروسية.

وكما هو معلوم، فإن روسيا نصبت في سوريا منظومات "إس–400" و"بانتسر" الصاروخية، التي تغطي أجواء قاعدة "حميميم" وطرطوس. الأمر الذي طرح تساؤلات حول كيف تمكنت الطائرات الإسرائيلية من الوصول إلى مدى تغطيه تلك الصواريخ، دون أن تتجاوب الأخيرة مع تهديد الطيران الإسرائيلي.

في ذلك، قال خبراء غربيون، بأن طائرات "إف–16" تمكنت من الالتفاف على المنظومات الروسية. وآخرون أكدوا بأن الرادارات الروسية لم تتمكن من اكتشاف الطائرات الإسرائيلية.

تلك التقييمات لخبراء عسكريين غربيين، استفزت المجمع الصناعي العسكري الروسي، الذي دفع بالصحيفة الروسية، "كومسومولسكايا برافدا"، للرد عبر تقرير أكدت فيه بأن الرادارات الروسية رصدت الطائرات الإسرائيلية، التي ولت هاربة إلى مطاراتها، مما يعني بأن الصواريخ كانت موجهة نحوها، وأن تلك الطائرات لم تكمل مهمتها، حالما رصدت التهديد الصاروخي الروسي، حسب الصحيفة.

واعترفت الصحيفة نفسها، بأن إسرائيل تلعب بأعصاب الخبراء الروس العاملين على منظومات الدفاع الجوي في سوريا، وبأنها تحاول إحراج الصناعة العسكرية الروسية، عبر إظهار، فخر صناعاتها، صواريخ "اس 400" و"بانتسر"، عاجزة عن القيام بما يتوجب عليها.

وهددت الصحيفة الروسية، إسرائيل، بأن موسكو لا تسكت مرة أخرى على ذلك الاستفزاز، لأن ذلك سيسمح "لأعداء موسكو بالحديث عن عدم فعالية منظومات الدفاع الجوي الروسية". مضيفةً أن "عدم تدخل روسيا سيكون دليلاً على ضعفها. لذلك سيكون لزاماً عليها الرد. ولكن من الأفضل عدم استفزازنا"، حسب تقرير الصحيفة الروسية الذي ترجمته "روسيا اليوم".

وتابعت الصحيفة، لتأكيد فعالية منظومات روسيا الصاروخية، بأن خبراء الصين والهند وإيران وتركيا تأكدوا من فعالية تلك المنظومات في أحد ميادين الاختبار داخل روسيا، وأن تلك الصواريخ تمكنت من إصابة الأهداف الطائرة بسرعة تفوق سرعة الصوت، حسب وصف الصحيفة، الأمر الذي أدى إلى ازدياد الطلب على تلك المنظومات، يوماً بعد آخر.

بناء على ما سبق، يمكن أن نتيقن من مفردة أساسية في فهم المسؤولين الروس لدور بلادهم في سوريا. فالأخيرة ساحة تسويقية لإنتاجات المجمع الصناعي العسكري الروسي. وبذلك نفهم، لماذا أعلنت الخارجية الروسية، استدعاء السفير الإسرائيلي بعيد الغارة الإسرائيلية الأخيرة، لأول مرة، خلافاً للصمت الروسي المعتاد حيال عشرات الغارات السابقة.. ببساطة، لأن إسرائيل أحرجت روسيا اقتصادياً في سوريا.

ترك تعليق

التعليق