الضربة الأمريكية وكيماوي الأسد.. للاقتصاد كلمته أيضاً


تزدحم المعطيات العسكرية والأمنية والسياسية على المسرح السوري، حتى يُخيّل للمراقب بأن السياسة هي صلب الحراك، فيما يغيب الاقتصاد إلى الكواليس الخلفية، ويتطلب التقاط بصماته، كثيراً من التدقيق.

في الحرب الدائرة على التراب السوري، لسنوات، تُحكم معادلات اقتصادية قبضتها حتى تكاد تصبح هي المُتحكم باللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين. لكن إدراك ذلك يتطلب الكثير من التفكيك والتركيب للمشاهد المعقدة على المسرح السوري.

فعلى الصعيد المحلي، يبدو أن الاقتصاد بات محركاً للاعبين، بصورة تجعل الحل السياسي مناقضاً لمصالحهم. فعلى ضفة النظام، باتت هناك شرائح عديدة تتعيّش على الحرب واستمرارها. وترفض أن يقف رحاها. بدءاً بمافيات الحواجز، وليس انتهاءً بمافيات "التعفيش"، وما بينهما، تجار العملة ومحتكرو السلع الغذائية، وتجار الجبهات المتصارعة.

وعلى ضفاف مناطق سيطرة المعارضة وتنظيم "الدولة الإسلامية"، تبدو الاختلافات عن الضفة الأخرى، طفيفة. فهناك أيضاً شرائح باتت مصالحها ترتبط حيوياً باستمرار رحى المعارك. وبات هناك تجار يديرون الجبهات، ويلعبون دوراً وسيطاً بين مختلف اللاعبين المحليين. فتنتقل البضائع، بسلاسة، مع استثناءات محدودة ومؤقتة، من أقصى نقطة في الشمال الشرقي، إلى أقصى نقطة في الشمال الغربي. ومن الجنوب الشرقي لسوريا، إلى جنوبها الغربي كذلك. ولا يخرج وسط سوريا من هذه المعادلات بطبيعة الحال.

أما على الصعيد الإقليمي، فبات للإغاثة واللاجئين، تجارهم الذين قد يصلون إلى مستوى دول ورؤساء حكومة. يتجلى ذلك جلياً في لبنان والأردن وتركيا. هذا الظاهر على المسرح. لكن في الكواليس، يبدو أن تجارة السلاح، وعرابيها الإقليميين، لهم كلمة مؤثرة للغاية في المشهد السوري. دون أن ننسى بطبيعة الحال، دور التأزم الميداني في سوريا، في الحفاظ على سعر مقبول لبرميل النفط في منظور دول خليجية.

أما على الصعيد الدولي، فتتكشف الخفايا الاقتصادية المستورة على الصعيدين المحلي والإقليمي، بصورة أكثر علنية. فنجد أن الصراع الروسي الأمريكي على سوق السلاح العالمي، يجد ساحته التسويقية الفُضلى في سوريا. حيث روّج الروس لصواريخهم المضادة للطيران. وحيث يروّج الأمريكيون الآن، لصواريخهم متوسطة المدى.

فيما لا يزال لاعبون دوليون يصرون على الحفاظ على حصتهم في الكعكة السورية المستقبلية، من مدخل إعادة الإعمار، وفي مقدمتهم الأوروبيون، الذين يساومون عبر هذا المدخل كي يكون لبعض المعارضين المحسوبين عليهم، مكان في تركيبة الحكم المستقبلية.

وهكذا، يبدو أن للاقتصاد كلمته أيضاً، في سوريا. أو ربما الكلمة الأولى هي له أصلاً. وينطبق ذلك، فيما ينطبق، على الضربة الأمريكية المتأتية عن استخدام الأسد للكيماوي.

ترك تعليق

التعليق