اقتصاديات.. لماذا تسعى تركيا لتجنيس السوريين؟


إعلان الحكومة التركية بأنها بصدد الانتهاء من تجنيس 50 ألف سوري، لم يستوقف أحداً من السوريين، لا من المعارضة ولا من النظام، ولم يتصدّ أحد لتقييم هذا الخبر لا سلباً ولا إيجاباً، وأغلب وسائل إعلام المعارضة التي تداولته، أوحت بأنه منجز كبير للسوريين الذين يعيشون في تركيا منذ أكثر من خمس سنوات، بينما لم تقل لنا لماذا..؟!، وبالنسبة لوسائل إعلام النظام فقد تجاهلت الخبر بشكل شبه تام إلا من طرح التساؤل عن دوافعه من قبل تركيا، ودون أن تقدم أية اقتراحات للإجابة..؟، فهل الخبر هو بالفعل عادي جداً ولا يحتمل التأويل والتفسير؟، أم أن هناك ما يستحق أن يدق لأجله ناقوس الخطر..؟!

من يراقب المشهد، يجد أن تركيا تحركت في عملية التجنيس في الوقت الذي بدأ فيه الحديث عن اقتراب الأزمة السورية من الخلاص، فلماذا قامت بتجنيسهم بدل أن تتحدث عن عودتهم إلى ديارهم..؟

النقطة الثانية الملفتة للانتباه، أن تركيا بلد كبير ويتجاوز عدد سكانها الثمانين مليون نسمة، بمعنى أن أنها ليست بحاجة لشعب جديد، ولا لدماء شابة كما هو حال الدول الأوروبية المستقبلة للاجئين، وما يثير الريبة فعلاً، هو عند الاطلاع على شروط الحصول على الجنسية التركية من السوريين، فهي بمجملها تبحث عن ضمانات لاستقرار هؤلاء المجنسين على أراضيها، أي أن عودتهم إلى بلدهم سوف تكون صعبة فيما لو غيروا رأيهم..

ومن هذه الضمانات أن يثبت طالب الجنسية استقراره واستمراره على الأراضي التركية، مثل شراء عقار، أو الحصول على ترخيص لسجل تجاري أو صناعي، أو شراء منشأة صناعية أو تجارية، أي أن الفئة المستهدفة من التجنيس هم بالدرجة الأولى أصحاب رؤوس الأموال.. وكلنا يعلم ماذا يعني أن تفقد بلد أغنيائها، في الوقت الذي يحتل فيه الحديث عن جذب رؤوس الأموال قائمة اهتمامات الحكومات والدول، وتعتبره شرطاً للنهوض الاقتصادي وتحقيق التنمية..

وعند قراءة رقم 17 ألف شخص، وهم المجنسون من اليافعين السوريين حتى الآن، بدون عائلاتهم، فهو يعني فقدان 17 ألف سوري من الطبقة الوسطى، والذين يعول عليهم كثيراً في بناء البلد لدى عودة الاستقرار إليه، كما يعني بنفس الوقت، ضياع عشرات آلاف فرص العمل داخل سوريا..

إذاً، تركيا تخطط بحنكة وذكاء، لإفقار الشعب السوري من طاقاته المنتجة، وتجييرها لصالحها، وما يحز بالنفس فعلاً، أن السوريين، يعتبرون حصولهم على الجنسية التركية، ميزة يسعون إليها بكل طاقتهم، ويسعون كذلك لتحقيق شروط هذه الجنسية، ولو أدى بهم ذلك للتضحية بكل أملاكهم في سوريا..

الغريب أن أحداً، لا يدق ناقوس الخطر، لا من النظام ولا من المعارضة، وكأن هؤلاء ليسوا سوريين، وكذلك لا أحد يهتم لخروجهم من المعادلة السكانية.. فما السبب..؟

كل ذلك، من وجهة نظرنا، يتحمل مسؤوليته النظام، الذي عمل على مدى أكثر من أربعين عاماً على تدمير الروح الوطنية للسوريين، حتى وصل السوري إلى مرحلة لم يعد يشعر بأن هذه البلد بلده..

ترك تعليق

التعليق