محمد صباغ شرباتي.. رجل الأعمال الذي لم تنفعه شراكة رامي مخلوف


لم يكن مستغرباً أن يقع اختيار رامي مخلوف على رجل الأعمال الحلبي، والصناعي الشهير، محمد صباغ شرباتي، لكي يكون ثاني أكبر مساهم في شركة شام القابضة التي أسسها من نحو 100 رجل أعمال سوري.. فمحمد صباغ شرباتي، أو" أبو كامل" كما يسمى في أوساط الأعمال، هو رجل الأعمال الوحيد في سوريا، الذي كان يكبر ويتمدد بعيداً عن قبضة رامي مخلوف، وهو ما أزعج النظام في فترة من الفترات، وأخذ يحيك له الدسائس، لضرب اسمه داخل مجتمع الأعمال الحلبي، ومن ثم قصقصة أجنحته من أجل أن يعود إلى رشده "المخلوفي"..!!

سألته في أواخر العام 2010، وكنت في بيته في حي الشهباء الراقي بحلب، عن قصة شراكته لرامي مخلوف، فأجاب ببساطة لا تخلو من السخرية: "اتصل بي منذ أكثر من عام وطلب مني المساهمة بشركة شام القابضة، فأرسلت له شيكاً بمبلغ 20 مليون دولار..!".

بدا من إجابته وكأنه يخفي شيئاً ويريد الحديث عنه، وهو ما شجعني لطرح المزيد من الأسئلة عليه عن علاقته برامي مخلوف، فسألته: "وما هو مصير هذه الـ 20 مليون دولار وما هو موقعك في الشركة الجديدة؟، وهل تم وضعك في صورة ما ستقوم به من أعمال، ثم ماذا عن الأرباح.؟"، أجاب على جميع هذه الأسئلة دفعة واحدة بعبارات مقتضبة: "لا أعرف شيئاً، ولم أحاول أن أسأل، ولم يتواصل معي أحد بعد أن دفعت مساهمتي".. ثم أومأ إلي بعينيه وكأنه يطلب مني أن أفهمها "على الطاير"..

في الحقيقة، من الصعب فهم طبيعة هذه الأسئلة، والأجوبة عليها، لمن لم يكن مطلعاً على أجواء الأعمال في حلب في تلك الفترة، والتي شهدت تحولاً نوعياً، تمثل بإبعاد محمد صباغ شرباتي عن رئاسة مجلس إدارة غرفة صناعة حلب في العام 2009، وتعيين فارس الشهابي مكانه، وسط دهشة الجميع، كون الأخير كان معروفاً عنه خفته وسوء تعامله، بينما تميز أبو كامل شرباتي بالجدية وبأنه كان يحظى باحترام الجميع.

أخبرني أبو كامل عن تلك الأحداث، وأنه كان المرشح الأوفر حظاً للاستمرار في رئاسة الغرفة منذ العام 2001، وأضاف باقتضاب: "خلال الحملة الانتخابية، جاءني اتصال يطلب مني سحب ترشيحي.. فامتثلت للأوامر..!!".

من هؤلاء الذين طلبوا منك الانسحاب من انتخابات غرفة صناعة حلب..؟، ألم تحاول الاتصال برامي مخلوف وتطلب منه المساعدة أو على الأقل أن تستفهم منه أسباب أن يطلبوا منك التخلي عن رئاسة الغرفة..؟، سألته بهذه البساطة.. فأجاب محاولاً تغيير الموضوع: "أنا لدي أعمالي ومعاملي المنتشرة بين سوريا ومصر وتركيا ولبنان وهي بحاجة مني للتفرغ"، ثم أخذ بيدي وقال لي: "تعال أريك شيئاً على الفيديو".. يومها أراني فيلماً عن زيارة قام بها الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك لمعامله في مصر، وبعد أن شاهدنا الشريط، علق قائلاً: "للأسف، خارج سوريا أحظى بمكانة أفضل، وأحصل على تسهيلات ودعم أكبر"..


بداية المواجهة

ظهر اسم المهندس محمد صباغ شرباتي في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، كأول صناعي في حلب حاول إدخال التقنية الحديثة في صناعة النسيج.. كما كان الصناعي الوحيد الذي استورد معملاً لصناعة الجينز من أمريكا، في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، بتكلفة بلغت نحو نصف مليار دولار، وذلك بحسب ما أخبرني.. كما كان أول صناعي سوري يغزو مصر بمعامل النسيج، واستطاع هناك أن يحقق نجاحات كبيرة، بالإضافة إلى كل ذلك، كان تقريباً الصناعي الحلبي الوحيد في عالم النسيج الذي يحمل شهادة جامعية، بكالوريوس في الهندسة.. كل ذلك لفت الأنظار إليه، وبالذات من قبل السلطة التي تنبهت إليه مع مجيء بشار الأسد إلى الحكم في العام 2000.

كانت حلب بالنسبة للنظام في أواخر أيام حافظ الأسد، شيئاً بعيداً عن المركز، وتعاني من إهمال المسؤولين لها، لكن عندما جاء بشار إلى الحكم، بدا واضحاً أنه يريد أن يولي هذه المحافظة اهتماماً خاصاً، وتمثل ذلك بتعيين محمد ناجي عطري، ابن مدينة حلب، رئيساً للوزراء في نهاية العام 2003، وكان قبلها يتولى منصب رئيس مجلس الشعب، وقبلها أيضاً، نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات..

وكان محمد صباغ شرباتي على علاقة طيبة مع عطري، وهو ما ساهم بصعوده المبكر، إذ أنه تولى رئاسة غرفة صناعة حلب في العام 2001، وهو منصب تم إحداثه في عهد بشار، بعد أن كانت غرف الصناعة غير مستقلة عن غرف التجارة..

وسرعان ما تطورت أعمال أبو كامل شرباتي، متوسعاً لأول من مرة من عالم النسيج إلى أعمال أخرى، مثل البنوك وشركات التأمين، وإنشاء شركة للأعمال البيتونية، "شركة لصناعة بلاط الأرصفة"، وهي الشركة التي قيل أنها كانت بالشراكة مع محمد ناجي عطري، حيث استطاعت أن تستحوذ على أغلب أعمال الأرصفة في مدينة حلب..

لكن خلال حواري مع أبو كامل شرباتي، نفى شراكته مع عطري، بل كاد يوحي أن سبب تعاسته والحرب التي شنت عليه فيما بعد، هي بسبب خلافه مع محمد ناجي عطري، الذي طلب منه، بحسب قوله، أن يقوم بعمل إصلاحات لمطار حلب الدولي، على نفقته الخاصة، بعد أن رست المناقصة عليه..!!، وهنا يصمت شرباتي، متحفظاً عن الخوض في تفاصيل هذا الموضوع..

وفي العموم، كان أبو كامل شرباتي، يعتقد بأن النظام يريد أن ينتقل بثقل حلب المالي والصناعي كله نحو دمشق ومحافظات طرطوس واللاذقية، وهو ما لم يكن ممكناً وبهذه العجالة، بحسب رأيه، وكشف أنه تم الطلب منه مباشرة بأن يتوسع في استثماراته إلى المنطقة الساحلية، وأن يشجع باقي الصناعيين في حلب على هذه الخطوة، وفي تلك الأثناء كان الكثير من الحلبيين قد أنشأوا بالفعل معامل في منطقة السلمية والمنطقة الساحلية، وبدون أن يكون ذلك بتوجيه من السلطة، وإنما بحثاً عن اليد العاملة النسائية الرخيصة التي لم تكن متوفرة بحلب..

غير أنه بحسب ما بدا لي، فإن النظام لم يكن راغباً بالاستمرار في العلاقة مع محمد صباغ شرباتي، كصناعي جدّي، يعرف كيف يحقق أرباحاً طائلة، بعيداً عن قبضة رامي مخلوف.. وأكثر ما أزعجهم فيه، هو قدرته على التمدد بعيداً عن سوريا، وبالذات في مصر، التي منحته تسهيلات أكبر في أعقاب فضيحة حاولت النيل منه هناك، عندما تم رفع دعوى عليه، اتهمته بسياسة إغراق الأسواق، وتم إجباره على إنشاء معمل للغزل بدل استيراد الخيوط من سوريا، لكن سرعان ما تم تبرئته، ومكافأته بمنحه صفة المُصدّر الأول في مصر..

خاتمة

بعد العام 2009، وبعد إبعاده عن رئاسة غرفة صناعة حلب، عاش محمد صباغ شرباتي، مهمشاً، وبعيداً عن الأضواء، بينما بدأت الأضواء تتسلط على فارس الشهابي، الذي كان صورة سيئة عن عالم الصناعي الحلبي، لكن على ما يبدو أن هذا النموذج هو ما كان يبحث عنه النظام..

وعندما بدأت الثورة، واحتدمت الأحداث في حلب، ظل شرباتي بعيداً عن الأضواء، إلى أن بدأت ووسائل إعلام النظام، تتطرق لاسمه كداعم للثورة، وهو ما دفعه للهرب إلى لبنان ومن ثم مصر، التي استقر بها منذ العام 2012، دون أن ينبس ببنت شفة، لا مع النظام ولا مع الثورة..

أما بالنسبة لمعامله في مدينة حلب، في منطقة كفر حمرة وعلى طريق حلب دمشق، فقد تم نهبها وتدميرها بالكامل، وهي معامل تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار.

وبحسب أرشيف الزميلة "زمان الوصل"، الذي يتضمن قائمة المطلوبين لمخابرات النظام، فقد ورد اسم محمد صباغ شرباتي، ضمن هذه القائمة، كما ورد اسمه في قائمة الممنوعين من السفر.


ترك تعليق

التعليق