فارس الشهابي.. الأرعن الذي كاد أن يصبح رئيساً للوزراء


في منتصف العام الماضي، كان الصناعي الحلبي المعروف، فارس الشهابي، المرشح الأوفر حظاً، بين هلال هلال، وعماد خميس، لتولي منصب رئيس الوزراء خلفاً لوائل الحلقي.. وبدأت وسائل الإعلام تتداول اسمه، وبالذات الروسية والإيرانية، على أن تسميته كرئيس للوزراء، مسألة محسومة..!

 لكن فجأة، خرج المرسوم بتسمية خميس رئيساً للحكومة، الأمر الذي جعل فارس الشهابي يفقد صوابه، وهو منذ ذلك الوقت، ليس له من شغل سوى انتقاد أداء الحكومة، وإظهارها بأنها تتخبط في قراراتها، ولا تعرف كيف تتعامل مع الأزمات التي تواجهها، بل الكثير من المراقبين يرون أن الشهابي لا يزال يطرح نفسه رئيساً محتملاً للوزراء، ويظهر ذلك من خلال انتقاداته للحكومة واقتراحاته التي يتقدم بها للخروج من الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها النظام..

كيف صعد فارس الشهابي..؟

صعود فارس الشهابي إلى واجهة رجال الأعمال في مدينة حلب منذ العام 2009، وهو في الثلاثينيات من عمره، لم يكن، من وجهة نظرنا، أمراً اعتباطياً.. فحلب، مدينة تُوصف بأنها عاصمة الصناعة السورية، وبها كم كبير من الصناعيين ورجال الأعمال العريقين، والذين بحسب الوصف الشعبي، يضعون فارس الشهابي في جيبتهم الصغيرة..

لكن منذ البداية وكما ذكرنا في مرات سابقة، كانت مدينة حلب بعد العام 2007، هدفاً استراتيجياً للنظام، من أجل تحطيم بنيتها الاقتصادية التقليدية، وإلحاقها بإمبراطورية رامي مخلوف المالية، وكما فعل تماماً مع طبقة رجال الأعمال الدمشقيين..

إلا أن النظام كان يشعر بصعوبة هذه المهمة في مدينة حلب، نظراً لأن بنيتها الاقتصادية مستقلة بذاتها، بالإضافة إلى أن مدينة غازي عينتاب الصناعية، لا تبعد عن حلب أكثر من 100 كيلو متر، وقد بدأت مظاهر هجرة الصناعيين الحلبيين إلى هذه المدينة، تلوح في الأفق مع الامتيازات الكثيرة التي قدمتها تركيا للمستثمرين الحلبيين.. فماذا يفعل النظام في هذه الحالة..؟

كان هذا السؤال، أكثر ما يؤرق النظام في تلك الفترة، فقد نجح رامي مخلوف وحتى العام 2009، بإلحاق جميع رجال الأعمال الكبار ومن مختلف المناطق السورية، بامبراطوريته المالية، باستثناء رجال أعمال حلب، حيث لم تضم قائمة شركائه سوى اسم أو اسمين من حلب، وهو ما لا يتناسب وحجم هذه المدينة الاقتصادي.. لذلك عمل النظام على مستويين من أجل التغلب على هذه المشكلة:

المستوى الأول، كان باستبعاد جميع رجال الأعمال الحلبيين من رئاسة مجالس رجال الأعمال التي شكلها مع أكثر من سبعين دولة، وذلك في محاولة لمعاقبتهم وتهميشهم.

أما المستوى الثاني، فكان من خلال تنصيب فارس الشهابي زعيماً عليهم، في الوقت الذي كان يدرك فيه، أن جميع الصناعيين في حلب يعتبرونه سفيهاً وغير أهل لمثل هذا المنصب، الذي كان يتولاه على الدوام، رجال أعمال محترمون ويحظون بثقة الآخرين..

بالإضافة إلى ذلك، عمد النظام إلى تقريب رجال أعمال حلبيين إليه، من خارج البنية الاقتصادية التقليدية، وإعطائهم امتيازات غير عادية، مثل منح هاني عزوز، وهو مسيحي، وكالة شبه حصرية لاستيراد الأخشاب إلى سوريا.. وذلك من أجل أن يثير حفيظة باقي رجال الأعمال الحلبيين، ويدفعهم للتساؤل: ما الذي فعله هاني عزوز لكي يكون قريباً إلى هذا الحد.؟

 لكن، والحق يقال، فإن كل سلوكيات النظام وعدوانيته تجاه رجال أعمال وصناعيي حلب، لم تثر حفيظتهم ولم تدفعهم لطلب ود النظام، بل كان ذلك يدفعهم أكثر لمزيد من التمسك ببنيتهم الاقتصادية القائمة على الصناعة بالدرجة الأولى، والابتعاد عن الاستثمار المالي في المصارف والبنوك، أو في مشاريع التطوير العقاري.. ملعب رامي مخلوف الأساسي.

وبالعودة إلى فارس الشهابي، الذي وجد نفسه فجأة زعيماً على الصناعيين الحلبيين، وضيفاً دائم الحضور على وسائل إعلام النظام، إذ أنها المرة الأولى التي يحظى فيها رجل أعمال حلبي بمنبر إعلامي، فقد اعتقد الشهابي أن اختياره لهذا المنصب، إنما جاء لامتيازات كبيرة في شخصيته، وعلى رأسها أنه مهندس ومتخرج من أمريكا، بعكس النظرة التقليدية عن رجال الأعمال الحلبيين، بأنهم بالكاد يحملون الشهادات الإعدادية.. إضافة إلى ذلك، اعتقد فارس الشهابي في البداية، أن اختياره لهذا المنصب سوف يجعله من رجال أعمال الصف الأول في النظام، شأنه شأن محمد حمشو على سبيل المثال، لكن المفاجأة التي حدثت أن مخلوف رفض إشراكه في أي من أعماله باستثناء إلحاقه بشركة شام القابضة، التي كانت محطة أولى للحصول على الأتاوات من رجال الأعمال الراغبين بالتقرب من النظام، لكن ليس بالضرورة أن يصبحوا مقربين.. ناهيك عن أن الشهابي لم يحصل على أية امتيازات حصرية، تجارية أو صناعية، وحتى أن محاولاته للانتقال بأعماله إلى دمشق لم تنجح سوى بالحصول على حصص صغيرة ببعض البنوك الخاصة، كما أنه لم يستطع أن يقيم شراكات مع أي من رجال الأعمال المقربين من السلطة.

فارس الشهابي السياسي..!

شكلت الثورة السورية، منذ انطلاقها مطلع العام 2011، منعطفاً كبيراً في حياة وشخصية فارس الشهابي.. فهي بدأت في فترة كان النظام على وشك أن يتخلص فيها من الشهابي بعد أن انتهى مفعوله، وثبت بالدليل القاطع أن محاولاته لإذلال رجال الأعمال الحلبيين، جميعها باءت بالفشل، بالإضافة إلى ذلك، أصبح الشهابي عبئاً كبيراً على النظام، بسبب رعونته وعدم دبلوماسيته، والأهم أنه طموح ويريد الوصول إلى مواقع متقدمة، وهو ما لم يكن يناسب النظام في تلك الفترة..

 إلا أن انطلاق الثورة السورية، جدد التعاقد مع فارس الشهابي، على اعتبار أن المرحلة تتطلب شخصية منحطة ومن هذا النوع.

ومن جهته، عرف الشهابي، أن فرصته الكبرى قد حانت، وأن المنصب هو من سيسعى إليه الآن، بعد أن أمضى الفترة الماضية يسعى للتقرب من مراكز القرار في النظام دون جدوى..

لذلك سرعان ما بزغ نجم فارس الشهابي وأصبح اسماً في الأخبار، عبر تصريحاته التي تطعن بالثورة السورية والثوار، وتدعم النظام.. وهو ما أهله كمرحلة أولى، للحصول على مقعد في مجلس الشعب بالإضافة إلى تولى منصب رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية عوضاً عن عماد غريواتي الذي قدم استقالته، وهو المنصب الذي كانت ترى مدينة حلب، على الدوام، أنها الأحق به من دمشق.. لذلك حقق النظام أمنية حلب.. ثم انتقل الشهابي في المرحلة الثانية إلى إثبات أنه أهل للثقة وبأنه يستطيع أن يقوم بأعمال أكبر مما يتخيلها النظام، فقام برفع دعوى دولية على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يتهمه فيها بسرقة معامل حلب الصناعية.. وهو الخبر الذي حوله لأن يصبح ضيفاً طويلاً على وسائل الإعلام الخارجية، وبالذات تلك التي كانت تريد النيل من تركيا..

بعدها بفترة قصيرة، بدأ فارس الشهابي يشعر بأن منصب رئيس الوزراء، أصبح شاغراً أمامه، وبالذات بعد الهجمة الشرسة على حكومة وائل الحلقي، والتي أصبحت "ملطشة" لكل من هب ودب داخل سوريا، بينما كان هو أحد الضيوف الدائمين على وسائل الإعلام والتي تحاول أن تزيد من الضرب في هذه الحكومة، وتدعو للتخلص منها بأي ثمن وشكل..

وقدم الشهابي في تلك الفترة، الكثير من الرؤى لمستقبل النظام الاقتصادي، وكان صاحب نظرية العودة للإنتاج الصناعي والزراعي، من أجل الحصول على إيرادات لخزينة الدولة، وتمويل الحرب على الشعب السوري.. وقد لاقت هذه النظرية استحسان النظام، وهي اليوم ما يقوم به مع حكومة عماد خميس..

لماذا لم يصبح الشهابي رئيساً للوزراء..؟

لقد دمر النظام مدينة حلب، ضمن عملية انتقامية، تعود مفاعيلها إلى السنوات السابقة، عندما لم يستطع أن يستفيد من إمكانيات هذه المدينة الصناعية في دعم مشروعه للسيطرة على الاقتصاد السوري من خلال رامي مخلوف..

فهو أسند وظيفة رئاسة الوزراء للحلبي محمد ناجي عطري، ضمن هذه المساعي، ولم يحقق شيئاً، وأرسل سليمان معروف إلى حلب، من أجل تغيير دفة الإنتاج الاقتصادي في حلب نحو الاستثمار المالي والسياحي، وكذلك لم يفلح، كما أنه جرب حظه مع رجال أعمال حلبيين عريقين، مثل محمد صباغ شرباتي وحسن زيدو، وجميعهم لم يستطيعوا أن يقنعوا رجال الأعمال الحلبيين بأن ينضوا تحت مشاريع رامي مخلوف وأن يكون هو القائد لسفينتهم.. وأرسل لهم محافظاً من خلفية أمنية، وهو علي منصورة، الذي تعامل بقسوة شديدة مع مدينة حلب وأهلها، وكل ذلك لم يزد المدينة سوى غربة، وكان الزائر إليها يشعر وكأنه غادر الأراضي السورية، نظراً لطابعها الخاص في كل شيء، بما فيها لهجة أهلها، التي لم يوفرها النظام، في السخرية منها..

لذلك لم يكن النظام راغباً من جديد في إعطاء أية أهمية لهذه المدينة أو لأحد من أهلها، وكانت أول مدينة يدمرها بالكامل مع أنها كانت آخر مدينة ثارت عليه..!

ويبقى فارس الشهابي، اسماً للاستهلاك الإعلامي، شأنه شأن جميع الأسماء التي استخدمها النظام، للنيل من الثورة، مع إعطائهم أهمية وهمية، من أجل أن يستمروا بدعمه، ومجرد أن تنتهي خدمة هؤلاء يسعى لتهميشهم.. لذلك لا غرابة أن يكون فارس الشهابي اليوم، وبحسب ما وصلنا من معلومات، على قائمة من يريد أن يتخلص منهم النظام، وليس رئيس وزراء مستقبلي للبلاد..!!

ترك تعليق

التعليق