أسئلة مفخخة بغاية الشطب.. قصة الإغاثة الدولية واللاجئ السوري في لبنان


عندما بدأ اللجوء السوري إلى لبنان التفت حوله الجمعيات الخيرية الممولة من دول عربية، وخلال فترة قصيرة انضمت المنظمات الدولية  للقيام بمهامها تجاه اللاجئ السوري المرغم على النزوح إلى لبنان وغيره، جراء الصراع القائم في بلده.

ومع استمرار الثورة وتشعب الأزمة السورية، وامتداد سنوات اللجوء، تراجعت المنظمات في أداء مهامها، وتُرك اللاجئ السوري يواجه كابوس اللجوء وحيداً في بلد بالأساس هو ليس بلد لجوء، ويعاني من صراعات وأزمات داخلية وخارجية عدة.

وأهم هذه المنظمات وأشملها، هي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حيث قامت هذه المنظمة بدايةً بتسجيل كافة اللاجئين السوريين وإحصاء أعدادهم، وأصبح لكل عائلة سورية ملف خاص بها يسمى "ملف لجوء"، ويكون مسجلاً باسم أحد أفراد الأسرة، ولكل ملف رقم خاص به. وتُسجل بقية أفراد الأسرة في الملف نفسه، وتُوضع صورة كافة المسجلين في الملف، مع أخذ بصمة العين لكافة الأفراد المسجلين في الملف أيضاً.

شطب عائلات لاجئة من قوائم المساعدات

أولت المفوضية السامية اهتماماً أولياً بالعائلات السورية اللاجئة، ولكن في السنوات الأربع المنصرمة، تم شطب العديد من العائلات السورية، وبالتالي خسرت حقها في نيل المساعدات الإنسانية، وكان السبب الأساس بحجة نقص التمويل، من خلال دراسة الملفات. فكل أسرة سورية، المعيل لها تحت سن الأربعين عاماً، يتم شطبها حتى لو كان عدد أفرادها كبير. وهنا السؤال يطرح نفسه: هل المعيشه في لبنان وإيجار البيت، يكفيها معيل واحد؟،.. إذاً، فـ "اللاجئ السوري لازم لا ياكل ولا يشرب ويشتغل بس ليدفع أجار بيت أو يقعد بخيمة لحتى يقدر ياكل ويشرب"، حسب التعبير العامي لأحد اللاجئين السوريين في لبنان.

كما قامت المفوضية بشطب كل أسرة لديها ولد فوق سن الـ 18 عاماً، إذ بزعمها، هذا الولد قادر على العمل وإعانة أسرته.

وهنا يُطرح التساؤل المهم، ويوضع برسم مسؤولي هذه المنظمات: أليس الابن من 18 سنة وما فوق، يجب أن يكون طالباً جامعياً، وعلى الأمم تحمل مسؤوليتها في متابعة دراسته؟!، وكيف تقوم بفصلهم من المساعدات الإنسانية بمجرد تجاوز أحد أفراد الأسرة سن الـ 18 عاماً؟

كذلك، تقوم المفوضية السامية للأمم المتحدة، حالياً، بشطب الملف إذا كان لشخص بمفرده، حتى ولو كان هذا الشخص بعمر الـ 50 عاماً، سواء كان امرأة أو رجل، فهل برأي الأمم المتحدة، هذا الشخص الذي هو بسن الخمسين، قادر على أن يعمل ويعيل نفسه؟!


أسئلة وأفخاخ للشطب

الأسر التي تستحق مساعدات بنظر الأمم يتم تقييم وضعها عبر إرسال لجنة مكونة من عدة موظفين لديها -غالباً تكون منظمات شريكة كثيرة تنسق مع الأمم المتحدة، وتعمل في لبنان وتابعة لدول أوروبية "نيرويجية ودنماركية وكاريتاس..."- يتم إرسال موظفي هذه المنظمات إلى مكان إقامة الأسرة السورية، حيث يتم الاتصال بهم وأخذ عنوان السكن وزيارتهم إلى منزلهم المستأجر، بما لا يقل عن 200 دولار كحد أدنى، حيث تتم الزيارة والاتفاق على موعد بعد الاتصال بهم للاطلاع على وضعهم.

يتم خلال الزيارة الكشف على محتويات المنزل، فإن "وجدوا لديك تلفزيون وبراد وغسالة وصوفايتين فأكيد لازم ينتظرو رسالة الفصل"، هكذا علّقت "أم محمد" من ريف حمص، لاجئة في شمال لبنان.

كما يطرحون على أفراد الأسرة عدة أسئلة: "هل تأكلون اللحمة؟!، كم مرة في الأسبوع تأكلون الفروج؟!، هل تأكلون الفواكه؟!، كم علبة جبنة لديكم في البراد؟!".. "فإذا كان السوري اللاجىء عم ياكل هالأشياء فلازم أكيد ينتظر رسالة الفصل"، حسب وصف "أم محمد" مرة أخرى.

"وكأن اللاجئ السوري حتى ما ينفصل لازم ما يكون عنده بالبيت غير حصير وسفنجتين، وكم حرام، ولازم ينشر تيابه عالطريق ولازم يكون فيه مية مرض ومايكون عنده ولا ولد فوق ال 18 سنة"، يصرخ الجد "أبو رجب" المتعب، الذي خسر أبنائه وصار مسؤولاً عن أحفاده.

وهنا يُطرح تساؤل مهم أيضاً: هل يوجد قرار أو سبب في برنامج الأمم المتحدة لفصل عائلة لاجئة من المساعدات الدولية قبل تأمين عمل لها أو بديل عن برنامج الغذاء العالمي؟!

على ماذا ستحصل إذا كنت من المحظوظين من هيئة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين، بوصفك لاجئ؟

تحصل الأسر السورية اللاجئة التي هي بنظر الأمم مستحقة لنيل المساعدة الإنسانية، على كرت غذائي بقيمة (45) ألف ليرة لبنانية لكل فرد من أفراد الأسرة.

كما تحصل على المساعدة الشتوية (التدفئة) وهي (75) دولار لثلاثة أشهر دفعة واحدة أي (225) دولار من عبر الكرت الأحمر.

اللاجئون  بعد 2015 بلا مساعدات

اللاجئون السوريون المسجلون بعد "1/1/2015"، لا يشملهم أي نوع من المساعدات الدولية، ولا يتم  إدراجهم ضمن ملفات الأمم المتحدة، فقط يتم منحهم (كود)، وهو عبارة عن رقم يعطى للاجئ وأسرته كتسجيل لدى المفوضية، بعد إجراء مقابلات معهم، ولا يُعتبر ملف لجوء - وذلك بعد أن منعت السلطات اللبنانية المنظمة الأممية من تسجيل ملفات لجوء للسوريين بعد هذا التاريخ- وهم هنا، غير مشمولين بالحماية ولا السفر إلى دول اللجوء، وهم فقط مشمولين بالضمان الصحي وبعض خدمات تعليم الأطفال.

منظمات شريكة للأمم المتحدة

تتعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان، عدة منظمات دولية مثل: "المجلس الدنماركي للاجئين، كاريتاس لبنان (مركز الخدمة المجتمعية)، وجمعية الرابطة النسائية الخيرية".. وغيرها. وتشرف هذه المنظمات على بعض المهام والخدمات المقدمة للاجئين. فمثلاً:

هناك منظمات مسؤولة عن عمليات التعليم، كمنظمة إنقاذ الطفل والمجلس النرويجي للاجئين.

منظمات مسؤولة عن الصحة: نكستكير، والهيئة الطبية الدولية (تقدم مساعدة صحية للناجين من العنف القائم على النوع الاجتماعي)، ريستات (الصحة النفسية)، اللجنة الدولية للصليب الأحمر (عمليات ترميمية وإعادة التأهيل البدني ورعاية الصحة العقلية للمرضى المصابين جراء الأسلحة) - كاريتاس لبنان (للمساعدة في حالات الاستشفاء).

منظمات مسؤولة عن المعيشة: كمنظمة إنقاذ الطفل ولجنة الإنقاذ الدولية.

 منظمات الحماية وحماية الطفل: إنقاذ الطفل- المجلس الدنماركي للاجئين.

منظمات الحماية والمساعدة القانونية:  كالمنظمة الدولية للإغاثة والتنمية والمجلس النرويجي للاجئين، والاونروا (فقط للاجئين الفلسطينيين من سوريا).

منظمات الحماية - الأشخاص ذوو الإعاقة الجسدية: كالمنظمة العالمية للمعوقين (إعادة التأهيل والدعم النفسي والاجتماعي للأشخاص ذوي الاعاقة)، وجمعية أركنسيال (تقدم الأطراف الاصطناعية والمعدات للأشخاص ذوي الإعاقة).

منظمات الحماية - العنف القائم على النوع الاجتماعي:  لجنة الانقاذ الدولية - المجلس الدنماركي للاجئين - الهيئة الطبية الدولية - المجلس اللبناني لمقاومة العنف ضد المرأة (الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي - الناجيات من العنف القائم على نوع الجنس).

مظمات مسؤولة عن المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية - المأوى: مظمات "كونسيرن - سوليداريتي انترناشونال - العناية الأولية (إعادة تأهيل المأوى) - إنقاذ الطفل - المجلس النرويجي للاجئين.

إضافة إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر المسؤولة عن تتبع الأسر ولم الشمل ومواضيع الاعتقال وجرحى الحرب.

واللافت أنه رغم تنوع وتعدد وكثرة هذه المنظمات، فإنه عند الحوار مع الكثير  من اللاجئين السوريين وسؤالهم حول ما تقدمه هذه المنظمات من خدمات لهم، يتبين أن معظم اللاجئين لم يسمعوا بأسماء هذه المنظمات، ولم يحصلوا منها على أي خدمة، وأن علاقتهم فقط مع المنظمات التابعة مباشرة لمنظمة الأمم المتحدة.

واللافت أيضاً كثرة العاملين في هذه المنظمات من اللبنانيين، وكثرة السيارات الفاخرة التي يتم التعاقد مع سائقيها أو يتم استئجارها لصالح هذه المنظمات، بالإضافة للأبنية الكبيرة والفارهة، والأجور الشهرية الكبيرة جداً. وهذه التكاليف كلها تخصم من اعتمادات المساعدات المخصصة للاجئين السوريين. وعند السؤال عن سبب فصل وشطب أي سوري لاجىء، يكون الجواب بسبب نقص التمويل.. فلماذا لا يتم تقليص الكادر الوظيفي الفائض عن الحاجة في تلك المنظمات؟، أو تقليل أعداد السيارات الفارهة التي تشاهدها بالعشرات أمام أبنية هذه المنظمات؟، فراتب موظف واحد يكفي إغاثة 5 عائلات لاجئة، حسب وصف بعض المطلعين على نشاطات تلك المنظمات. وهنا يتساءل سوريون عن منطق الاستغلال و"الشحادة" باسمهم، وفوق ذلك عنصرية المنع من العمل في "لبنان الشقيق".

(سيارة فارهة تستخدمها إحدى منظمات الإغاثة الدولية للسوريين في لبنان)


ترك تعليق

التعليق