اقتصاديات.. لماذا فتح المركزي سقوف الحوالات الخارجية؟


كان مفاجئاً القرار الذي أصدره مصرف النظام المركزي بفتح سقوف الحوالات القادمة من الخارج واستلامها بالعملة التي ترد بها وبحجة حماية الليرة السورية ودعمها، وذلك بعد أقل من شهر من إصدار المصرف قراراً بتحديد سقوف تلك الحوالات وللسبب ذاته أيضاً، وهو حماية الليرة السورية... فأي القرارين هو الداعم لليرة السورية..؟

القرار بفتح سقوف الحوالات الخارجية رافقه قرار لم يسلط الإعلام الضوء عليه، وهو رفع الكتلة النقدية التي يستطيع المتعامل سحبها من البنوك السورية دفعة واحدة والتي أصبحت 15 مليون ليرة سورية بدل 5 مليون ليرة في السابق، وهو ما يعني بصورة أولية أن الأموال القادمة من الخارج ليس بالضرورة أن يتم توطينها في البنوك المحلية، بينما يدعو القرار بصورة غير مباشرة لسحب الأموال من البنوك..!!

غير أن القرار الأخطر من كل هذا وذاك، والذي يخطط المركزي للإعلان عنه في الشهرين القادمين بحسب ما أوضح الحاكم، دريد درغام، فهو إصدار شهادات إيداع بالعملة السورية والأجنبية من قبل كل البنوك السورية، فهو قرار غريب بكل المقاييس بالنظر للظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي تعاني منها البلد، والتي لا تشجع المستثمر على شراء تلك الشهادات، إلا إذا كان هناك تسهيلات كبيرة لحاملها، أقلها السماح بتداولها في البورصات العالمية وبالذات البورصات الأمريكية، كونها الوحيدة تقريباً حول العالم التي يتم فيها تداول مثل هذا النوع من الشهادات وتلقى إقبالاً على اقتنائها، نظراً لقوة البلد الاقتصادية والسياسية.

من جهة ثانية، هناك دراسة لدى المصرف المركزي تقول بأن أغلب أموال الحوالات الخارجية، قادمة من دول الخليج العربية، وأنه في المرحلة القادمة سوف تزداد تلك الحوالات، نظراً للتحولات السياسية التي تشهدها منطقة الخليج والتي أصبحت طاردة للمال السوري والذي بات يرغب بالعودة إلى البلد والاستثمار فيه، وقد تكون شهادات الإيداع إحدى مجالات الاستثمار المقبولة، لمال هارب من منطقة أزمة إلى منطقة أخرى فيها أزمة أيضاً، لكن نسبة المخاطرة فيها أقل.. على اعتبار أن سوريا سوف تشهد استقراراً في المرحلة القادمة، وسوف تنطلق مشاريع إعادة الإعمار عاجلاً أم آجلاً.

إذاً، السؤال الذي يطرح نفسه، ما هي الفائدة التي سيجنيها المصرف المركزي من فتح سقوف الحوالات الخارجية؟، وما هي انعكاساته على سعر الصرف في المرحلة القادمة..؟

يتطلع المصرف المركزي، من خلال السماح بتدفق المال من الخارج بأي عملة يريد، بأن ذلك يصب في النهاية لصالح حركته في الداخل، إذ أن هذا المال في النهاية لا بد أن يتم استثماره في مجال معين، لكن ما يخشاه المصرف أن يتسبب ذلك بارتفاع الليرة السورية بشكل لا يمكن امتصاصه داخلياً، كما حدث في الشهر الماضي، وهو الذي دفع المصرف لتحديد سقوف الحوالات خوفاً من أن تزداد فجوة هذا الارتفاع المفاجئ، وبشكل لا يعكس حقيقة السوق..

أما الآن فإن المصرف مطمئن إلى هذه النقطة تحديداً، كون الصورة اتضحت بعد إقرار الموازنة العامة للدولة لعام 2018، والتي وصلت نسبة العجز فيها إلى أكثر من 800 مليار ليرة سورية... فعلى ما يبدو أن الخيار وقع أخيراً على المصرف المركزي لكي يغطي هذا العجز، إما من موجوداته أو من خلال طباعة عملة جديدة.. وفي كلا الحالتين سوف يؤدي ذلك إلى تراجع الليرة السورية.. لذلك يريد المصرف أن يوازن هذه العملية من خلال الحوالات الخارجية التي قد لا تدفع الليرة لانهيارات كبيرة، وتبقى في حدود ما هو مرسوم لها في موازنة 2018، عند 500 ليرة مقابل الدولار.


ترك تعليق

التعليق