98 مدرسة تستقبل الشتاء بلا مدافئ في جنوبي إدلب.. والمنظمات "أذن من طين وأذن من عجين"


مع أن العديد من المنظمات الإنسانية تقول إنها تقدم الدعم لعشرات المدارس في منطقة كفرنبل وضواحيها، إلا أن هذه المؤسسات التعليمية تعاني من نقص كبير في المعدات والتجهيزات، في ظل انتشار ظاهرة التسرب الدراسي لدى الطلاب، ما جعل الأمر أكثر خطورة بالنسبة لمستقبل المئات من أبناء محافظة إدلب والمهجرين من مختلف المحافظات السورية.

ويقول المسؤولون في مجمع كفرنبل التربوي، إن المدارس بحاجة لإصلاحات ولتجهيزات هامة مثل المقاعد والجدران والنوافذ، ويسهب هؤلاء في الحديث عن أزمة في التعليم تعاني منها المنطقة بشكل عام، و عليه؛ هناك انتقادات طالت المنظمات المسؤولة عن تقديم الدعم وتخديم هذه المدارس، إذ أن جل اعتماد المؤسسة التعليمية على دعم هذه المنظمات.

نواقص

يدير مجمع كفرنبل التابع لمديرية التربية الحرة قرابة 98 مدرسة تتوزع على بلدات المنطقة حيث يغطي مدينة كفرنبل وضيع جبل شحشبو إضافة لكل من كفرروما وحاس وبسقلا وحزارين وسفوهن وكفرعويد وكنصفره، وباقي القرى والبلدات التي تقع غرباً.

يشتكي السيد "حسن قطيش" مدير المجمع من عدم قدرتهم على تخديم أغلب مدارس المنطقة نظراً لقلة الدعم المقدم للعملية التعليمية. "كان لدينا صفوف غير مجهزة بمقاعد دراسية ما جعل الطلاب يجلسون على الحصير أو على مقاعد من الإسمنت، في الفترة الأخيرة تمكنا من تأمين 100 مقعد بجهود شخصية".

يتابع قطيش لـ "اقتصاد" متحدثاً عن نواقص المؤسسات التعليمية في منطقته. "اليوم لا يوجد طلاب يجلسون على الحصير. لكن المقاعد البديلة غير مجهزة تماماً كونها مصنوعة من الإسمنت ولوح خشبي للكتابة. لحل هذه المشكلة خاطبنا أكثر من منظمة للحصول على حاجة طلابنا من المقاعد، لدينا هياكل حديدية بحاجة لكسوة، إحدى المنظمات طلبت تأمين 100 هيكل حديدي وهي تتبرع بكسوتها بالخشب لكنها لم تف بوعدها. ما تبقى من المنظمات التي خاطبناها على نفس الشاكلة".

ويردف قطيش: "أهم ما نحتاجه هذه الفترة تأمين المدافئ والوقود على اعتبار دخول فصل الشتاء. أيضاً نحن بحاجة لترميم بعض المدارس".

وفقاً لمدير مجمع كفرنبل، بدأت إحدى المنظمات بتزويد مدارس كفرنبل وترملا بالمازوت بقيمة 3 ليتر لكل مدفأة يومياً. "باقي المناطق التي تتبع للمجمع لم نستطع حتى اللحظة تأمين مدافىء ووقود لها".

تقصير

الجهة الداعمة لمجمع كفرنبل ومديرية التربية بشكل عام هي منظمة "كومنيكس" التي تقدم منحة شهرية لمدة ثمانية أشهر كل عام لمدارس المنطقة ومع ذلك يوجد مدرسون متطوعون يعملون دون أجر.

"عبد الكريم الحسين" يواظب على التدريس في مدارس بلدة كفررومة، ولديه اطلاع على تفاصيل العملية التعليمية في المنطقة.

امتدح الحسين في بداية حديثه لـ "اقتصاد" عمل مجمع كفرنبل التعليمي واصفاً إياه بالممتاز حيث "يتابع الموجهون التربويون المدارس، كل أسبوع يوجد زيارة أو زيارتين لكل مدرسة لمتابعة المعلمين والمدرسين والسجلات بشكل دوري، يوجد هذا العام تدقيق كبير بغية رفع مستوى العملية التدريسية ومستوى الطلاب من ضمنه فرض عقوبات على المدرسين الذين يتغيبون عن دوامهم بدون إجازة".

الحسين عرج على الوضع السيء لمدارس المنطقة من الناحية الخدمية إذ بعض المدارس تنقصها الوسائل التعليمية، ومدارس في حاجة للأبواب والنوافذ، كما يوجد نقص بالكتب المدرسية، "فقد شارف الفصل الأول على الانتهاء ولم تأت الكتب من الطبع في تركيا".

المنظمات الإنسانية مثل كومنيكس عادة ما تكتفي بتقديم رواتب شهرية للمدرسين فقط لاغير. كما تعمل بعض المنظمات مثل سيريا ريليف، وبنيان، وجمعية الوفاء، و جمعية السلام، ومنظمة أفكار، على تخديم مدارس معينة لكن هذا لا يفي بالغرض كما يؤكد السيد حسن قطيش، الذي تحدث عن انتقادات توجه لعمل هذه المنظمات في المنطقة.

قطيش قال إن لديهم مدرسون يعملون بشكل تطوعي ولا أحد من المنظمات قدم رواتب لهم، "علماً أننا خاطبنا جميع المنظمات".

وتابع: "اعتمادنا الكلي في تخديم مدارس المنطقة على المنظمات لأنه ليس لدينا قدرات وإمكانيات دولة لتأمين هذه الاحتياجات لكن تبقى استجابة هذه المنظمات لطلباتنا محدودة".

تسرب

مع أن عمره لم يتجاوز 11 سنة ترك "محمد" ابن إحدى العائلات المهجرة مدرسته منتقلاً للعمل في حرفة يدوية بسيطة. الراتب الذي يتقاضاه الفتى الذي كبر قبل أوانه بالكاد يكفي لمصروفه الشخصي من البسكويت و(الشيبس) ومع ذلك غدا هذا المبلغ الضئيل الدخل الرئيسي لعائلة محمد، فأبوه شيخ كبير لم يترك له النزوح من مكان إلى آخر، قوة تساعده على العمل لإطعام الأسرة.

تسرب محمد من دراسته ليس الحالة الأولى ولا الأخيرة، لاسيما في ظل ما تعانيه مدارس كفرنبل من ضعف في التجهيزات البسيطة؛ فسنينه "مروان" هجر كتبه ومدرسته ليعمل في بيع المحروقات على إحدى أزقة بلدة كفرسجنة. مروان آثر العمل لمساعدة والده الذي كان ضابطاً ثم انشق عن جيش النظام ليفتح بسطة محروقات، وخلال أسابيع قليلة لحق بقية إخوة مروان به ليشق الفتية الصغار الذين لم يشبوا عن الطوق طريقهم في الحياة في مهن مختلفة.

بالنسبة للعديد من الآباء الذي سمحوا لأطفالهم بترك المدرسة "كانت هذه الخطوة اضطرارية والضرورات تبيح المحظورات".

المعيشة الصعبة التي يعيشها الآباء ربما أجبرتهم على حرمان أولادهم الذي لم يفكوا الخط من التعلم. يقول أحدهم متحدثاً لـ "اقتصاد": "نحن بحاجة لمساعدة أطفالنا لنا". ويتابع: "أرغب بتعليم أطفالي لكن الواقع المزري حالياً يفرض نفسه ما يجبرني على هذا الوضع".

في المجمل، أغلب حالات التسرب الدراسي كانت بين الأسر المهجرة التي استقرت في المنطقة كما يتحدث الناشط الصحفي "عبد الرزاق الصبيح" لـ "اقتصاد". الصبيح يتابع أن هذا الأمر سببه عدم وجود مكان ثابت ومستقر للعائلات النازحة فهي تتنقل باستمرار.

ويضيف: "الأطفال الذين هجروا دراستهم في طريقهم إلى الضياع، معظم هؤلاء غدوا عرضة للتجهيل بسبب أميتهم التي بلغت درجة عدم القدرة على تهجية الحروف".

ترك تعليق

التعليق