اقتصاديات.. التسول والمدراء، وجهان لموضوع واحد


مناقشة موضوع التسول جنباً إلى جنب مع موضوع النهوض بالمدراء في المؤسسات الحكومية، في نفس الاجتماع، هو ما يسمى بالصدفة الجميلة، التي تعطينا مساحة جديدة للحديث، عن الآلية التي تدار بها اجتماعات مجلس الوزراء، والمواضيع التي ينوي هذا المجلس مناقشتها في جلساته الأسبوعية..

 فمن وضع هذين الموضوعين على أجندة نفس الاجتماع، ربما لم يخطر على باله، أن وسائل الإعلام سوف تربطهما مع بعضهما البعض، وتستنج منهما عناوين مثيرة، تقود إلى دلالات حقيقية، لها علاقة بواقع المدراء في المؤسسات الحكومية لدى النظام، الذين يطلق عليهم بأنهم المتسولون الكبار، كون أي منهم عندما يتولى إدارة مؤسسة ما، أول ما يثير غبطته وسعادته، هو حجم الحوافز والمهمات والأرباح التي سيحصل عليها، قبل التفكير بتطوير عمل مؤسسته.. وغالباً ما يستقبل المدير قرار تعيينه، بالقول: "قبرنا الفقر".. وهذا عائد إلى طبيعة العمل الحكومي في سوريا، والذي كرسه نظام الأسدين، عندما وضع شرط الولاء للنظام، قبل شرط المهنية والمقدرة والنزاهة، في اختياراته لمسؤوليه..

 لذلك أي شخص يقع الاختيار عليه لتولي منصب ما، يدرك سلفاً، أن النظام لا يطلب منه الإبداع في العمل بقدر ما يطلب منه الإبداع في الولاء إليه.. وما عدا ذلك، فكلها تفاصيل صغيرة، ليس بالضرورة أن تؤدي للاستغناء عن المسؤول، إلا إذا أدت إلى تضارب مصالح..

اليوم يطرح النظام موضوع النهوض بالمدراء، على استحياء، ويناقشه ويعالجه، مثلما يعالج موضوع التسول، من خلال الطلب إلى وزارة الأوقاف زيادة جرعات التوعية والإرشاد الديني، فهو أيضاً يطلب من وزارة التنمية الإدارية، أن تتولى هذه العملية، ضمن مشروعها للإصلاح الإداري، مع علمه أن هذه الوزارة لا تملك أكثر من نشرات التوعية والإرشاد كذلك، فهي منزوعة الصلاحيات، منذ قرر بشار الأسد إنشائها نهاية العام 1999، وتسببت يومها بخسارة 20 مليون يورو لخزينة الدولة، عندما صدقت أن بشار الأسد يريد بالفعل الإصلاح، واستعانت بهيئة خبراء فرنسية للمساعدة في عملية الإصلاح الإداري، ثم انتهت قراراتها وخطتها إلى الأدراج وحتى يومنا هذا..

ترك تعليق

التعليق