سأخون ثورتي


في دوما، قرب دمشق، يسير بفخر، و"كرشه" متدلٍ أمام جسده، وترافقه حراسة خاصة. بيته في نفق. ويصل إلى مركز عمله عبر نفق آخر. والبنزين لا ينقطع عن سيارته رغم أن الليتر أصبح بـ 7 آلاف ليرة. ويتهامس الناس أنه يحصل على سيولة مالية كبيرة جراء دوره في صفقات إدخال البضائع إلى الغوطة، حيث يُقتطع 2000 ليرة عن كل كيلو يدخل إلى المنطقة، كأتاوة، 1000 منها تذهب للنظام، فيما يظن سكان المنطقة، أن الـ 1000 الثانية تذهب إلى جيوب قادة فصائل معارضة.

تلك صورة سيريالية للمشهد في آخر حواضن الثورة، على بوابة العاصمة دمشق. يتصل بي صديق، ويحدثني من هناك، يقول لي، ادعوا لي، "سقطت بناية كاملة على الأرض جنب بيتي، وهي البناية التانية". يضيف بعد هنيهة: "من الفجر بالأقبية".
 
في الأيام القليلة الماضية، وعلى وقع المشاهد المروعة القادمة من الغوطة، حيث يُعمل النظام، بغطاء جوي روسي، وحشيته السادية هناك، وصل الأمر بأسماء مرموقة في الوسط الإعلامي المعارض إلى حد إطلاق تعليقات تسأل عن موقف الله مما يحدث؟.. ببساطة، بتنا على حافة الكفر، وبعضنا وقع فيه. فالمشهد مؤلم للغاية. لكن هل هناك تفسيرات بشرية لما وصلنا إليه؟

في دوما، تسمع بعض الأجوبة، حينما تعلم أن الصف الأول والثاني من قيادات الفصائل يعيشون في بحبوحة. في الوقت الذي يجد فيه معظم سكان المنطقة صعوبة كبيرة في تحصيل الخبز. إحدى الأسر تحتاج على الأقل 60 ألف ليرة شهرياً لتأمين الخبز. رقم كارثي، يوضح هول المصيبة القائمة هناك.

حينما سألت الصديق الذي حدثني من دوما، عن اتجاه الرأي العام الشعبي هناك، قالها بصراحة، "الناس باتوا يتحدثون علناً في مجالسهم، عن رغبتهم في المصالحة مع النظام". ويضيف الصديق بأن أقارب قيادات في فصائل بالغوطة، يطالبون أولادهم بالضغط على تلك الفصائل للذهاب باتجاه المصالحة.

لكن.. لماذا وصلنا إلى هذه الحالة؟.. تسليم الغوطة للنظام قد تكون ثاني أكبر الضربات التي تلقتها الثورة في مسارها التراجعي بعد حلب. الجواب ببساطة، لا نية لدى الفصائل الفاعلة هناك لفتح أي معركة جدية لحلحلة الأمور. فكل فصيل يعمل لصالح أجندات الدول الداعمة، ولا مانع لديه للدخول في معركة جانبية مع أخوانه من الفصائل الأخرى، حسب طلب الطرف الداعم. هذا ما يقال في دوما. وبصراحة فجّة.

حينما كانت معركة إدارة المركبات في أوجها، وقف أكبر فصيل في دوما في حالة أقرب إلى الحياد، لأن الفصائل التي فتحت جبهة المعركة حينها، لم تكن على توافق تام معه. والنتيجة، اليوم كل الغوطة تُباد. وهي على شفا حفرة التسليم للنظام.

فهل نقولها بصراحة.. إن كانت دماء أهالي دوما، وباقي بلدات الغوطة، ستنزف، كي يملأ قيادات فصائلية جيوبهم، ويشترون عقارات وأراضٍ، إذاً، لتُسلم الغوطة للنظام، فذلك أرحم بها، وبأهلها، إن كان أبناء جلدتهم، فضلوا مصالحهم الضيقة على دماء أهاليهم.

يقول البعض في دوما، لعنة ثورتنا كانت في "الإسلام السياسي". لكن السؤال الذي يطرح نفسه، أليست لعنة الإسلام برمته، فينا نحن؟.. كيف يُعقل أن يفضل أبنائنا مصالحهم الخاصة على مصالح أهلهم وجيرانهم، وهم يرونهم يموتون وتُدمر أملاكهم، في كل ساعة، عشرات المرات؟

باختصار.. افتحوا كل الجبهات، وعلى قلب رجل واحد، واجعلوها معركة حاسمة وأخيرة. أو أغلقوا كل الجبهات، وارحلوا إلى الشمال، بالباصات الخضر. لكن، لا تدّعوا قيادة فصائل معارضة، وأنتم تختزنون الأموال في جيوبكم، وتختبئون في الأنفاق، وأهاليكم يُقتلون بقذائف العدو وطائرات داعميه.

رسالة برسم قادة فصائل الغوطة.. علهم يسمعون..

ترك تعليق

التعليق