دمشق المؤلمة!


تحولت دمشق إلى مصدر ألم كبير لكثير من السوريين، في الأيام الأخيرة. ألمٌ منها، وألمٌ عليها. نجح النظام بامتياز في تفعيل الغرائز المناطقية والمصلحية، وسمح بنقل انفلاتها إلى وسائل إعلامه، وركّز عليها. وساعد على ذلك أيضاً، بعض النشطاء المحسوبين على الثورة، وبعض وسائل إعلامها، للأسف الشديد.

ورغم أن وظيفة الإعلام، هي نقل الحقائق كما هي، نعلم جميعاً أن أكبر فنون التضليل الإعلامي تكمن في التركيز على جانب واحد من الحقيقة، وتضخيمه، والتعتيم على الجوانب الأخرى.

المشكلة الأكبر، أن نشطاء معارضين، انخرطوا في هذه العملية، بعد أن دفعتهم المشاهد المروعة القادمة من الغوطة إلى حالة من فقدان التوازن الموضوعي. فدقائق فقط من التفكير الموضوعي كفيلة بإعادة هذا التوازن، وتذكر حقائق الأمور، التي يعرفها معظمنا.

فكل من له أقارب في دمشق، أو عاش فيها، أو يتحدر منها، أو لديه خبرة في الديمغرافيا الموجودة فيها، يعلم تماماً أن دمشق تختصر سوريا بأكملها. ففيها اليوم، كما كان سابقاً، أولئك المؤيدين حتى العظم، لأسباب طائفية ومصلحية. وأولئك المنافقون، الذين يتقلبون ويتلونون حسب الظروف. وأولئك الذين لا يشتد عصبهم إلا للـ "الأنا" الخاصة بهم. كما أن فيها الكثير والكثير من المخلصين والمُتألمين لما يحدث في الغوطة. بعضهم جبناء، وبعضهم ليسوا انتحاريين كي يجاهروا بحقيقة رأيهم في عقر دار القبضة الأمنية مفرطة القوة للنظام.

ومن يعرف دمشق جيداً. ومعظمنا يعرفها دون شك. يعلم أن فيها أقلية من الدمشقيين المتحدرين من أحيائها العتيقة لأجيالٍ أربعة أو خمسة. وفيها أكثرية من المتحدرين من مختلف المحافظات السورية، وفي مقدمتها، ريفها الملتهب اليوم. وفيها الكثير من أبناء الغوطة نفسها. ناهيك عن التصاهر الكبير بين أبناء دمشق وأبناء مناطق مختلفة من الغوطة. وتداخل المصالح بين الطرفين.

دمشق مؤلمة اليوم. لأن النظام نجح في تقديم سكانها، الذين يختصرون سوريا كلها، بوجه واحد. أولئك الذين لا يشتد عصبهم إلا للـ "الأنا" الخاصة بهم. وروّج بعض إعلام الثورة، لذلك أيضاً، فزاد في لهيب الحقد المناطقي المتفاقم، بين أهل المدينة وأهل الريف. ذلك الحقد الذي يعشقه النظام. وعمل لعقود على تفعيله، بين دمشق وريفها، وبين حلب وريفها، وبين حماه وريفها. ودائماً، يكون عموم السوريين منقادين بسهولة، لأجندته تلك. يكفي أن يرمي عود كبريت واحد فقط.

هناك اليوم من يعيش في دمشق، ويجاهر عبر وسائل التواصل بآرائه القذرة. فيتم تقديمه من الجانب الآخر على أنه يمثّل دمشق. فتصبح الأخيرة مؤلمة. مؤلمة لأنها في نهاية المطاف، عاصمتنا. عاصمة كل السوريين. وليس هذا التوصيف، عاطفياً. فهي ليست عاصمة بالمعنى البيروقراطي فقط. بل هي، بما تحتويه من سوريين من مختلف المشارب والانتماءات، تختصر سوريا بأكملها. فحينما ينجح النظام في تقديمها، بوجه وحيد، وحينما يقع كثير من السوريين بهذا الفخ، تصبح دمشق مؤلمة بامتياز.

ترك تعليق

التعليق