هل تكون سوريا لقمة سائغة بين أنياب تنين الاقتصاد الصيني؟


في الوقت الذي ينهمك فيه المجتمع الدولي بإحصاء الخسائر التي ستخلفها الحرب السورية، تتسارع خطوات الصين نحو انتزاع حصة كبيرة من إعادة الاعمار لتكون قوة إضافية مُنشّطة لاقتصادها.

وفضلاً عن الدعم السياسي الذي مارسته الصين لصالح نظام الأسد قدمت له منحاً مالية تجاوزت 40 مليون دولار لتنفيذ مشاريع ذات طابع إنساني ومُساعدات غذائية كان آخرها 5000 طن من مادة الأرز وفي رصيدها 29 مليون دولار أمريكي صُرفت في دعم اللاجئين السوريين حول العالم ناهيك عن الدعم العسكري عبر تقديم استشارات الخبراء.

منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية استخدمت الصين "حق الفيتو" في مجلس الأمن الدولي 11 مرة فقط 6 منها خلال الأعوام السبعة الأخيرة لصالح نظام الأسد فاتحةً من خلالها طريق الحرير التجاري، مُطاردةً الفرص الاستثمارية الضخمة في كافة المجالات، لتترجم دعمها الكبير للأسد في اتفاقيات اقتصادية عديدة تُبرمها بشكل يومي مع دوائره الاقتصادية.

الصين إذ تعتبر سوريا النقطة الأضعف للنفوذ الغربي وتراها مُنطلقاً مُهمّاً يُشكل عقدة "طريق الحرير" بينها وبين البلاد العربية وممراً اقتصادياً رئيسياً مُعتمداً في مُختلف العصور، داهنت نظام الأسد لتحقيق مشروعها المُعنون بـ "الطريق والحزام" والذي قدمه لها الأسد في عام 2004 بمسمى آخر "البحار الخمسة"، وهو لا يختلف جوهراً ومضموناً بشيء عن الأول، فوجهت مؤسساتها لوضع لبنتهم الأولى في المنطقة عبر تقديم الخدمات الإنسانية، ومُساعدة نظام الأسد في مواجهة مُشكلاته التكنولوجية الناتجة عن عقوبات الاتحاد الأوروبي في القطاع النفطي.

ومن العناوين العريضة التي يقف أمامها الباحثون في الشأن الاقتصادي، عزم الصين استئجار سفن وطائرات لممارسة نشاطها الاقتصادي في سوريا، وفتح خط جوي مباشر بين دمشق وبكين، وربط مرفأ ساحل طرطوس مع الحدود العراقية، ومشروح حوض مائي لإصلاح السفن، وإنشاء مطار بديل عن مطار دمشق الدولي، وإنشاء منطقة صناعية كبيرة في منطقة حسياء بريف دمشق لتنطلق في تنفيذ مشاريع بمجالات مختلفة كالكهرباء والغاز والطاقة المُتجددة والمياه وتقنيات التوفير والثروة المعدنية والاتصالات، وأخيراً توفير قنوات مرنة لتسديد الالتزامات النقدية المُترتبة على سوريا باتجاهها.

بعد وقوع الحرب أطلق رجال أعمال، ما سُمي بـ "مجلس الأعمال السوري - الصيني"، برئاسة محمد حمشو وغسان الكسم وسامر الدبس، ممثلين عن الجانب السوري، لتسهيل إنشاء شراكات وإقامة مشاريع مُشتركة بكافة المجالات والقطاعات.
 
وتعويضاً لتعثر عمل البنوك في سوريا وانخفاض سيولتها، حثت غرفة صناعة دمشق على فتح بنوك صينية، وطلبت من الشركات الصينية دخول الأسواق وفتح خطوط ائتمانية، وإنشاء منطقة صناعية صينية سورية تتضمن في مراحلها الأولى 150 شركة قد توفر 40 ألف فرصة عمل.
 
كما طلبت وزارة الإسكان من شركة "SANY" الصينية التي تُعدّ الرقم الأول في بلدها والمُتخصصة في مجال المقاولات، المُساهمة الفعالة والاستثمار في مجال التطوير العقاري وصناعة الآليات والمعدات الهندسية، ولبّت الأخيرة برغبتها في إنشاء مركز إقليمي لها في العاصمة دمشق.

وقدمت شركة "تي جي اس" الصينية المُتخصصة بأعمال الطرق والجسور والكهرباء والاتصالات عرضاً للبناء عبر التشييد السريع وتأمين الآليات اللازمة لذلك.

علاقات حقل التجارة والاقتصاد بين سوريا والصين بدأ في عام 1951 واتسمت بالنماء حتى إبرام اتفاق تعاون جمركي في عام 2001 جعلت من الصين الشريك التجاري الثالث لسوريا بتبادل تجاري 2.2 مليار دولار منها 1.80 مليار ليرة سورية عقود هندسية، و4 مليون دولار تحويلات لعمال صينيين يعملون في أكثر من 28 شركة صينية في سوريا، وبلغت الاستثمارات المباشرة 16.5 مليون دولار. وبالرغم من سوء المُنتجات الصينية واستيراد التجار لفائض الشركات ونوعيات "ستوك" إلّا أنها فرضت نفسها وانتشرت في كافة المحافظات بشكل كثيف وتنوعت المنتجات شاملةً كُل ما يحتاجه السوق والتهمت المُنتجات المحلية، إذ أن تدني سعرها جعلها ملجأ رئيسياً لأصحاب الدخل المحدود، كما أثّرت سلباً على مسار الصناعة الوطنية بشكل كبير.

وصعد مؤشر التبادل منذ اندلاع الثورة السورية إلى 3.5 مليار دولار، وسرعان ما انخفض إلى ما دون التبادل الطبيعي لتسجل الواردات في عام 2015، 210 مليون دولار أمريكي لا أكثر، والصادرات 125 مليون دولار فقط، وبلغ حجم التبادل الكُلّي في عام 2017، 810 مليون دولار.

وبلغ حجم الصادرات السورية إلى الصين قبل الحرب 628 مليون ليرة سورية، في حين بلغت الواردات 60.500,000 مليار ليرة سورية.

وفي إجراء لجذب تدفقات الاستثمار أصدرت حكومة النظام قانوناً يتعلق بتنظيم إجراءات إعادة الإعمار في أواخر عام 2013 فارضةً 10% كضريبة على الأرباح وخفضتها في العام الماضي لتصبح 5% لا أكثر.

التقديرات الأخيرة لمنظمة الأمم المتحدة أشارت إلى أن سوريا تحتاج إلى 250 مليار دولار على الأقل لإعادة إعمارها وترميم ما يُمكن من البنية التحتية، الأمر الذي يجعلها لقمةً سائغةً بين أنياب "تنين الاقتصاد".

ترك تعليق

التعليق