من خالد العظم إلى حيان سلمان.. كيف وصلنا اقتصادياً إلى كل هذا السوء؟


يُجمع الكثير من المؤرخين الاقتصاديين، على أن الاقتصاد السوري مر بست مراحل منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم.. الأولى من العام 1939 وحتى العام 1958، وكان الاقتصاد السوري فيها رأسمالياً ليبرالياً، والثانية من العام 1961 وحتى العام 1971، وهي مرحلة التحول نحو الاقتصاد الاشتراكي. أما الثالثة فتمتد من العام 1971 وحتى العام 1981، وفيها عودة خجولة نحو الاقتصاد الرأسمالي تحت اسم القطاع المشترك، وعرفت سوريا في تلك الفترة تدفق المساعدات الخليجية والغربية، فيما يعتبرها الكثيرون بأنها من أهم فترات انتعاش الاقتصاد السوري.. أما المرحلة الرابعة فتمتد من العام 1981 وحتى العام 2000، وهي الفترة الأسوأ في الاقتصاد السوري، حيث انهارت الليرة أمام الدولار، وتعرضت سوريا للحصار الاقتصادي الذي بلغ ذروته في العام 1986، كما تميزت تلك الفترة بتوقف جميع أنواع المساعدات الاقتصادية الخليجية والغربية، وذلك بسبب موقف حافظ أسد المساند لإيران في حربها مع العراق.

ومع أن الكثيرين يتحدثون عن طفرة اقتصادية حدثت في العام 1992، بسبب الموقف المساند للكويت في الحرب الخليجية وعودة المساعدات والانفتاح على النظام السياسي، إلا أن هذه الطفرة سرعان ما تلاشت وتآكلت بعد العام 1995، بسبب مرض حافظ أسد وانشغاله بالتوريث.

أما المرحلة الخامسة، فتمتد من العام 2000 وحتى العام 2010، وهي مرحلة الانفتاح الاقتصادي الشامل، واقتصاد السوق الاجتماعي الذي تبناه المؤتمر القطري للحزب في العام 2005، وكان يقصد به التحول نحو النظام الرأسمالي لكن مع الإبقاء على الدعم الاجتماعي.. وهي مرحلة شهدت ظهور حيتان المال في سوريا، الذين وعلى الرغم من أنهم أحدثوا نقلة نوعية على صعيد تنوع الخيارات الاقتصادية، لكن بنفس الوقت زاد اقتصاد النهب والسرقة من خيرات البلد، والتي كان من المفترض أن يتم من خلالها دعم الفئات الاجتماعية الفقيرة ومساعدتها لكي تحصل على فرص جديدة.. فزادت البطالة وانتشر الفساد والرشوة، وظهر الاستغلال بجميع أشكاله.

أما المرحلة السادسة، فهي الممتدة من العام 2011 ولا تزال مستمرة حتى اليوم.. وهي مرحلة اقتصاد الحرب، حيث تم تدمير كل شيء تم تحقيقه من العام 1939 وحتى العام 2010. وعادت سوريا نصف قرن إلى الوراء على الأقل.

خلاصة

يمكن أن نستخلص من العرض السابق، أن النظام قرر في المرحلة الخامسة وبعد مرور أكثر من خمسين عاماً، العودة إلى المرحلة الأولى التي كانت سائدة بعد الاستقلال واستمرت حتى العام 1958.. وبغض النظر عن سلوك النظام الشاذ في تعامله مع هذا الانفتاح، لكن في المحصلة، فإن ذلك يحمل اعترافاً منه بأن الآباء الأوائل للاقتصاد السوري بعد الاستقلال، كانوا يخططون بشكل صحيح وسليم.

ويعتقد الكثير من المحللين والمؤرخين لوضع الاقتصاد السوري، أن ظهور الأنظمة "الخنفشارية" في الحياة السياسية في سوريا، كان مبرره الوحيد هو قضية الفلاح والاستغلال الذي كان يتعرض له في الحقبة السابقة بعيد الاستقلال، ولو أن النظام السياسي في تلك الفترة انتبه لهذا الأمر وعمل عليه، لما استطاع أصحاب النزعات الاشتراكية و"الشعاراتية" أن يحصدوا التعاطف والتمدد داخل المجتمع السوري، ومن ثم الوصول إلى السلطة من خلال المتاجرة بقضية الفلاح والعامل.

كيف وصلنا إلى هذا السوء..؟

من الصعب الإحاطة بكل هذا الموضوع عبر هذا المقال، لهذا قررنا في موقع "اقتصاد" أن نتصدى لهذا الملف، من خلال الحديث عن سوريين، لعبوا دوراً مؤثراً في الاقتصاد السوري، منذ الاستقلال وحتى اليوم، وبعضهم أكاديميون تخرج من أعرق الجامعات الغربية، وتولوا مناصب ومسؤوليات في الحكومات، وكان لهم بصمات، سواء سلبية أم إيجابية، على مسيرة الحياة الاقتصادية في سوريا، وبالطبع دون أن نغفل دور النظام السياسي وخياراته الاقتصادية، ورجالات كل مرحلة على حدا..

ويحدونا الأمل أن نصل في نهاية هذه السلسلة، إلى توثيق مرحلة مهمة من تاريخ سوريا المعاصر، نتعرف من خلالها، كيف بدأ الاقتصاد السوري مع أولى رجالاته، والتي يتبوأ هذه المرحلة كل من خالد العظم ومعروف الدواليبي وعزت الطرابلسي وغيرهم الكثير، ثم كيف انتهى الحال بالاقتصاد السوري لأن يقوده وينظّر له لصوص وحرامية ومارقين، كـ "الدكتور مفيد عبد الكريم"، وحيان سلمان، ودريد درغام، وقدري جميل، وغيرهم الكثير أيضاً.. نعتقد أن دراسة المسافة الزمنية التي تفصل بين البداية والنهاية، سوف تقودنا للكثير من الحقائق والتي قد نستطيع من خلالها الإجابة على السؤال الأساسي في هذه السلسلة، وهو: كيف وصل الاقتصاد السوري إلى كل هذا السوء..؟

ترك تعليق

التعليق