محمد سعيد الزعيم، الاقتصادي الوحيد من عهد الخمسينيات الذي احتفى به نظام الأسد.. لماذا؟


من بين كل الاقتصاديين والمسؤولين السابقين، خلال فترة ما بعد الاستقلال، لم يحتف نظام الأسد، سوى بوزير المال في الخمسينيات، والاقتصادي الشهير، محمد سعيد الزعيم.. فلماذا..؟، ولماذا لم يقم بالحجز على أمواله ونفيه كما فعل مع جميع زملائه من المسؤولين والتجار في عصره..؟!

عروبي من أصول كردية..!

ولد محمد سعيد الزعيم في مدينة حماة في العام 1905، في أسرة إقطاعية من أصول كردية، لكنه أصبح اسماً كبيراً في عالم التجارة والاقتصاد في مدينة حلب، التي قدم إليها في مطلع شبابه بقصد الدراسة، ثم أصبحت مستقره الدائم ومنطلقه لجميع أنشطته السياسية والاقتصادية والثقافية. وهي لا تزال إلى اليوم مستقر جميع أفراد أسرته وأولاده وأحفاده.

 ويعتبر المرحوم الدكتور عصام الزعيم، أبرزهم، وهو ابن أخيه، والذي تولى منصب رئيس هيئة تخطيط الدولة ووزير الصناعة، في الفترة من العام 2001 إلى العام 2005.

دخل محمد سعيد الزعيم، العمل السياسي مبكراً، وذلك بالتوازي مع عمله الاقتصادي، عندما أصبح أبرز الممولين لأنشطة الثوار والأحزاب السياسية التي ثارت على الاحتلال الفرنسي.

وقد دفعه النشاط السياسي للانتماء إلى التيار القومي العربي، حيث كان يؤمن بأن الدولة العربية تشكل في مجموعها قوة اقتصادية وسياسية كبيرة فيما لو تعاونت مع بعضها البعض. وفيما بعد عمل بنشاط على تطبيق هذه النظرية من خلال مساهمته في أغلب الأنشطة والمؤتمرات الاقتصادية في الدول العربية في حقبة الخمسينيات من القرن الماضي.

ولعل ذلك كان من أبرز الأسباب الذي منع انقلاب البعث في العام 1963 من مهاجمته والحجز على ممتلكاته كما فعل مع خالد العظم وعزت طرابلسي ومعروف الدواليبي - صاحبة النزعة الإسلامية-، وحنين صحناوي، وغيرهم الكثير من الاقتصاديين في تلك الفترة، والتي كانت التهمة الأبرز الموجهة لهم هي التعامل مع الاستعمار والامبريالية، وعدم انتمائهم للأمة العربية والشعور القومي.. وهؤلاء للحقيقة كانوا أقرب لاعتبار سوريا، بأنها يجب أن لا تنخرط كثيراً في العمل العربي المشترك، بسبب ضعف إمكانيات الدول العربية في ذلك الوقت، وإنما يجب أن تبحث عن مصلحتها ومصلحة شعبها بالدرجة الأولى.

وهناك من يرى، بأن نظام البعث لم يقم بالحجز على ممتلكات محمد سعيد الزعيم وتشويه صورته كما فعل مع غيره، بسبب أنه توفي بعد أربعة أيام فقط من انقلاب البعث في العام 1963.. وفيما بعد أعلن أبناؤه ولائهم لهذا الانقلاب، وعلى رأسهم الباحثة أمية الزعيم وخالد الزعيم، اللذان ظلا حتى العام 2011 يحظيان بمكانة كبيرة في حلب، ويقودان العديد من الأنشطة الثقافية في المدينة.

وعندما جاء حافظ الأسد للسلطة في نهاية العام 1970، سمح بتداول مؤلفات محمد سعيد الزعيم، كما سمح للصحافة الرسمية أن تتحدث عنه وعن إنجازاته الاقتصادية، لكن بشرط أن تكون مقرونة بدوره في العمل القومي العروبي، بينما منعت أي إشارة إلى أصوله الكردية أو غير العربية..!!

أنشطته وآراؤه الاقتصادية

بدأ محمد سعيد الزعيم نشاطه الاقتصادي في فترة مبكرة من شبابه إذ أنه ساهم بتأسيس أول غرفة تجارية في حلب في العام 1928، كما ساهم بتأسيس غرفة التجارية السورية- الرومانية- اللبنانية ببيروت سنة 1937 وتأسيس الغرفة التجارية المصرية- السورية- اللبنانية سنة 1939 وتأسيس أول نقابة لأصحاب معامل النسيج الميكانيكي بحلب سنة 1945. هذا عدا تمثيله "حلب" وبعض الدول العربية في أكثر من مؤتمر صناعي واقتصادي وتجاري.

ويذكر الاقتصادي الشهير بدر الدين الشلاح، أن محمد سعيد الزعيم كان من أشد المؤمنين بضرورة تأسيس سوق عربية مشتركة، وكان يعمل معه على هذا المشروع بمساعدة، كل من عبد الحميد شومان مؤسس البنك العربي في الأردن، وعلي شكري خميس من مصر، إلا أن وفاته المبكرة، حالت دون إكمال هذا المشروع كونه كان أحد أعمدته الرئيسية.

أما ابنه خالد الزعيم، فيقول إنه عندما تأسست جامعة الدول العربية في العام 1945، كان والده مهندس العلاقات والمؤتمرات الاقتصادية التي انبثقت عن هذه الجامعة والتي ظلت مستمرة لسنوات طويلة بعد وفاته، كما أنها استفادت كثيراً من الدراسات التي قدمها في المجال الاقتصادي لدى تأسيس الجامعة العربية.

وبالنسبة للعلاقة مع الغرب، يروى أن محمد سعيد الزعيم زار أغلب البلدان الأوروبية، والأمريكية والأفريقية، ووضع العديد من المؤلفات عن رحلاته، التي كانت أقرب للكتابات الأدبية منها للتحليل الاقتصادي والسياسي، لكنه عموماً على ما يذكر جميع معاصريه ومن كتبوا عنه، أنه لم يكن يؤمن بأهمية استيراد النهضة الاقتصادية والسياسية من الغرب، وإنما كان يعتقد بأن مقوماتها موجودة بالكامل داخل المنطقة العربية، وما على السياسيين والاقتصاديين سوى العمل على توحيد جهودهم، من أجل أن تغدو هذه المنطقة متطورة صناعياً وعلمياً.

ومن المعروف أن محمد سعيد الزعيم تولى وزارة المالية لعام واحد من 1952 وحتى 1953، وهي فترة شهدت اضطرابات سياسية كبيرة، بسبب الانقلابات، لذلك لم يتسنى له العمل على أفكاره، إلا أنه وبعد انفصال الوحدة عن مصر، ثار نقاش كبير بين السياسيين والاقتصاديين، عن أعمال التأميم التي قام بها جمال عبد الناصر، وكانت أغلب الآراء تتجه نحو إعادة ما تم تأميمه إلى أصحابه، بينما بحسب ما نقل لنا كتاب نظام البعث، فقد قالوا بأن الزعيم كان في الاتجاه المعاكس الذي كان يرى، بالإبقاء على ما تم تأميمه، وهو رأي يتنافى مع كونه كان من أبرز المالكين لوسائل الإنتاج والمصانع والشركات.

مؤلفاته

ومن الجدير ذكره أن للأستاذ "محمد سعيد الزعيم" عدد من المؤلفات منها "تاريخ حلب الاقتصادي"، "رحلة إلى الشمال الإفريقي ووقفة على أطلال الأندلس"، "مع ثورة حماة وفي غياهب سجونها". ومن الأوسمة التي نالها الوشاح الأكبر من نيشان النيل ووسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى سنة 1953 والاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة سنة 1953 ووسام الأرز اللبناني سنة 1956، وحمل معه أكبر وسام يوم افتتاح أول جلسة لمجلس إدارة الغرفة التجارية بحلب بعد وفاته، وتم إقرار وضع صورته في قاعة الاستقبال الكبرى اعترافاً منهم وتقديراً للجهد الذي بذله الرئيس الراحل في سبيل هذه الغرفة وفي سبيل تجار "حلب" والاقتصاد السوري.

خاتمة ورأي

من حسن حظ محمد سعيد الزعيم أنه لم يعاصر حكم البعث، كونه كما ذكرنا توفي بعد أربعة أيام من انقلابه على السلطة، ومن سوء حظنا أننا لم نتعرف على موقفه من ذلك الانقلاب ورأيه الحقيقي، على اعتبار أن نظام البعث وحكم حافظ الأسد على وجه التحديد، كاد أن يصوره بأنه أحد الفاعلين بهذا الانقلاب، بل ومن أبرز المنظرين له، وتحدث عن أنه كان حاملاً للأفكار الاشتراكية.

وللأسف أن ورثة فكر وتاريخ محمد سعيد الزعيم، وهما ابنته أمية وابنه خالد، حاولا أن يرسما صورة لوالدهما تتناسب وتوجهات حزب البعث أو ما أراده حافظ الأسد، من أجل أن يظل ذكره قائماً.. لهذا تم إغفال جانبين رئيسيين في شخصية وتوجهات محمد سعيد الزعيم، الأول هو إغفال أصوله غير العربية، والثاني، تنظيره للعلاقة مع تركيا، والتي كان يرى بأنها يجب أن تكون الشريك الاستراتيجي الأول لسوريا، اقتصادياً وسياسياً، وقبل أي دولة عربية، لأنها بوابتها الوحيدة نحو الغرب والعالم المتقدم.

ومن خلال بحثنا، وجدنا أن ما سمح به نظام الأسد للحديث عن هذه الشخصية الإشكالية، هو الحرص على تقديمه كمهتم بالثقافة والأدب، أكثر من كونه اقتصادياً بارزاً، إذ أنه كان شريكاً لأبرز الاقتصاديين الذين اتهمهم نظام البعث بالعمالة للاستعمار والامبريالية، ومنهم خالد العظم وغيرهم الكثيرين ممن تم تأميم جميع ممتلكاتهم وشركاتهم.

لكن يبقى هناك سؤال محير لم نحصل على إجابة عليه، وهو: كيف نجا محمد سعيد الزعيم من التأميم..؟، وهل بالفعل شفعت له آراؤه القومية وموقفه العروبي، كما يرى البعض..؟، أم أنه كان جزءاً من الرموز البرجوازية التي أبقى عليها النظام، مثل بدر الدين الشلاح..؟، فكلاهما كان يتولى رئاسة الغرفة التجارية، أحدهما في حلب والثاني بدمشق. وكلاهما كان يعمل على تنمية مصلحته الاقتصادية والنفعية بعيداً عن الحسابات السياسية..
 
بل نستطيع أن نختم بالقول، أن ما يميز محمد سعيد الزعيم عن غيره من القيادات السياسية في عصره، والذين كانوا يمثلون الطبقة البرجوازية ويسعون لتقوية موقف بلدهم الاقتصادي والصناعي، أنه لم يكن سياسياً، ولم يكن يهتم كثيراً للتنظير لدولة اسمها سوريا.. بل كان تاجراً، يبحث عن أسواق جديدة لمنتجاته شأنه شأن بدر الدين الشلاح وغيره من النخب التجارية من عصر الخمسينيات والتي سمح نظام الأسد ببقائها واستمرارها حتى يومنا هذا..

ترك تعليق

التعليق