الليرة "الحيوانية"


بقدر ما كان توصيف دونالد ترامب، للأسد بـ "الحيوان"، ملهماً لمناوئي النظام وكارهيه، بقدر ما كانت تحركات سعر صرف الليرة السورية موالية لنظام الأسد، بصورة مجردة من أي اعتبارات أخلاقية أو مصلحية بعيدة الأفق.

لا نستطيع بطبيعة الحال، لوم الليرة السورية. فأسواق الصرف لا تملك مشاعر، وهي تعكس نظرة الناس حيال المستقبل القريب، وثقتهم بمساراته. وللأسف، نجح نظام الأسد، منذ عهد الأب، في اختطاف كل مقومات الدولة السورية، ورموزها، بما فيها الليرة، المقوم النقدي لهذه الدولة، والذي من المفترض أن يكون تعبيراً عن مصالح السوريين، ليتحول على يدي الأسد الأب وابنه، إلى تعبير عن مصالح النظام، بصورة رئيسية.

ففيما كان سكان الغوطة يُهجّرون، والمؤشرات توحي بتغيير ديمغرافي جديد مرتقب في الحاضنة الشعبية بشرق دمشق، كانت الليرة السورية تتحسن، لتسجل واحدةً من أفضل أسعارها خلال العام الجاري.

لا أخلاق في السوق، ولا مشاعر. يمكن لنا أن نتفهم ذلك. لكن، من المؤلم أن نتذكر أن الليرة السورية، التي يرجع تاريخها إلى الأيام الأولى لولادة الدولة السورية الحديثة، خلال الانتداب الفرنسي، والتي ارتبطت بوجدان السوريين، بوصفها تعبيراً عن مصالحهم، ومقياساً لتحولاتهم المعيشية، تحولت في العقود الخمسة الأخيرة من تاريخها، إلى مقياس يعبّر عن مصالح نظام الأسد، بالتحديد.

لا يمكن الفك بين الليرة وبين نظام الأسد، اليوم. بل ربما، ستسير الليرة إلى الدرك الأسفل، في معايير العملات، إن فُوجئنا بسيناريو غير متوقع يُنهي النظام، أو آل الأسد، بالتحديد. لذلك، يبدو أن الليرة، حسب الفهم الدارج في مجتمعاتنا، "حيوانية"، أي غريزية، وفق نظرة قصيرة الأفق، مجردة من أي أبعاد أخلاقية أو رؤى مصلحية جمعية بعيدة الأفق.

اليوم، تتدهور الليرة على وقع قرع طبول الحرب على نظام الأسد. بطبيعة الحال، فإن أفضل السيناريوهات يستبعد خيار إسقاط النظام. هي ضربة تأديبية للأسد ولراعيه الإيراني، والروسي أيضاً بنسب أقل. لكن ذلك لا ينفي أن الليرة باتت تعبيراً عن مصالح هذا النظام، وتعبيراً عن مخاوف السوريين القابعين تحت سيطرته، حيال المستقبل القريب. المستقبل القريب جداً، بصورة أنانية، قصيرة الأفق.

لكن، في نهاية المطاف، لا لوم على الليرة ذاتها، ولا لوم على السوريين الخاضعين لمعادلاتها المعيشية. يبقى اللوم على من اختطف الدولة ومقوماتها، وربطها بمصيره، بحيث بات زواله من زوالها، والعكس صحيح. والمُلام أكثر، تلك الفئة من السوريين التي سمحت لآل الأسد بفعل ذلك، وشجعتهم عليه.

ترك تعليق

التعليق