اقتصاديون سوريون بين 1963 - 1970.. مرحلة التحولات الكبرى


جاء انقلاب حزب البعث على السلطة في 8 آذار من عام 1963، في المرحلة الصعبة التي كان الاقتصاد السوري يحاول فيها التخلص من آثار التأميم الذي فرضته ظروف الوحدة مع مصر، فأوقف البعث كل الإجراءات التي كانت تقوم بها حكومة خالد العظم الأخيرة، والتي كانت تهدف إلى العودة بالأوضاع إلى ما قبل الوحدة. وأعلن البعث أن هويته الاقتصادية هي اشتراكية، أي الاستمرار بما كان قد بدأه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من عمليات تأميم وتحول اقتصادي، ولم يستطع إكماله.. بسبب أن الانفصال وقع بعد أشهر قليلة فقط من الإجراءات الاقتصادية الجديدة.

ومن الملفت أن حزب البعث الذي استولى على السلطة، لم يقم بأية عمليات تأميم جديدة، لكنه أوقف الإصلاحات الاقتصادية التي كانت تهدف إلى إعادة ما تم تأميمه، إلى أصحابه، وهي إصلاحات كان يقودها في ذلك الوقت رئيس الحكومة خالد العظم، ووزير الاقتصاد حنين صحناوي، ووزير المالية جورج خوري.

 لكن من جهة ثانية، أصدر البعث قرارات بمصادرة أملاك كل المسؤولين وداعميهم الذين أيدوا الانفصال وشاركوا في الحكومات التي تلته، بحجة أنهم عملاء للاستعمار والامبريالية، وأعداء للأمة العربية. وهو ما أدى إلى هروب البقية الباقية من رجال الأعمال السوريين والاقتصاديين البارزين، وكانت وجهتهم على الأغلب، إلى لبنان، التي نقلوا إليها ما تبقى من أموالهم، وأسسوا ما بات يعرف لاحقاً، وسط بيروت التجاري. بالإضافة إلى أنه كان لهم مساهمة بارزة في تأسيس البنوك اللبنانية، والكثير منها لايزال مستمراً حتى اليوم.

اقتصاديو البعث الأوائل

من يتابع الحكومات السورية التي تشكلت منذ العام 1963 وحتى العام 1970، وهي ثماني حكومات، يجد أنها كانت تخلو من أية أسماء اقتصادية بارزة، وكانت في أغلبها لا تستمر سوى لبضعة أيام أو أشهر، ثم يجري تغيير أعضائها بالكامل، لدى تشكيل الحكومة الأخرى.

فعلى سبيل المثال، تولى صلاح الدين البيطار لوحده، رئاسة أربع حكومات في فترات مختلفة من العام 1963 وحتى العام 1966، استطاع أن يشكل منها ثلاث حكومات، بمجموع أقل من سنتين، وكان في كل مرة يستعين بفريق اقتصادي من الوزراء، مختلف عن الوزارات السابقة.. وتميز البيطار عن غيره من رؤساء الحكومات الذي شغلوا تلك الفترة، أنه حاول الاستعانة بأسماء اقتصادية مهمة نوعاً ما، لكن بعد العام 1967، أصبح العسكر هم من يتحكمون بكل شيء، وبدأ النظام يخطط للقضاء على القيادات البعثية البارزة، صاحبة المشروع الاقتصادي، وإخراجها من ساحة العمل السياسي، مثل البيطار ذاته الذي هرب إلى لبنان ومنها إلى فرنسا، واغتاله حافظ الأسد في باريس بمسدس كاتم للصوت في العام 1980. وشبلي العيسمي، وزير الإصلاح الزراعي في العام 1963، الذي تم خطفه في لبنان بعد انطلاق الثورة السورية في العام 2011. ومنصور الأطرش، الذي تولى عدة وزارات في الستينيات، وتوفي في العام 2006 في بلدة القريا، بعد عودته من منفاه اللبناني بشرط اعتزال العمل السياسي.

وخلال الفترة من العام 1963 وحتى العام 1970، توالى على وزارة المالية مثلاً، خمسة وزراء، هم عبد الوهاب حومد، ومصطفى الشماع، ومحمد عبد الفتاح البوشي، وموفق الشربجي، ونور الله نور الله، الذي استمر في منصبه من عام 1969 وحتى العام 1974. وجميع هؤلاء الوزراء، باستثناء عبد الوهاب حومد، الذي أتى به صلاح الدين البيطار، وسبق له أن تولى المالية من العام 1955 وحتى العام 1956، جميعهم ليسوا من الأكاديميين المرموقين، ولا يمتلكون الخبرة والمعرفة الاقتصادية الكافية، لقيادة اقتصاد البلد.

أما وزراء الاقتصاد، فأبرزهم كان الدكتور عبد الكريم زهور، والدكتور جورج طعمة، والدكتور كمال حصني، وهؤلاء أتى بهم صلاح الدين البيطار، وجرى ملاحقتهم وسجنهم فيما بعد، وبعضهم هرب من سوريا ولم يعد إليها.

خلاصة واستنتاج

يمكن اعتبار الفترة من العام 1963 وحتى العام 1970، وكما أطلقنا عليها، مرحلة التحولات الكبرى في الاقتصاد السوري، والتي أسست فيما بعد لاقتصاد النهب والسرقة والرشوة، إذ أنه جرى في تلك الفترة، إفراغ البلد من كل الشخصيات الوطنية البارزة، وتهيئتها لحكم العسكر، الذين حولوا بدورهم جميع المناصب الحكومية، إلى مناصب شكلية، لا يؤثر فيها طبيعة الشخص الذي يتولاها، ومستواه الاكاديمي، أو ما يحمله من رؤى وأفكار اقتصادية.

فقد أصبح التخطيط الاقتصادي مركزياً، مع تبني التوجه الاشتراكي، الذي يؤمن بسيطرة الدولة على كل وسائل الإنتاج.. وهو ما حدث بالفعل، إذ تحولت جميع المصانع والشركات الحيوية بعد العام 1963، إلى ملكية الدولة، وتم إقفال جميع البنوك الخاصة، وهو ما أدى إلى هروب الكثير من رؤوس الأموال خارج سوريا، فخسرت البلد جزءاً مهماً من طاقتها الاقتصادية، سوف يكون لها أثر كبير فيما بعد على الاقتصاد السوري، الذي دخل العام 1970، مع سيطرة حافظ الأسد على السلطة، وهو يئن ويعاني، ثم لم يلبث أن ظهرت بوادر الانهيار مع مطلع العام 1976.. وهو ما سنتعرف عليه في المقال القادم، والذي سنحاول أن نغطي فيه الفترة من العام 1970 وحتى العام 1980.

ترك تعليق

التعليق