كيف يعيش السوريون في الكويت، هذه الأيام؟


وقفت الكثير من الدول العربية في بداية الثورة السورية مع الشعب السوري الثائر، ولا يخفى الدور الكبير الذي قامت به دولة الكويت تجاه الشعب السوري في بلاد اللجوء المجاورة، فكانت من أولى الدول المانحة، وقدمت العديد من الهبات لهم، ودعمت عدداً من المدارس التي تعنى بتعليم الطلاب السوريين اللاجئين في دول الجوار، فكانت المدارس التي تدعمها (رغم الكثير من سلبياتها) من أفضل المدارس من بين المدارس التي تهتم بتعليم الطلاب السوريين اللاجئين وخاصة في لبنان.

ووقفت دولة الكويت في بدايات الثورة السورية ضد نظام الأسد، واتخذت عدة إجراءات فأغلقت السفارة السورية في الكويت وطردت الدبلوماسيين السوريين من دولتها، ولكن ما لبثت أن تراجعت عن مواقفها وغيرت لهجتها تجاه النظام السوري وأعادت بعد فترة فتح سفارة النظام السوري.

السوريون والإقامات في الكويت

عند بدء الثورة السورية أوقفت دولة الكويت منح الإقامات للسوريين، لفترة، ثم أعادت منحها وبشكل مجاني سنة 2012 لمن يرغب من السوريين المقيمين في الكويت باستقدام عائلته، فسمحت لكل من (الزوجة، الأولاد، البنات لعمر 18سنة، والأولاد الذكور لعمر 16سنة، الأم والأب)، وغير مسموح  للأخ والأخت.

وفجأة بعدها تحول الشعب السوري الثائر في نظر دولة الكويت إلى شعب غير مرغوب فيه، "وربما إرهابي"، وأصدرت قراراً يمنع من خلاله دخول كل من السوري والإيراني والعراقي والباكستاني، إلى الكويت، منعاً باتاً. ومنذ تلك الفترة وحتى يومنا هذا لم يتم فتح المجال للسفر والإقامة في الكويت للسوريين، ولم يتم استقبال أي لاجئ سوري في دول الخليج كافة، وأصبح من المستحيل للسوري اللحاق حتى بعائلته، وتم رفض طلب أي سوري يرغب بزيارة الكويت.

استثناءات و"واسطات" وتكاليف باهظة جداً ولكن..

درجت منذ فترة أن يتم السماح لبعض السوريين وبحالات استثنائية جداً (بالواسطة) الدخول إلى الكويت بصفة زائر بتكلفة (2000) دينار كويتي للشخص الواحد (حيث 1 دينار يعادل 3 ونصف دولار أمريكي)، وكمثال كانت حالة "زينب" والتي كانت تقيم كلاجئة في منطقة "حلبا" في شمال لبنان مع طفليها، وكان والدهم يقيم في الكويت. ويمكن اعتبار "زينب" من المحظوظات جداً، حيث تمكن زوجها، وذلك بعد معاناة لأكثر من عامين، من الوصول عن طريق صاحب عمله إلى واسطة كبيرة بتكلفة (6000) دينار، فتمكن من استقدام زوجته وأولاده بصفة زوار إلى الكويت وبالتالي لم شمل عائلته وبعدها تم تجديد الزيارة لهم لمرة واحدة فقط بعد ثلاثة أشهر، ولكن هذه الفرحة لم تكتمل فينغصها الآن أنها أصبحت بلا اإقامة ومخالفة لتواجه مع طفليها كابوس التسفير.

عائلات سورية مشتتة بلا لم شمل

وفي مثال آخر لزوجة سورية، "هلا" وهي أم لثلاثة أولاد، ولاجئة في منطقة "البيرة" في شمال لبنان، عجزت عن اللحاق بزوجها، وتقول"هلا": "إن وضع زوجي على أده، وهو يعاني من مشاكل صحية، ويرسل لي ولأولادي مصروفنا، وأنا أعمل في لبنان، بداية حاول زوجي الغائب عنا منذ خمس سنوات أن يأخذنا ولكن كان الأمر مستحيلاً، وعليه ليس أمامنا سوى البقاء في لبنان، وأن يستمر هو في عمله في الكويت ويرسل لنا المصروف وأجار البيت، ولا يخفى على مطلع على حالنا ما عانيناه بداية أنا وأولادي من غياب زوجي عنا ثم أصبح يزورنا كل سنة لمدة شهر أو خمس عشرة يوم، أما اليوم فقد كبر الأولاد واعتدنا على غيابه، حتى أنه عندما يأتي زيارة لم يعد الأولاد يتحملون تعليقاته عليهم فأصبحوا يستاؤون من مواقفه".

أحوال اقتصادية راكدة و"تفنيش" للسوريين

رغم أن الكثير من السوريين المقيمين قبل الثورة السورية في الكويت قد أصبحت أحوالهم المادية ممتازة، وأصبح لهم عملهم الخاص ومشاريعهم، ولكن اليوم ومنذ أربع سنوات بدأ يشتكي السوريون من تراجع أوضاعهم، حيث أن كثير من الشركات في الكويت تعيش اليوم حالة ركود فاضطرو إلى التخلي "تفنيش" عن العديد من الموظفين الوافدين، أو تخفيض رواتب من هم بحاجته للعمل لديهم وذلك للتخفيف من المصاريف الزائدة، فقد انخفضت رواتب الوافدين ومن بينهم السوريين من (600 - 700) دينار كويتي لتصل إلى  (400 - 450) دينار كويتي.

المدرسون السوريون في الكويت

كما نال المدرسون السوريون نصيبهم من "التفنيش" أو تخفيض رواتب المدرسين الذين هم بحاجة إلى اختصاصاتهم وتم إلغاء قيمة بدل السكن، فقد كان راتب المدرس "غير الكويتي" يتراوح بين (450 - 500) دينار، ويضاف له (70) دينار بدل سكن، بينما يصل راتب المدرس الكويتي إلى (900) دينار أساسي و(600) دينار دعم من الدولة أي (1500) دينار كويتي.

وكان للمدرس السوري الأولوية في قبول طلبه للتدريس في الكويت عند إعلانها عن حاجتها لمدرسين اختصاصيين، إلا أنه منذ عام 2011 تم رفض طلب أي مدرس سوري، وقد كنت قدمت أنا (معد المادة) كتجربة شخصية بطلب للتدريس في الكويت عن طريق أحد أقربائي المقيمين في الكويت عندما أعلنت دولة الكويت عن حاجتها لمدرسين اختصاصيين وتم رفض طلبي رغم أن اختصاصي كان من الاختصاصات المطلوبة وسبب الرفض أنني سوري.

هل تغيرت معاملة الكويتين للسوريين بعد الثورة؟

لم يلمس السوريون المقيمون في الكويت أي تغيير في معاملة الكويتيين لهم بعد الثورة، ولكنهم باتوا يشتكون من تراجع الوضع المعيشي والغلاء والتضييق الكبير الذي طال الوافدين عموماً، فلم يعد بمقدورهم توفير احتياجات عائلاتهم حتى بأبسط مقومات الحياة فكثير منهم بات بلا عمل.

هل دخل السوريين يكفيهم في الكويت؟

الرواتب لم تعد تتناسب مع الغلاء، حتى أن الرواتب بعد تخفيضها تكاد لا تكفي أجار منزل ومصروف وأقساط مدارس وتجديد إقامات وجوازات سفر، فمن لديه ثلاثة أولاد "صار يادوب بلقمتهم ومدارسهم وبيطلع آخر الشهر مكسور"، هكذا علق أحد السوريين المقيمين في الكويت.

ما هي أجور المنازل التي يستأجرها السوريون في الكويت؟
 
يمكن تقسيم المنازل وأجورها، والتي يسكنها السوريون، إلى أربع فئات:

 تبدأ من فئة (150 - 200) دينار لغرفة ومطبخ (2*3) وحمام صغير برشاش، وفئة ثانية من (250 - 300) دينار لغرفة كبيرة وصالة ومطبخ وحمام، وفئة ثالثة من (350 - 370) دينار لغرفتين وصالة ومطبخ وحمام، وفئة رابعة (500) دينار لثلات غرف وصالة ومطبخ وحمام.

أقساط المدارس وتكاليف الإقامات

بالنسبة لأقساط المدارس فأدنى قسط مدرسي في الكويت يبلغ (400) دينار لمرحلة الحضانة سنة أولى، ويرتفع القسط كل سنة بين (30 - 50) دينار تبعاً للغلاء. أما بالنسبة للإقامات فإقامة المولود تكلفتها (250) دينار ويتم تجديد الإقامة بشكل سنوي بتكلفة (60) دينار. بالنسبة لتكلفة تجديد جواز السفر فقد بلغت (120) دينار أي ما يعادل (400) دولار. ويتم التجديد في السفارة السورية في الكويت حيث يجدد جواز السفر للشاب السوري المقيم في الكويت لمدة سنتين فقط أما للنساء والأطفال فيتم التجديد لمدة ست سنوات.

الطبابة والولادة "فوق الموت عصّة القبر"
 
ومما زاد الطين بلة على السوريين فرض أجور على المعاينات الطبية في المشافي والمستوصفات الحكومية بعد أن كانت مجانية، فأثناء حالات الولادة كان المقيم السوري يدفع فقط ثمن طابع دخول (2) دينار ليصبح (5) دينار، وأصبحت تكلفة الولادة الطبيعية (50) دينار، والولادة القيصرية (80) دينار، بالإضافة إلى تكاليف أخرى من صور أشعة وتحاليل مخبرية، ولاسيما إن وجد مشاكل صحية لدى المولود أو الأم، أما الأدوية فكانت ومازالت تعطى بشكل مجاني.

ولكن من دخل إلى الكويت بصفة زيارة فتكلفة الولادة (400) دينار والأدوية على حسابهم الخاص. وتبلغ تكلفة الولادة في المشافي الخاصة بأقل حد (1500) دينار كويتي. وكانت درجت العادة سابقاً أن كان المقيمون في الكويت من سوريين أو لبنانيين أو مصريين، يقدمون دعوة زيارة إلى الكويت لأحد ذويهم إن كان لديه مرض ما وعلاجه مكلف، لتتم معالجته في الكويت مجاناً أثناء فترة الزيارة، فقد كان العلاج مجاني والأدوية تعطى بشكل مجاني حتى للداخل بصفة زائر، إلى أن تم تعديل القرار وأصبحت أسعار العلاج رمزية للمقيم في الكويت، وللزائرين بأسعار مرتفعة.

ارتفاع غير مسبوق للأسعار في الكويت ينعكس سلباً على السوريين فيها

ارتفعت الأسعار في الكويت لكل المواد، و"صارت ناراً" على السوري، في حين الكويتي يحصل على دعم من الدولة "وما فارقة معه ومارايحة إلا عالوافد"، حتى سعر البنزين ارتفع كما يقول أحد السوريين المقيمين في الكويت، "كنا نعبي السيارة فول بـ 3 دنانير صارت بـ 5 دنانير". أما سعر تعبئة جرة الغاز فقد بلغ (750) فلس.

وكنتيجة لهذه الاجراءات والمصاريف والغلاء التي تفوق المدخول أضعافاً، اضطر الكثير من السوريين إلى ترك الكويت والهجرة إلى أوروبا، في حين فضل سوريون آخرون البقاء في الكويت للعمل، وأن يرسلوا أسرهم للعيش في سوريا أو لبنان، فالعيشة مع عائلاتهم في الكويت بدأت تصبح مستحيلة أمام هذا الغلاء وهكذا رواتب.

واقع بات يعيشه السوريون في الكويت وفي عدد من الدول العربية التي رفضت وبشكل قطعي السماح للعائلات السورية بدخول أراضيها بعد الثورة السورية، ومنعت لم شمل أفراد الأسرة، على خلاف الدول الغربية ودول أوروبا، التي وإن تأخرت إجراءات لم الشمل لديها لبضع سنوات فما زالت متاحة، وتسعى هذه الدول بجدية لمنح هذا الحق للسوري، حق لم شمل أسرته، والعيش بسلام.

ترك تعليق

التعليق