غرفة الموسيقا


بسبب ضيق العيش وقلة الدخل، يلجأ السوريون في مدينة غازي عنتاب التركية، إلى الحدائق، للترويح عن أنفسهم وقضاء أوقات فراغهم، إذ وجدوا في حدائق المدينة هدوءاً وسكينة مع ألحان غرفة الموسيقا وصوت العازفين والمغنين.


"في كل يوم عطلة أتوجه مع أصدقائي ونجلس على المقاعد الخشبية في حديقة السانكو التي تقع في وسط المدينة، لا تكلفة مادية هنا، يمكننا اصطحاب الشاي أو القهوة، ونفترش الأرض على العشب أحياناً".


"نستمع بهدوء وسكينة للعزف الذي يصدر من غرفة الموسيقا المخصصة لذلك، ونراقب العازف مع آلته وألحانه، يمكن لكل من يجلس في الحديقة الاستماع إليها لوجود ميكروفونات صغيرة موزعة فيها".


"أحياناً أجلس وحيداً لأستمتع بالسيمفونيات الجميلة، أجلس بصمت وأستعيد ذكرياتي مع آلتي الموسيقية في سوريا التي تركتها تحت أنقاض منزلي في عندان".

المخبري أحمد يعيش في عنتاب، لا يجد عملاً له لأنه لم يتمكن من تعديل شهادته، هو موظف بإحدى المؤسسات التابعة للحكومة المؤقتة، لم يتلق أي راتب منذ بضعة شهور، اختار الحديقة لكي يريح أعصابه ويلتقي أصدقائه ويستمتع بوقته بدون تكلفة.

عائلات وأفراد وأصدقاء يفترشون الأرض في الحديقة أو يجلسون على الطاولات، وأغلبهم من السوريين اللاجئين إلى عنتاب، يحبون الموسيقا والراحة التي تقدمها لهم بدون أية تكلفة، فهم لا يستطيعون الجلوس في المقاهي ولا الذهاب إلى المسارح أو النوادي.


وجدوا في موسيقا البيانو وغرفة الموسيقا متعة جميلة ورخيصة، وفي الحديقة مكاناً للهدوء والمتعة.

رجال من كبار السن وجامعيون عاطلون عن العمل وشبان يمارسون الرياضية بينما تنساب الموسيقا كماء يترقرق في جدول.


يجلس بعضهم ويتحادثون في السياسة وأخبار سوريا، يحللون ويقيمون الأوضاع وينقدون ويمدحون، ويدخنون التبغ الملفوف بأيديهم لغلاء علب التبغ المصنعة وعدم مقدرتهم على شراءها، ومع انتهاء العازف يذهبون إلى منازلهم متثاقلي الخطى بأيديهم الفارغة وظهورهم المقوسة فقراً وكآبة.

غير بعيد عن غرفة الموسيقا تجد عازف الغيتار أو المزمار وقد وضع أمامه طاقية أو محفظة آلته، يشدو بصوته الجميل ويعزف بآلته ألحاناً تركية، يمر الشباب والصبايا من أمامه وقد يتبرعون له ببعض المال.

وقفنا بالقرب من عازف غيتار شدتنا إليه ملامحه، كان يبدو أنه سوري، تهيأ لنا ذلك من حركاته ومن نظرة عينيه، كانت أغانيه تركية حزينة وشجية، جلسنا بالقرب منه، أنهي غناءه وجمع ليراته التركية ووضعها في جيبه، ورفع الطاقية التي كانت أمامه ووضعها على رأسه، كان يقول من حركاته أنه اكتفى ولم يعد يريد مالاً.

بدت عليه ملامح الجد. عدل من دوزان آلته، انتقل إلى لحن سوري.

احسست أن شعر رأسي قد انتصب وأن جوارحي قد استيقظت، وبدأ بالغناء.

"موطني، موطني، الجلال والجمال في رباك ....".

خلال دقائق اجتمع حوله العشرات وبدأوا بالغناء معه، وبعضهم أجهش بالبكاء وبعضهم تحشرج بالغناء.

أنهى أغنيته، وضع غيتاره في محفظته, حيّ الجمع بقبعته وانسحب بضع خطوات للخلف ومضى وسط صمت الجميع.

"أبو مصطفى" مازال منذ بداية هذا الشهر بعد سماعه لعازف موطني يملأ حافظته بالشاي ويتوجه إلى الحديقة، يقابل أصدقاءه هناك في نفس المكان. ينتظرون قدوم الشاب السوري، ولكنه لم يأت ولم يتمكنوا من معرفة شيء عنه.

قال أحدهم يوم أمس أنه قد سمع من أحد أصدقائه أن الشاب قد عاد إلى سوريا، وأنه قد أصبح شهيداً نتيجة تفجير في مدينة إدلب.

ترك تعليق

التعليق