في دعابة.. "الحمويين الذين أشعلوا احتجاجات الأردن"


قد تبدو كدعابة، أن يتم ربط الاحتجاجات في الأردن، بالسوريين، سواء أكانوا محسوبين على النظام، أو لاجئين في الأردن، أو حتى أردنيون من أصول سورية.

بدأت الدعابة في حديث وزير الإعلام الأردني، محمد المومني –قبل إقالة الحكومة التي ينتمي إليها-، عن أن 49% من التعليقات التي تؤجج الوضع الداخلي في الأردن، ضد قانون الضريبة، تخرج من سوريا. مؤكداً أن الجهات الرقابية لوسائل التواصل الاجتماعي كشفت عن أن هدف هذه التعليقات المساس بالأمن الداخلي في الأردن. كما أنها تحاول "دق اسفين" في "العلاقة الأردنية – السعودية"، حسب وصفه.

وبدا حديث المومني وكأنه تلميح لدور حكومة النظام، في تحريك "ذباب الكتروني"، يعمل على تأجيج الاحتجاجات في الأردن عبر تعليقات محرضة في وسائل التواصل الاجتماعي.

تطورت الدعابة سريعاً، ليتم الحديث باستفاضة عن إلقاء القبض على 5 عناصر عربية، شاركت في الاحتجاجات. تركيز الأضواء على هذا الأمر، رغم أن تعداد المحتجين بالآلاف، ودون تحديد جنسية من تم إلقاء القبض عليهم، فتح باب التأويل على مصراعيه، ودون شك، طال اللاجئين السوريين على الأراضي الأردنية.

وصولاً إلى دعابة أكبر، أن يتم الحديث وراء الأروقة عن أن رئيس الوزراء المُقال، هاني الملقي، والمُكلف بعده، عمر الرزاز، من أصول حموية سورية.

وفي لجّة الاحتجاجات، يتطوع إعلاميون ومسؤولو دول عربية مجاورة للاستثمار سريعاً. فأثار بعضهم غباراً حول "فوبيا الأخوان". فيما صدرت إشارات من جانب الملك، عن أثمان يدفعها الأردن، جراء موقفه من قضية القدس.

كل ما سبق لم يكن جديداً. فالمشهد الأردني لم يختلف كثيراً عن سابقه المصري، عشية اضطرابات تموز / يوليو 2013. فالاستخدام الحكومي الدعائي للسوريين، بوصفهم عناصر أو جهات مخرّبة، حدث قبل خمس سنوات في مصر. وتكرر في الأردن، مؤخراً، وإن بوتيرة أقل وطأة.

الآن، يبدو أن النظام السياسي الأردني استوعب صدمة الاحتجاجات المتفاقمة، وتمكن من فرملة تطورها. لكن، قبل ذلك، كان الارتباك سيد الموقف، فبدا الأردن وكأنه يكرر تجارب دول عربية انزلقت بها أنظمتها السياسية نحو الهاوية، عبر سياسات تتعامل مع الأزمة، بمنطق تبريري ساذج، يحوم بعيداً عن الأسباب العميقة. وهذا ما حدث في سوريا، قبل سبع سنوات.

خطاب الملك الأردني، يوحي بقدرة مقبولة على استيعاب صدمة الاحتجاجات، وامتصاصها. فهو لم يصف المتظاهرين بـ "الجراثيم"، بل على العكس، اعتبر أن قلوبهم على الأردن. ولم يصرّ على تكرار التبريرات الخارجية للأزمة الداخلية في البلاد، وحوّل بوصلة اهتمامه باتجاه حلحلة بعض الأسباب العميقة للأزمة الداخلية عبر تكليف رئيس وزراء، يتبنى رؤية تختلف عن سلفه.

لكن، لماذا وصل الأمر بالأردن إلى شفير الانفجار؟.. وهل السوريون بريئون تماماً من الذنب الأردني، بالفعل؟.. الجواب، أن الأردن يدفع ثمن أربعة عوامل.

 الأول ثابت لا يتغير، ويتعلق بمحدودية الموارد الأردنية. وهو ما يتطلب إدارة خلّاقة تراهن على استثمار العنصر البشري.

أما الثاني فيتعلق بانحسار المساعدات الخليجية، لأسباب سياسية واقتصادية في نفس الوقت. السياسية منها تتعلق بقضية القدس والأزمة الخليجية. أما الاقتصادية منها، فتتعلق بانخفاض أسعار النفط وانعكاسه على الميزانيات الخليجية، التي نحت نحو المزيد من التقشف.

أما الثالثة، فتتعلق بسياسات حكومة هاني الملقي، المُقالة. والتي اندفعت بحماس للاستجابة لبرنامج صندوق النقد الدولي، المتعلق بزيادة الضرائب ورفع الدعم، بهدف الحد من الدين العام المتفاقم. وقد سارت حكومة المُلقي بهذا الاتجاه، بشكل وصفه مراقبون، بالمتسرع، بدفعٍ من إلحاح صندوق النقد الدولي، فكانت النتيجة إطلاق شرارة الاحتجاجات الأخيرة. وهو ما قرر الملك تلافيه عبر تكليف عمر الرزاز بتشكيل الحكومة الجديدة. ويتبنى الرزاز نهجاً يتسم بالمزيد من التدرج في إصلاحات ضبط الميزانية العامة، بصورة تخفف من تأثير الإصلاحات على الفقراء.

النقطة السابقة بالذات تذكرنا بما عاشته سوريا، قبيل الثورة عام 2011. حيث اندفعت حكومة ناجي عطري، بقيادة عبد الله الدردري، نحو تبني نهج رفع الدعم وزيادة الضرائب، لضبط الميزانية العامة. وهي السياسة التي اعتبرها مراقبون أحد الأسباب العميقة لتوسع نطاق الاحتجاجات في سوريا، في ربيع وصيف العام 2011. إذ أن تلك السياسة الاقتصادية، طالت بالضرر الشديد شرائح واسعة في الأرياف السورية، تحديداً، من الطبقات الأقل دخلاً.

وبالعودة إلى الوضع الأردني، نتوقف عند العامل الرابع والأخير للاحتجاجات هناك. وهو يتعلق بالأضرار الاقتصادية المتراكمة جراء إغلاق المعابر الحدودية مع سوريا. وبالذات، معبر نصيب جنوب درعا. هذا المعبر الذي كان يمثل شرياناً رئيسياً للتجارة الأردنية. ويكفي أن نعلم، حسب تصريح قديم لمسؤول اقتصادي أردني، أن 70% مما يأكله الأردن، ويستورده ويصدره، كان يمر عن طريق سوريا.

خسارة معبر نصيب، جرّ خسائر بمليارات الدولارات على الاقتصاد الأردني، الذي كان يستفيد من ميزة الترانزيت عبر أراضيه، من تركيا وسوريا إلى الخليج، وبالعكس. ناهيك عن المنطقة الصناعية الحرة الأردنية السورية المشتركة، التي كانت بمثابة مدينة اقتصادية بحجم استثمارات، يتجاوز المليار دولار.

وهكذا نفهم، لماذا يصر الأردن على فتح معبر نصيب، بالتفاهم مع نظام الأسد. وهذا تحديداً، ما يخص السوريين في التطور الأردني الأخير. فالأحداث في سوريا، وكذلك في العراق، أضرّت بشكل كبير بالاقتصاد الأردني. لذا، فإن الأردن، كنظام سياسي، وطبقة مستثمرين وتجار، حريص على استقرار البلدين، بأسرع وقت ممكن. وبأي طريقة كانت. أما بخصوص البعد الأخلاقي المتعلق بخسائر السوريين، جراء جرائم النظام، فهذا أمر لا يدخل ضمن حسابات المصالح الأردنية، على الصعيد الرسمي.

منذ الأمس، دخلت الاحتجاجات الأردنية في هدنة مؤقتة، بعد أن أعلن مجلس النقباء تعليقها، لمنح الحكومة الجديدة مهلة لتعمل دون عوائق. ويبقى ما يخص السوريين من تلك الاحتجاجات، تلك الدعابة الخاصة بمسؤوليتهم عنها، وذلك الجانب المتعلق برغبة الجار الأردني في استقرار سوريا، وإعادة تأهيل نظام الأسد، كي تعود شرايين التجارة والترانزيت، لتمر عبر الأراضي الأردنية.

ترك تعليق

التعليق