ثلث سكان دمشق.. يسيرون على الأقدام


يحمل قاطنو العاصمة دمشق همّاً كبيراً في كُلّ صباحٍ أثناء انتظارهم حافلات النقل في المواقف المُخصّصة لها وعلى أطراف الطرقات. وتتفاقم أزمة المواصلات والنقل يوماً بعد الآخر جراء تحرر أجور النقل بشكل فطري من الضوابط والقوانين.

فـ 1000 حافلةٍ كبيرةٍ هي حاجة العاصمة يعمل منها 420 فقط، كما يحتاج 53 خط نقل داخلي لـ 4000 "مكرو باص" يعمل منها 1200، ويعمل 10 آلاف تكسي عمومي من أصل 26 ألف، الأمر الذي فرض على دوائر نظام الأسد المرورية غض البصر عن السيّارات الخاصّة التي تعمل كـ "تكسي أجرة" تعويضاً عن النقص المفروض.

أوقات طويلة يقضيها المواطنون أثناء توجّههم إلى أعمالهم قبل أن يُحالفهم الحظ بمرور حافلة من "القطاع الخاص أو العام" تحوي مقاعد فارغة أو مساحة جيدة للوقوف بحسب ما قال لـ "اقتصاد" الشاب "جهاد م" القاطن في حي المزّة.

وأضاف "جهاد" أنّ ثُلث سكان العاصمة يتوجّهون إلى أعمالهم سيراً على الأقدام بسبب ارتفاع أجورها وضعف أحوالهم الاقتصادية نتيجةً لرواتبهم المُتدنية التي تفرض عليهم تنظيم سُلّم أولوياتهم بشكلٍ دقيقٍ أكثر من المُقتدرين مادياً.

"جهاد م" البالغ من عمره 22 عاماً ويدرس في كلية الحقوق أشار للوسائل البديلة التي حاول القاطنون اللجوء إليها تعويضاً عن أزمتهم، حيث اعتمد بعض الطلاب الدراجة الهوائية في بادئ الأمر، لكن سُرعان ما تلاشت هذه الفكرة بسبب ازدحام الطُرقات والاكتظاظ السكاني والجهد الكبير الذي تستهلكه الدراجة خاصّةً في فصل الشتاء.

في مطلع العام 2017 استبشر سكان العاصمة خيراً بإدراج "خدمة الباكسي" لتحجز لها مكاناً رفيعاً بين خدمات المواصلات الرئيسية، وأحدثت حينها ضجّةً إعلاميةً كبيرة، لكنّها في الواقع تسبّبت بصدمةٍ أصابت السكان نتيجة تسعيرتها البالغة "فتح الباب 50 ليرة سورية و25 ليرة للدقيقة الواحدة"، الأمر الذي جعلها خارج المُتطلبات والاحتياجات حالها كحال "خدمة التاكسي" التي بلغت أجرتها في المنطقة الواحدة بمسافة تقل عن الستة كيلو متر حوالي 1000 ليرة سورية.

ويلجأ بعض الناس لـ "خدمة التاكسي" مُضطرين في الأحوال الاستثنائية، ومنهم من يلجأ إليها بسبب اضطراره لركوب أكثر من حافلة "مكرو باص" للوصول إلى مكان عمله أو دراسته بحسب ما ذكرته لـ "اقتصاد" الصيدلانية "فداء ق" القاطنة في حي الدويلعة.
 
وأضافت الصيدلانية أنّ أكثرية السكان تنازلوا مُجبرين عن "خدمة التاكسي" بسبب ارتفاع أجورها الموضوعة وفقاً لمزاجية "السائق" خصوصاً أصحاب الأعمال ذات الدخل المحدود والذين باتوا يُشكّلون 90% من قاطني العاصمة إن لم يكن أكثر. فاللجوء إلى "التاكسي" بشكل دائم بحسب الصيدلانية يتسبّب باستنزاف كبير في جيوب الناس ورُبّما لا تكفيهم رواتبهم لدفع كامل أجورها الشهري فكيف بطلاب المدارس والجامعات!

مرّات عديدة منذ عام 2011 رفع خلالها "مجلس مُحافظة دمشق في نظام الأسد" تسعيرة أجور النقل العام والخاص كان آخرها مُنتصف العام 2016 حيث وصلت نسبة رفع التسعيرة إلى 20% للمركبات العاملة على المازوت و30% للمركبات العاملة على البنزين، وحدّدت أجور خدمة التاكسي بـ 46 ليرة سورية للكيلو المتر الواحد، وكان حينها يبلغ سعر الدولار الأمريكي الواحد ما يُقارب 600 ليرة سورية، بينما يبلغ الآن حوالي 450 ليرة سورية فقط.

وإلى أضرار قطاع النقل في سوريا جراء الحرب الدائرة فقد بلغت 4567 مليون دولار، منها أضرار مُباشرة قُدّرت قيمتها بحدود 1337 مليون دولار، وأضرار غير مُباشرة تُقدّر بـ 3230 مليون دولار بحسب ما بيّنته "وزارة النقل في نظام الأسد " في الشهر الخامس من هذا العام.

كما في كُلّ أزمةٍ مع اختلاف الزمان والمكان والتأثير يضع نظام الأسد قلّة كميّة المحروقات وارتفاع أسعارها تبريراً لشجع أصحاب المركبات وسائقيها والذين اعتادوا أيضاً على رفع أجور النقل لضعفين في ساعات الليل ضاربةً بعرض الحائط كافّة القرارات المرورية ومُتجاهلةً أزمةً حقيقية أثقلت كاهل السكان ومُشكلةً عميقةً تُطيح بالقوة النقدية لهم وعبئاً من الأعباء غير المُتناهية وسط تردٍ كبير في مستوى خدماتها.

ترك تعليق

التعليق