تقرير بحثي: الاستثمار ضحية الفساد في عهد آل الأسد


إنّ الفساد هو سرطان يأكل التقدّم والنمو، كما تأكل النارُ الحطب، وما تقدّمت أمّةٌ إلا وكان الخلاصُ من الفساد هو العمود الفقري في تنميتها، وما انحدرت أمّةٌ بعد تقدّمها إلا وكان الفساد هو الرائد في انحدارها.

والفساد قد يكون سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. وفي سوريا بعد عام 1963، ازداد الفساد بشكل هستيري. وفي عهد آل الأسد عشعش الفساد في مفاصل الحياة السورية كافة، حتى أصبح الفسادُ ثقافة عامّة؛ بل أصبح يعيش في الضمائر.
 
لكننا في هذا المقال سنتناول جزءاً من الفساد الاقتصادي في سوريا، ويتمثل في فساد الاستثمار في عهد آل الأسد؛ لأن الاستثمار هو جوهر التنمية الاقتصادية، وآل الأسد هم من أصاب الاستثمار بمقتل الفساد؛ مما حرم سوريا من فرصة التقدم كماليزيا أو تركيا أو الدول الأخرى التي كان عنوان تقدّمها محاربة الفساد.

أولاً ـ تعريف الفساد (Corruption)

عرّفته منظمة الشفافية العالمية بأنه: سوء استغلال السلطة لتحقيق منافع ومكاسب خاصة، وذلك باستغلال السلطة الممنوحة سواء كانت في القطاع العام أو الخاص لتحقيق مكاسب شخصية، ولا يشترط فيها أن تكون لمصلحة الفاسد خاصة؛ بل تكون لأحد أفراد عائلته أو لقريب أو صديق أو لمؤسسة أو حزب أو منظمة أو  ميليشيا يتعاطف معها.

ثانياً ـ مؤشرات الفساد الاقتصادية في عهد آل الأسد

هناك العديد من المؤشرات الاقتصادية التي يدل وجودها على الفساد الاقتصادي، ولنتناول أهم هذه المؤشرات ومدى انطباقها على حكم آل الأسد:

1 ـ شيوع ظاهرة الغنى الفاحش والمفاجئ في المجتمع:
 
بنظرة بسيطة في سوريا منذ سنة 1970م إلى الآن نجد شيوع طبقة جديدة من البرجوازية الطفيلية المرتبطة بعائلة الأسد ومن يواليهم، ورافق ذلك شبه اختفاء للبرجوازية السورية التي شقت طريقها ببراعتها الاقتصادية.

2 ـ شيوع ظاهرة الرشوة:
 
وهذه الظاهرة كانت نادرة قبل عام 1970، لكن بقدوم الأسد إلى الحكم أصبحت من المرتكزات الأساسية في حكمهم، وقد انتشرت الرشوة رأسياً وأفقياً؛ فالرّشوة من أصغر مسؤول إلى أكبر مسؤول، وغزت قطاعات الاقتصاد كافة!

3 ـ المحسوبية:
 
وهذه شاعت في عهد آل الأسد، فالوظائف والمناصب والاستثمارات تكون لصالح آل الأسد ومن يلوذ بهم ويمشي في مسيرتهم، ويعرف السوريون كم من المشاريع والشركات قد أغلقت، أو لم تستطع الترخيص؛ بسبب المحسوبية لآل الآسد ورجالهم.

4 ـ غياب مبدأ تكافؤ الفرص في الوظائف والاستثمارات:

وهذا شائع في سوريا، فالأساس هو الولاء لعائلة الأسد ونهجها في السياسة والحكم، وليس الكفاءات.

5 ـ ضعف الرقابة "أجهزة وأداءً ودوراً" أو ظهورها بشكل شكلي مع إهمال نتائجها:

وهذا شائع في سوريا، فكل من يلوذ بالأسرة الحاكمة لا يحاسب، وحتى عندما يتمّ الحساب يكون شكلياً، ومن باب ذرّ الرماد في العيون، والذي يُحاسِب هو أشد فساداً من الذين يحاسبهم، ويكفي أن نذكر هنا قول محمد العموري رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية: "إن مبالغ الفساد المكتشفة من الجهاز بلغت 7 مليارات عام 2015"، مع اعترافه بوجود فساد كبير حتى في جهازه!

ومن الطبيعي ألا تتم المحاسبة، إلا على بعض الضعفاء.

6 ـ الواسطة:

أي التدخل لصالح فرد أو جماعة دون الالتزام بأصول العمل والكفاءة اللازمة. وهذا شاع في عهد الأسد أكثر من النار في الهشيم، فيندر أن تجد في سوريا الأسد مسؤولاً من أصغر مؤسسة أو شركة اقتصادية وصولاً إلى رئاسة مجلس الوزراء، يندر أن تجده من أصحاب الكفاءات؛ بل هو من نتاج الواسطات والمحسوبيات!

7 ـ الابتزاز:

ولا يخفى على سوري كيف يتمّ ابتزاز أصحاب الشركات والمؤسسات الاقتصادية في سوريا من قبل آل الأسد وزبانيتهم؛ من أجل سرقة أموالهم، سواء عند الترخيص أو بعد عمل الشركات. فكأنّهم شركاء لأصحاب الشركات!

8 ـ نهب المال العام:

نستطيع أن نقول ببساطة: إنّ ثروات سوريا ليست للسوريين؛ بل هي لفئة معينة تسرق وتنهب خيرات سوريا!

9 ـ غسيل الأموال:
 
وهذه ظاهرة خطيرة تأصّلت في عهد آل الأسد، فالشركات والمؤسسات التي يتم تأسيسها من قبل آل الأسد وشركائهم في داخل سوريا وخارجها، هي لتبييض الأموال التي يسرقونها من ثروات سوريا، كسرقة البترول وأموال الرشاوي والتهريب بأنواعه المختلفة والتي على رأسها المخدرات!

ومن خلال تلك المؤشرات نجد أن الفساد هو وصف دقيق لحكم آل الأسد، وهذا الفساد ينطبق على هذا الحكم الفاسد من جانبين:

الجانب الأول ـ من حيث الحجم:

1 ـ الفساد الصغير: وهو الفساد الذي يمارس من أفراد دون التنسيق من الآخرين؛ لذا ينتشر بين صغار الموظفين عن طريق استلام رشاوى من الآخرين.

2 ـ الفساد الكبير: وهو الذي يقوم به كبار المسؤولين والموظفين في نظام الأسد؛ لتحقيق مصالح مادية أو اجتماعية كبيرة. وهو الأخطر في سوريا؛ لأنه يكلف الدولة مبالغ ضخمة، ويضرّ بالاستثمار، وبالتالي التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

الجانب الثاني ـ من حيث الجهة الفاسدة:

1 ـ آل الأسد: ويعتبر هذا هو منبع جانب الفساد في سوريا، إذ أساس هذا الفساد هو عائلة الأسد ومن ثم مخلوف وشاليش، وشَكَّلَ فسادُ آل الآسد القاطرة الكبيرة التي أسّست وشحنت الفساد في سوريا، فهذه العائلات انتقلت من الفقر إلى الغنى الفاحش الذي يزيد عن مئات المليارات من الدولارات...وأنشأ آل الأسد معهم فئات من الفاسدين في قطاعات الاقتصاد كافة، ليدوروا في فلك فسادهم، وليكونوا من أصحاب المصالح التي تدافع عن فسادهم، وتضمن لهم الاستمرارية في الحكم ونهب ثروات البلد.

2 ـ جيش المفسدين: ويتكون من مجموعة كبيرة من الصناعيين والماليين والتجار وكبار الموظفين والمسؤولين الذين صنعهم آل الأسد، أو من الذين ارتبطت مصالحهم مع نظام الأسد، ويعتبر هؤلاء مع نظام الأسد بمثابة السّرطان الذي ينهش في صميم الاقتصاد السوري، إذ تم الانتقال من تنمية سوريا إلى تنمية آل الأسد وجيوش المفسدين!

ثالثاً ـ الاستثمار ولعبة الفساد في سوريا الأسد:

بدأ الاستثمار في سوريا بمرحلة الهبوط مع انقلاب آذار عام 1963، حيث بدأت مرحلة التأميم في القطاع الصناعي والزراعي والمصرفي، وبالتالي بدأت الحرب الفعلية على القطاع الخاص ودوره الرائد في الاستثمار، وتمّ الاعتماد على القطاع العام الذي بدأ يسيطر عليه ثلّة من المنتفعين بعيداً عن العلمية والمهنية؛ واستمر الأمر على هذا المنوال حتى قيام حافظ الأسد بالانقلاب على أبناء حزبه عام 1970، لتبدأ مرحلة جديدة في سوريا.

ويمكن أن ندرس الاستثمار  وفساده في عهد آل الآسد على مرحلتين:

المرحلة الأولى: مرحلة حافظ الأسد حيث تمتد من عام 1970 لغاية 2000، حيث وفاة حافظ الأسد.

المرحلة الثانية: مرحلة بشار الأسد حيث تمتد من استلام بشار الأسد الحكم لغاية  2011 حيث اندلعت الثورة السورية.

ولنبدأ بالمقصود:

المرحلة الأولى: مرحلة حافظ الأسد:

يمكن أن نقسم هذه المرحلة إلى فترتين زمنيتين:

الأولى ـ وتمتد من سنة 1970 ولغاية 1991، حيث صدور قانون الاستثمار رقم 10:

وتمتاز هذه المرحلة في بناء سلطة شمولية حديدية على أنقاض السياسة الاشتراكية التي قامت بعد عام 1963 بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، حيث يمكن وصف هذه المرحلة كذلك على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي بأنها مرحلة رأسمالية الدولة واشتراكية المجتمع، وهذا وصف تميز به الأسد على مستوى العالم، فمن خلال رأسمالية الدولة استلم آل الأسد ومن يُحسَب عليهم زمامَ القطاع العام في سوريا، وهو القطاع الأكبر والأهم في سوريا بعد التأميم وبعد إنشاء مؤسسات جديدة في القطاع العام، وبذلك أسّسوا من خلال الفساد في القطاع العام نواة رأسمالية جديدة تقوم على جانبين أمني عسكري والآخر مدني، ويتمثل الجانب العسكري والأمني بتشكيل برجوازية عسكرية أمنية عمادها ضباط الجيش والأمن الذين جلّهم من الطائفة العلوية، أما البرجوازية المدنية فهي تتمثل في كبار المسؤولين والموظفين في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وجميعهم تابعون لآل الأسد بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء من حيث الولاء أو التعيين أو الحماية أو التعاون والسمسرة.

أما اشتراكية المجتمع فتتمثّل في سياسة "إفقار الشعب وتجويعه" باسم شعارات الاشتراكية التي لا تطبّق إلا على أفراد المجتمع؛ لذلك نجد أنّ الطبقة المتوسطة ساءت حالتها وازدادت نسبة الفقر، ومن عاصر الثمانينات يعلم كيف ساءت الحالة الاقتصادية، وكيف ضُرب الاستثمار، حتى باتت الطوابير من الناس على الزيت النباتي والمحارم الورقية.

ولعلّ الباحثة الفرنسية "إليزابتلونغوينس" أول من تحدّث من الغربيين عن هذا التزاوج غير الطبيعي بين رأسمالية الدولة واشتراكية المجتمع عند آل الأسد، حيث وصفت المرحلة بقولها: "التطبيق الاشتراكي والرأسمالي في المجتمع والسلطة" حيث يتم تسخير القطاع العام لصالح القائمين عليه ليتحول إلى قطاع شبه خاص مرتبط بالجيش وكبار المسؤولين.

وأبرز الخطوط العريضة في هذه المرحلة من حيث الاستثمار:

1 ـ الاعتماد على القطاع العام: حيث اعتمد حافظ الأسد على القطاع العام المؤمّم، وكذلك على إحداث الكثير من مؤسسات القطاع العام الصناعية، وتمّ اختيار المسؤولين لقيادة القطاع العام بعناية من قبل الفروع الأمنية التي كانت تعيّن على أساس الولاء والمحسوبيات وتقاسم الرشاوي، وليس على أساس معايير الكفاءات والإبداع والتطوير.

2 ـ محاربة القطاع الخاص: إذ اعتبروا القطاع الخاص عدواً للتنمية، لذلك تمّ ممارسة كل الطرق للتضييق على القطاع الخاص، سواء من خلال الضرائب والرسوم أو من خلال عدم السماح بالاستثمار في قطاعات معينة أو صناعات معينة، ولذلك من الطبيعي أن نجد أن نسبة مساهمة القطاع الخاص قبل عام 1990 لا تتجاوز 10% من الناتج القومي.

3 ـ اتباع سياسة إحلال الواردات:

وتقتضي هذه السياسة أن تعتمد سوريا على نفسها في معظم السّلع، بحيث تستغني عن الواردات، وبالتالي تحل مشكلة القطع الأجنبي، وتنمي الصناعات الوطنية.

وبغض النظر عن سلبيات وإيجابيات هذه السياسة في الاستثمار من الناحية النظرية الاقتصادية، فإننا نسجّل فشل هذه السياسة في عهد الأسد، حيث شلّت حركة الاستثمار ونموه الطبيعي في سوريا، وسجلّ الاستثمار في القطاع الصناعي فشلاً كبيراً، ووصلت سوريا إلى مرحلة العجز الحقيقي في تأمين السلع في القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية، ووصل العجز حتى على استيراد تلك السلع من السوق الخارجي وذلك لندرة القطع الأجنبي.

وبذلك نشطت حركة التهريب في سوريا برعاية آل الأسد، وظهرت منذ ذلك الوقت ما يسمّى بعناصر "الشبّيحة" الذين خرّبوا الاقتصاد السوري وعلى رأسه الاستثمار، وأفقروا الدولة، وأخرجوا العملة الصعبة من سوريا.

ففشل سياسة إحلال الواردات أنتجت ظاهرة التهريب التي رعاها آل الأسد، وكانوا حريصين على استمرارها وتطورها.

ولذلك تعتبر الفترة من عام 1980 ولغاية 1990 من أسوأ الفترات الاقتصادية في سوريا.

4 ـ تجذّر الفساد:

في هذه الفترة الزمنية أصبح للفساد جذور قوية في كل القطاعات الاقتصادية؛ بل وتمّ ممارسة سياسة الإفساد، حتى بدأنا نلحظ في نهاية الثمانينات انتشار ثقافة الفساد في سوريا على مستوى عريض، فعلى سبيل المثال كانت الرشوة في بداية السبعينات من العار الاجتماعي وصاحبها منبوذ اجتماعياً، قبل أن يحاسب قانونياً. أما في نهاية الثمانينات دخلت الرشوة القطاعات الاقتصادية والخدمية كافة، وما عادت حتى مشكلة أدبية!

الثانية: من عام 1991 ولغاية عام 2000 حيث موت حافظ الأسد:

في هذه المرحلة اكتشف حافظ الأسد وفريقه الفاسد أن المرحلة السابقة كانت تقوم على الخطأ، لذلك أرادوا أن يعيدوا الحياة إلى القطاع الخاص الذي أعدموه بأيديهم، وأرادوا أن ينفتحوا على الخارج، وكأنّ الاشتراكية التي كانوا يُروجون لها قد دخلت غرفة الإنعاش!

وبالنتيجة بدأت هذه المرحلة بصدور قانون الاستثمار رقم 10 عام 1991، وهذا القانون هو انفتاح على الاستثمار في القطاع الخاص والاستثمار الخارجي، وأصبح هناك وفق هذا القانون أمام القطاع الخاص ثلاثة مجالات للاستثمار: في قطاع الصناعة وقطاع الزراعة وقطاع النقل، وبقيت السياحة والاتصالات والنفط والثروات المعدنية حكراً على آل الأسد ووكلائهم.

وكذلك فشلت هذه المرحلة، ولم تحقق أهدافها، إذ توجّهت المشاريع الاستثمارية إلى الجوانب الاستهلاكية والخدمية، أما الصناعات المتوسطة والثقيلة فبقيت غائبة عن السوق السورية الداخلية، لذلك من الطبيعي أن يكون هناك سباقاً على الصناعات الهابطة، كمعامل لبان المضغ (العلكة): علكة سهاد ومنطاد، ومعامل البسكويت: الفاخر ولميس وكتاكيت، ومعامل الصابون: نورس ومدار، ومعامل المناديل الورقية التي تشابهت أسماؤها...وفي مجالات النقل، تأسست شركات نقل جماعية سمّيت بالنقل السياحي، وهي لمجموعة من الأشخاص مرتبطين بالنظام عبر مؤسساته الأمنية...وفي المجال الزراعي تأسست من عام 1991م لغاية 1999م تسعة مشاريع وفق القانون رقم 10، ثلاثة منها لأفراد الأسرة الحاكمة الكويتية ( فَدك والبرثنية والرحاب) والغاية منها مزارع استجمام لسمو الأمير،  ولم تنتج شيئاً على أرض الواقع، والباقي من التسعة لم ينفذ منها إلا مشروع واحد.

وبالنتيجة كانت هذه المرحلة من مشروع حافظ الأسد تؤكد أنّ القانون رقم عشرة هو قانون تمّ تفصيله على قياس السلطة، وعلى مقاس البيروقراطية والفساد الذي يتبعها. وهي مرحلة فاشلة بامتياز على صعيد الاستثمار الاقتصادي.

إذن مرحلة الاستثمار في عهد حافظ الأسد من سنة 1970 ولغاية عام 2000 تتميز بأنها مرحلة قضت على الاستثمار الحقيقي، وجعلت من سوريا بلداً فاسداً وعاجزاً عن شق طريقه في التنمية الاقتصادية.

ـ أسباب فشل الاستثمار في مرحلة حافظ الأسد:

إنّ السبب الرئيسي في فشل الاستثمار والاقتصاد عموماً في عهد حافظ الأسد هو "الفساد المنظّم"، ولم يكن حافظ الأسد يوماً يهتم بتنمية سوريا بقدر ما كان يهتم بتثبيت أركان حكمه وتوريثه؛ لذلك لم يكن الفساد طفرة عند الأسد؛ بل هو منهج كامل يمشي عليه بدراية كاملة، حيث جعل من الفساد منظومة لها مفاهيمها وكيانها، ولها طابورها العريض الذي يمسك بالدولة في كل مفاصلها وأركانها، مما جعل الفساد حالة وجدانية كامنة في أعماق الضمائر والسرائر لدى الأكثرية الساحقة من النّخب وصانعي القرار، وحتى العامة والكوادر القيادية والبيروقراطية!

ونجح الأسد في تشكيل طبقة برجوازية طفيلية فاسدة مستثمرة يدعمها طوابير من المنتفعين؛ كي يستمر في حكم سوريا وتسليمها لورثته، وهذا الأمر أدركه صاحب كتاب "الأسد" باتريل سيك حيث يقول: "في سبيل حكم سوريا وتحديثها يعتقد أنه ( أي حافظ الأسد) بحاجة إلى طبقة قوية ومتمولة من بين رجاله أنفسهم (أي طائفته وزبانيتهم) لتحل محل البرجوازية السورية القديمة".

ويكفي أن نذكر الأسماء الآتية الذين جعل منهم حافظ الأسد برجوازيته وسوطه التي يضرب بها الاستثمار والاقتصاد والاجتماع والسياسة:

رفعت الأسد وأبناؤه ـ جميل الأسد وأبناؤه ـ محمد مخلوف وأبناؤه ـ باسل الأسد ورجال أعماله ـ محمد توفيق الجهني ـ اللواء شفيق فياض ـ اللواء علي ملاحفجي ـ اللواء إبراهيم صافي ـ اللواء محمد الخولي ـ اللواء على الصالح ـ اللواء علي دوبا ـ اللواء علي حيدر ـ اللواء حكمت إبراهيم ـ اللواء محمد نصيف ـ اللواء غازي كنعان ـ أحمد اسكندر (وزير إعلام في حكومة الكسم) ـ محمد سلمان ( وزير إعلام في حكومة الزعبي).

وجميع هذه الأسماء من الطائفة العلوية، ولم نذكر باقي عائلة الأسد وشاليش ومخلوف لكثرة الأسماء وشهرتها من قبل السوريين، وكذلك لم نذكر البرجوازية الجديدة الطفيلية الفاسدة من باقي طوائف سوريا خصوصاً من أهل السنة الذين كانوا من أركان سياسة الأسد كطلاس وعائلته وعبد الحليم خدام ومن يلوذ به، والزعبي ومن يتبعه، وغيرهم الكثير الكثير من أبناء سوريا.

ويكفي أن نذكر من تلك القائمة محمد مخلوف الذي يعتبر رجل أعمال حافظ الأسد الذي كان الحوت الأكبر الذي استلم مؤسسة التبغ والتنباك (الريجة) والمصرف العقاري والمافيا النفطية في عهد حافظ الأسد. وأقل رقم قيل عن ثروته الخاصة هو 18 مليار دولار. أما عن جميل الأسد فأقل رقم قيل عن ثروته 6 مليار دولار، أما رفعت الأسد فلا يمكن الحديث عن ثروته واستثماراته فهي أضعاف الناتج المحلي السوري.

المرحلة الثانية ـ مرحلة بشار الأسد:

استمرّ بشار الأسد في نفس سياسة الاستثمار التي تشجّع القطاع الخاص، إذ بقي قانون الاستثمار رقم عشرة هو أساس الاستثمار، وبلغ عدد المشاريع المشمولة بالقانون رقم عشرة وتعديلاته خلال الفترة من 2000 إلى 2006 بلغ 173 مشروعاً استثمارياً، ومعظم هذه المشاريع فشلت بسبب الفساد والبيروقراطية.

وبعد تراجع الاستثمار في عهد بشار الأسد تمّ إلغاء القانون رقم 10 لعام 1991 وأحدثوا عام 2007 هيئة الاستثمار السورية كهيئة مستقلة تابعة لرئاسة الوزراء، وذلك من خلال المرسوم التشريعي رقم 8 لعام 2007 والمرسوم رقم 9 لنفس العام، حيث المرسوم 8 عدّل القانون رقم 10 وأنهى العمل به، والمرسوم رقم 9 قضى بإنشاء الهيئة المذكورة.

ورغم هذه المراسيم وغيرها بقي الاستثمار دون أدنى المستويات المطلوبة؛ بل تميزت حركة الاستثمار بأنها أداة بيد المفسدين الجدد الذين أصبحوا من الرموز الاقتصادية الكبيرة التي تقوم بالمشاريع الاستثمارية.

وبقيت رؤوس الأموال الكبيرة السورية المهاجرة بعيدة عن قبول الاستثمار في سوريا، وبقي كذلك المستثمرون الأجانب يعانون من شركاء النظام في الاستثمار، أما المستثمرون السوريون في الداخل فيجب أن يكونوا تحت عباءة المستثمرين الفاسدين المحسوبين على النظام.

فقطاع الاتصالات لرامي مخلوف والبراق لمحمد حمشو  والنفط لأسعد الأسعد.

ويمكن القول بأنّ الفساد في عهد بشار الأسد تضاعف عدة أضعاف عن الفساد في عهد والده، وبأسماء جديدة وقطاعات جديدة، ويمكن أن نذكر من الرموز الجديدة في الاستثمار والفساد: حوت الاقتصاد السوري رامي مخلوف وكيل أعمال بشار الأسد، وحافظ مخلوف وماهر الأسد والكثيرين من عائلة الأسد ومخلوف وشاليش، والعماد على أصلان، والعماد علي حبيب، واللواء آصف شوكت، واللواء عدنان مخلوف، واللواء بهجت سليمان، واللواء عدنان إبراهيم الأسد، واللواء حسن خليل، واللواء إبراهيم حويجة، وعدنان عمران.

وهناك الكثير من رجال الأعمال يسيرون في موكب الفساد السلطوي كمحمد حمشو وعماد غريواتي وعبد الرحمن العطار وراتب الشلاح وغيرهم الكثير.

ونحبّ أن نشير هنا باختصار كبير إلى رامي مخلوف الذي يعتبر الحوت الذي يبلع الاقتصاد السوري، فظهر من خلاله ما يُسمّى "اقتصاد الرمرمة" نسبة إلى اسمه، فهو محتكر الكثير من الصناعات السورية والكثير من المشاريع الخدمية، فهو من حيث الظاهر صاحب شركة الشام القابضة التي قبضت على جميع مفاصل الاقتصاد السوري.

ويكفي أن نشير إلى أنّ دخل رامي مخلوف من شركة سيرياتل لوحدها بلغ 5.1 مليار دولار عام 2005، فماذا عن شركة الطيران (أجنحة الشام) التي تعمل وحيدة في سوريا، وماذا عن وكالات السيارات، وشركات البناء، والمصارف الخاصة، وشركات التأمين، والشركات الصناعية، والمنشآت السياحية.

وهذا الفساد الذي قتل التنمية في سوريا ليس ادعاءً عليهم؛ بل إنّ بعض مؤسساتهم الرسمية وشبه الرسمية تلمّح إلى ذلك، ففي عام 2010 أصدرت وزارة المالية لأوّل مرّة إحصائية قدّرت فيها حجم الفساد المكتشف خلال 19 شهراً سابق للإحصائية بمقدار 5 مليارات ليرة سورية.

وصرح مدير هيئة المنافسة ومنع الاحتكار الحكومية  أنور علي أنّ 30% من ميزانية الدولة يتسرب من خلال الفساد والرشى، وتظهر دراسة أنّ 80% من الرشوة سببها تمتّع البعض بمناصب ومراكز تجعلهم بعيدين عن المحاسبة.

ونشير إلى أنّ شعار محاربة الفساد الذي طرحه بشار الأسد هو شعار للتخدير، والذين تتم محاسبتهم هم للترويج، وهم كذلك ليسوا من أركان الفساد الذين يعتمد عليهم، فالمحاسبة تكون لغير أبناء طائفته وأركانه، فلم يكن هناك حساب لأحد من آل الأسد أو مخلوف أو الآخرين ممن يحسبون عليه!

فمعاونة وزير الصحة هدى السيد ـ المحسوبة على أركان النظام ـ المتّهمة بالفساد والسّمسرة واستيراد الأدوية الفاسدة واللقاحات بنحو 869 مليون ليرة، بعد أن تمّت إقالتها، تأخذ أذن سفر وتسافر من مطار دمشق!

كتبت رئيسة حزب سوريا الأم المعارض: (هربت هدى التي كانت "تفك مشنوق" والتي لم يكن وزير الصحة يجرؤ على مناقشتها بأي قرار رغم الشكوى الكثيرة حولها ومناقشة فسادها في مجلس الشعب وصدور قرار تفتيشي بحقها. وخلفها من سرقوا وساندوها وهرّبوها...وقد يكون العمل مقصوداً لتغطية ملفات النظام وفتح ملفات الدواء التي تديرها "مافيات" بسوريا).

بينما عضو مجلس الشعب رياض سيف رُفعت عنه الحصانة من قبل بشار الأسد، وسُجن سبع سنين؛ لأنه انتقد سرقات رامي مخلوف للشعب السوري من خلال شركات الخلوي!

والطامّة الكبرى هو ما قاله بشار الأسد صاحب شعار الشفافية ومحاربة الفساد أمام حكومة ناجي العطري الثانية: "إنّ تعطيل الاستثمار في سوريا من قبل أي شخص يعتبر خيانة عظمى، وأنّ عقوبة الخيانة العظمى معروفة في القانون السوري".

والواقع السوري يقول بشكل لا لبس فيه: إنّ من عطّل ويعطّل، وقتل ويقتل الاستثمار في سوريا، هو حافظ الأسد وبشار الأسد ومن تعاون معهم من آل الآسد وشاليش ومخلوف، وأزلامهم من باقي السوريين.

إنّ من يتهم السوريين بالخيانة العظمى كان من الأولى أن يتهم نفسه بالخيانة العظمى. فهو المؤسس والداعم والراعي للفساد. لكنها الشعارات التي تُعتبر من سياسات الصمود والتصدي والممانعة التي ابتدعها آل الأسد. والتي جعلت من سوريا خارج التاريخ.

فهذه منظمة الشفافية الدولية صنّفت سوريا في تقريرها لعام 2010 في المرتبة 127 دولياً من أصل 180 دولة، وهذا التقرير يعتمد على درجة ومستوى الفساد في مؤسسات الدولة، وقال التقرير: إنّ الفساد في سوريا ليس سطحياً؛ بل هو مرض مزمن يهدد اقتصادَ الدولة.

ترك تعليق

التعليق