تحت قبضة الأسد: تعايش صعب مع المعارضين السابقين


عمر ملحم، القيادي السابق في إحدى فصائل المعارضة المسلحة، عاد من حيث ابتدأ.. تقريبا.

كان عقيدا في قوات النظام عندما بدأت الانتفاضة ضد حكم بشار الأسد عام 2011. انشق بعدها بعام وانضم الى الحراك الثوري المسلح ضد نظام الأسد.

بعدها، عندما دخلت قوات الأسد الى تلبيسة، كان من بين المعارضين الذين سلموا أسلحتهم ووافقوا على صفقة استسلام تسمح لهم بالبقاء في بلدتهم بدلا من حياة المنفى في شمالي البلاد.

وبينما تستعيد حكومة النظام سيطرتها على معاقل الثوار، فان التعايش بين جيش النظام ومقاتلي المعارضة السابقين مثل ملحم، بات هو الواقع الجديد.

القيادي المعارض السابق البالغ من العمر 51 عاما، يخدم الآن كحلقة وصل بين الأهالي والمعارضين السابقين الآخرين وبين حكومة النظام، حيث يساعد البعض في العودة الى جيش النظام، ويفاوض كبار المسؤولين الأمنيين حول توفير الخدمات في البلدة.

قال ان الحرب لم تجلب سوى الموت والدمار الى بلدته، والاتفاق الذي تم التوصل اليه هو ومعارضين آخرون مع حكومة النظام يرمي الى إنهاء حال البؤس التي يعيشها السكان منذ سنوات.

قال ملحم "الأهالي سئموا الحرب وتعبوا من القتال وتعبوا من الدمار ... لقد توصلوا الى استنتاج مفاده ان دولا أخرى استخدمتهم وكأننا لعبة في أيديهم." مشيرا الى الولايات المتحدة ودول غربية أخرى وتركيا ودول الخليج التي دعمت المعارضة، وروسيا وإيران التي دعمت النظام.

ومن بين أولى البلدات السورية التي حملت السلاح ضد حكومة النظام أصبحت تلبيسة والرستن القريبة منها جزءا مما يسميه البعض عملية "مصالحة" لكن آخرين يعتبرون ذلك استسلاما مهينا بعد سنوات من القصف العشوائي والحصار.

وملحم من بين آلاف المعارضين الذين أجبروا على الاستسلام في مقابل السماح لهم بالبقاء. ورفض مئات المقاتلين الآخرين ذلك ورحلوا مع عائلاتهم الى مناطق تقع تحت سيطرة المعارضة شمالي سوريا وانضموا الى عشرات الآلاف من معارضي حكومة النظام الذين اجبروا على العيش في المنفى.

يحمل عمر ملحم الآن قائمة بأسماء المعارضين في البلدة وأخرى بجميع الأسلحة التي سلمت الى حكومة النظام أثناء قيامه بالضغط من اجل الحصول على خدمات أفضل لبلدته.

وعند نقطة ما، شكا ملحم إلى عقيد بجيش النظام نقص إمدادات المياه والكهرباء.

فرد العقيد "تحلى بالصبر. لقد مر أقل من شهرين فقط على استعادة البلدة."

وعندما قال ملحم إن سكان البلدة يتعاونون مع من يتعامل معهم بشكل جيد ولن يتحملوا أي سوء معاملة، أجاب العقيد "هل أنت قادم إلى هنا لاستعراض عضلاتك؟" ثم ضحك الاثنان.

معظم مناطق البلدتين مهجورة.

تلبيسة، التي كان عدد سكانها في الماضي 70 ألفا، يقطنها الآن بضعة آلاف فقط.

وخلال جولة لأسوشيتد برس، وهي الأولى لمؤسسة إعلامية في المنطقة، شوهد مقاتلون سابقون في المعارضة يسيرون في الشوارع، حيث بات معظمهم بلا وظائف.

وقالوا إنهم منعوا من مغادرة المنطقة وشكوا بأن حكومة النظام تلاحقهم بسبب ضرائب يعود تاريخها إلى عام 2011.

أغلقت معظم المحال التجارية أبوابها، وصارت المنازل - المليئة بثقوب الرصاص وبقايا القذائف - خاوية على عروشها.

هنا في مدخل البلدة، وضعت صورة عملاقة لبشار الأسد.

سقطت البلدتان في دوامة من إراقة الدماء، وتعرضتا لحصار من جانب النظام استمر لسنوات جعل السكان يعيشون على كميات صغيرة من الطعام.

وصلت إمدادات الإغاثة العام الماضي فقط، بعد أن أدرجت البلدتان ضمن مناطق "خفض التصعيد" الأربع التي وافقت عليها روسيا وإيران وتركيا.

يقول المزارع عبد اللطيف الخطيب (61 عاما) الحياة هنا كانت قاسية للغاية، لم تكن هناك منتجات غذائية متوفرة. كان من الصعب العثور على رغيف خبز."

بينما تقول حياة الغرد، التي بقيت في تلبيسة مع زوجها وبناتها السبع، "بناتي كن يصرخن من الخوف. كنا نركض في أي اتجاه ولا نعلم أين نختبئ."

وأضافت أن بناتها أميات بسبب إغلاق معظم المدارس في البلدة عقب بدء القتال.

كان ملحم القائد العسكري لـ "جيش التوحيد"، أكبر فصيل معارض في المنطقة، وكان قوامه نحو ثلاثة آلاف مقاتل.

وهو يتفاخر الآن، لا بقتال قوات النظام، بل بتخليص المنطقة من تنظيم الدولة الإسلامية عام 2015 ومقاتلين مرتبطين بالقاعدة قبل عام.

ويقول "جيش التوحيد تأسس بهدف قتال داعش، وقد طردناهم من منطقتنا".

وذكر أنه منذ ظهور التنظيم، بدأ جيش التوحيد في التواصل مع "شعبة المخابرات العسكرية السورية" التابعة للنظام، واستمر ذلك حتى العام الماضي، عندما تم التوصل إلى التهدئة.

وفي فبراير/ شباط الماضي، شنت قوات النظام - المدعومة بغارات جوية روسية - حملة لاستعادة الضواحي التي تسيطر عليها المعارضة في دمشق.

كانت المنطقة، المعروفة باسم الغوطة الشرقية، إحدى مناطق خفض التصعيد.

وبعد سيطرة القوات على الغوطة الشرقية في إبريل/ نيسان الماضي، حولت الحكومة انتباهها إلى ريف حمص الشمالي الذي يتضمن سلسلة بلدات وقرى من بينها تلبيسة والرستن.

وبعد ذلك، بالتزامن مع حملة القوات الهجومية، بدأت سلطات النظام وروسيا التوسط فيما يسمى اتفاقات "المصالحة".

وفي 18 مايو/ أيار، دخلت قوات النظام إلى تلبيسة وسلم مقاتلو المعارضة أسلحتهم.

يقول العقيد في جيش النظام يوسف سباهي إن "المصالحة" مجرد تعبير ملطف بدلا من الاستسلام.

ويضيف "عندما سيطر الجيش السوري على المنطقة، أدرك المقاتلون أنهم سيستهدفون. لقد أجبروا على الاستسلام تحت شعار المصالحة. هذا كل ما في الأمر."

اتفق سباهي مع ملحم وقال إنه ساعد في تنسيق التوصل لاتفاق من أجل وقف القتال.

"كان هذا تحذيرا للمتمردين في الأجزاء المتبقة من سوريا: إذا رفضتم الاستسلام، ستؤخذ المنطقة بالدمار والموت. لا يوجد أمامكم خيار آخر".

أما عن ملحم، فقد حمل السلاح للدفاع عن بلدته وفي النهاية وافق على الاستسلام. "فرض هذا علينا وكان علينا أن نفعل ما فعلناه".

"أنا سعيد بما وصلنا إليه. سوريا دولة واحدة"، وفقا لسباهي.

ترك تعليق

التعليق