كيف قضى "شادي" وشقيقته اختناقاً.. بعد أن رفضت الشرطة الليبية فتح أبواب الشاحنة لهم؟


"قضى ثمانية أشخاص بينهم ستة أطفال صغار في شاحنة تبريد كان بها حوالي مئة مهاجر سرَي قرب مدينة زوارة الليبية، اختناقاً، في مشهد شبيه بما رواه غسان الكنفاني في روايته (رجال تحت الشمس)".

هكذا أوردت قناة 2M المغاربية في نشرة الظهيرة في السابع عشر من تموز /يوليو المنصرم، خبر مقتل المهاجرين أثناء محاولتهم العبور نحو إيطاليا عبر البحر.

"شادي عبد الباري" وشقيقته "رهف"، كانوا بين الضحايا الذين قضوا خنقاً داخل الشاحنة.


"اقتصاد" كان قد أورد في تقرير سابق له مقتل الطفلين، لكن حينها ذُكر أن الطفلين تُوفيا غرقاً في البحر، وذلك بناء على  اتصال من والد الطفلين بشقيقه، أبلغه بفقدانه لأولاده، وأنه محتجز لدى خفر السواحل، فما كان ليتوارد إلى ذهن شقيقه إلا أنهم قضوا غرقاً، كما قال حينها لـ "اقتصاد".

بعد الإفراج عن والد الطفلين من قبل مديرية الأمن في مدينة "زوارة " الليبية، روى لشقيقه ما جرى معه والذي بدوره روى القصة كاملة لـ "اقتصاد"، حيث قال: "انطلقت الشاحنة التي تقل المهاجرين من مدينة زوارة باتجاه ساحلها للبدء في عملية النقل إلى القوارب للسفر بحراً باتجاه إيطاليا. شقيقي كان يجلس في الأمام بجانب السائق والمهرب. الشرطة كانت منتشرة على الساحل في المنطقة وفور رؤية المهرب والسائق للشرطة، لاذوا بالفرار تاركين الشاحنة ورائهم. في حين قامت الشرطة على الفور بتطويق الشاحنة واعتقال شقيقي والذي أخبرهم مباشرةً بوجوب فتح الأبواب الخلفية للشاحنة لعدم وجود متنفس للهواء في الشاحنة، يضاف إلى ذلك الضوضاء التي صدرت من داخل الشاحنة بعد صراخ الناس مطالبين بفتح الأبواب، إلا أن الشرطة رفضت فتح الأبواب خوفاً من حدوث فوضى لكثرة عدد المهاجرين داخل الشاحنة".

يتابع عم الطفلين: "بقيت الشاحنة متوقفة في مكانها قرابة الساعة ونصف إلى حين وصول التعزيزات حيث تم بعدها نقلها إلى مركز الأمن في المنطقة والذي يبعد حوالي 45 دقيقة عن الساحل، وذلك إضافة إلى المدة التي احتجزوا خلالها داخل الشاحنة أثناء نقل المهرب لهم من المدينة إلى الساحل قرابة الساعتين والربع. وكانت الشاحنة تحوي بداخلها غالونات مليئة بمادة البنزين والتي انسكبت داخل الشاحنة نتيجة القيادة الرعناء للشرطة أثناء نقلهم إلى المركز".

عند فتح الأبواب كان معظم المهاجرين قد أصيبوا بالاختناق نتيجة عدم وجود متنفس للهواء إضافة إلى رائحة البنزين حيث سارعت
الشرطة إلى إسعاف جميع الذين أصيبوا بالاختناق، في حين قامت باحتجاز كل من لم يفقد وعيه، وذلك بعد أن صادرت جوازات سفرهم وأجهزتهم النقالة وجميع ممتلكاتهم.

بعد انتهاء التفتيش تم احتجاز جميع المهاجرين حيث تأكد لاحقاً وجود ثمانية ضحايا نتيجة الاختناق.

الشرطة الليبية سمحت لعدد بسيط من الرجال بالخروج من أجل الدفن، وهم من أقرباء الضحايا، حيث تم دفن الثمانية معاً في قبر واحد. وأصدرت الشرطة شهادات وفاة للضحايا مؤكدة ضمن الشهادات أن العامل المسبب للوفاة هو الاختناق دون توضيح المسبب له، أو تفاصيل عن الحادثة التي رافقته.

وأفرجت الشرطة عن المحتجرين بعد 5 أيام من الاحتجاز، وأعادت لهم فقط جوازات سفرهم وأجهزتهم النقالة، واحتفظت بالأموال.

والد الطفلين قام عقب الإفراج عنه بالذهاب إلى مفوضية الأمم المتحدة في السادس والعشرين من تموز / يوليو المنصرم، لكن المنظمة لم تقم بإجراء جاد بخصوص الأمر، نظراً لكون الموظفين هناك جميعهم ليبيون أي لا يوجد داخل فرعها هناك تمثيل رسمي من موظفين أجانب، حسبما فسّر والد الطفلين.

وفي البداية لم يسمح له بالدخول إلى المبنى التابع للمنظمة الدولية، حيث لا يسمح الموظفون هناك بالدخول لأي سوري من الباب إلا بعد سماع قصته، فإن كان الموضوع قابلاً للنقاش بنظرهم، يُسمح له بالدخول، أما عكس ذلك فيتم منعه من الدخول أساساً.

شقيق والد الطفلين أكمل قائلاً: "بعد أن أخبر والد الطفلين الموظفين المتواجدين على الباب بقصته سمحوا له بالدخول لإجراء مقابلة في الداخل حيث كان يحمل معه شهادات الوفاة وشهادات الطب الشرعي وجميع الأوراق التي تؤكد ما حدث معه".

المقابلة كانت سريعة. وتم إعطاؤه موعداً لإجراء مقابلة "حماية" بعد أن طلبها هو في التاسع والعشرين من الشهر ذاته. مع الإشارة إلى أن مقابلة الحماية قد لا تفيده في ليبيا، إلا أنه من الممكن النظر بوضعهم بعد أن بقي له طفل واحد مريض.

وعند الذهاب في الموعد المحدد تم تأجيله إلى اليوم التالي ومن ثم طُلب منهم عدم المجيء مجدداً، وتم إخبارهم بأن المكتب هو من سيتصل بهم في حال وجود جديد في ملفهم.

الرحلة كلفت  17 ألف دينار ليبي أي حوالي 5 آلاف دولار، وتمت مصادرة بقية الأموال التي كانت بحوزة والد الطفلين من قبل الشرطة.

والد الطفلين كان قد قام بتسليم منزله ومحله الذي كان يعمل به في ليبيا، قبل أن يقرر الهجرة بحراً إلى أوروبا.

 ويعيش والد الطفلين، اليوم، عند أحد أقربائه هناك، بعد أن فقد كل شيء.

في رواية غسان كنفاني، قضى الثلاثة بعد أن أصر الموظف على رواية قصته مع الراقصة العراقية "كوكب" لأبو الخيزران أي "السائق"، وذلك على الحدود الكويتية، خنقاً داخل خزان المياه. أما هنا، فقد قضى ثمانية أشخاص بعد أن رفضت الشرطة فتح الأبواب، رغم استسلام المهاجرين لهم.

ترك تعليق

التعليق