ألمانيا ـ لمّ شمل أسر اللاجئين أصبح "ورقة يانصيب"


تبدو علامات الضعف واضحة على جسمها، إنها عائشة البالغة من العمر 27 عامًا، والتي تتنفس عبر أنابيب بلاستيكية مرنة تدخل من خلال فتحات الأنف وموصولة بجهاز الأكسجين الكبير الخاص بالتنفس الاصطناعي الموجود بجوار سريرها في مأوى اللاجئين.

تشخيص مرض عائشة أفاد بأنها تعاني من فشل القلب من الدرجة الثالثة. لون يديها ورجليها تحول إلى الأزرق الداكن، لأن قلبها يضخ القليل من الدم إلى الجسم. بجوارها توجد مروحة كبيرة ولكنها لا توفي بالغرض، لأن حرارة أشعة الشمس لا تطاق في الغرفة التي لا تتعدى مساحتها 17 متر مربع والتي تشاركها مع والدتها في برلين - هوهينشونهاوزن وتستخدمانها للنوم وطهي الطعام والأكل وذلك منذ أكثر من عامين.

ومن الواضح أن الحديث يجهدها أكثر ولكنها تريد سرد قصتها لأنها تأمل في مستقبل يجمعها مع والدها الحبيب. عندما يتواصل الاثنان عبر تطبيق التواصل الاجتماعي "واتساب" يناديها والدها بـ "روحي" و"حبي الكبير". أما بالنسبة لعائشة فوالدها هو كل شيء في حياتها. وتتكرر خلال محادثتهم جملة: "لدي أحلامي أيضاً" عدة مرات.

فراق الأب عن ابنته الأحب إلى قلبه

عودة إلى صيف 2015 في حلب. الحرب مستعرة في سوريا منذ أربع سنوات. وقد فر أحمد وهو ابن عائلة دعبول البالغ من العمر 21 عاماً منفرداً لأنه كان يريد الدراسة ولم يرغب في مشاركة الجيش إطلاق النار على شعبه في جيش الأسد، وكانت ألمانيا هدفه.

بانتباه يتابع والده الأخبار حول طرق اللجوء إلى ألمانيا. ابنته البكر عائشة هي الأحب إلى قلبه. درست عائشة العلاج النفسي لمدة خمس سنوات، وهي فتاة ذكية وطموحة، لكن المرض ينخر جسمها. في مرحلة ما أصبحت ضعيفة لدرجة أنها لم تعد قادرة على الذهاب إلى الجامعة، وكانت تستطيع بالكاد مغادرة المنزل. كما أن تلقي الرعاية الطبية اللازمة لم يعد ممكنا في البلاد بعد أربع سنوات من الحرب المستعرة. السيد دعبول خائف على ابنته من الموت وأيضاً على ابنه الأصغر سناً، علي، البالغ من العمر 17 عاماً، المهدد بالالتحاق بالخدمة العسكرية قريباً.

من أجل احضار زوجته وابنته المريضة عائشة وابنه علي إلى ألمانيا، طلب منه المهربون مبلغ 5000 دولار مقابل ذلك. لم يكن يملك الوالد، الذي كان يعمل نجاراً بشكل مستقل هذا القدر من المال. لذلك اقترض المال من المهربين وأمنهم على ابنته الحبيبة وبقي هو وحيدًا مع آلامه في حلب. كانت رحلة الهروب بمثابة جحيم بالنسبة لعائشة "لقد كنت مرهقة للغاية لدرجة أنني كنت على وشك الموت، لكنهم استمروا في حملي على الظهر". أكثر من شعروا بالأسف عليها كان والدتها وشقيقها واللاجئون الآخرون معها. في تركيا ضاع كرسيها المتحركة ومن يومها أصبحت معتمدة كلياً على الآخرين. في بعض الأحيان يصحبها البعض في السيارة معهم. ولا يمكن تخيل كيف تمكنت هذه الفتاة من الوصول إلى ألمانيا بدون أدوية و لا كرسي متحرك.

ألمانيا تعني الانتظار

في ألمانيا حصلت عائشة ووالدتها على حماية جزئية، ولا تزال مريم وهي امرأة جميلة تبلغ من العمر 45 عاماً، تشعر بالامتنان للمستشارة ميركل، وتقول: "إن حلمي الكبير هو أن أشكر السيدة ميركل شخصياً على استضافتنا". أكبر ابناء مريم  وصل ألمانيا بمفرده و سيبدأ دراسته في فصل الشتاء. حتى الابن الأصغر سيتخرج  قريباً من المدرسة الثانوية. حجم امتنانهم مدهش لأن آمالاً كثيرة لهم قد تحطمت أيضاً.

تتلقى عائشة العلاج في مركز القلب شاريتيه في برلين. لكن اسمها لم يُدرج بعد ضمن قائمة المرضى المحتاجين لقلب جديد، وتقول بصوت يائس: " يقولون لنا دائماً، انتظروا، لدينا مؤتمر متخصص". في فترة الانتظار، ظهرت مضاعفات على كل من الكلى والكبد أيضاً، وتضيف عائشة :"أشعر بخيبة أمل، كنت آمل أن أتمكن من الشفاء بسرعة وأن أتعلم اللغة الألمانية وأن أستطيع الدراسة مرة أخرى" ، ثم تعيد مرة أخرى هذه الجملة: "لدي أحلام بلدي أيضاً".

على عكس عائشة، لا تتحدث أمها مريم عن أحلامها. مريم متزوجة منذ 28 عاماً. زواجها ناجح للغاية، كما تقول ولكن ثلاث سنوات من الفراق سلبت منها كل طاقتها. عليها البقاء بالقرب من ابنتها طوال الليل والنهار. تود الالتحاق بدورات تعليم اللغة الألمانية في كثير من الأحيان وزيارة الأصدقاء والطهي، لكن كل هذا غير ممكن. المدة التي تستطيع عائشة البقاء فيها لوحدها أقصاها ساعتان. لا يمكنها تحمل روائح الطبخ، لأن الموقد على بعد ثلاثة أمتار من سريرها.

لم تدرك مريم العبد الله الرحمو أنه كان عليها التقدم بطلب للم شمل زوجها قبل سنوات. بعد ذلك دخل قانون تعليق لم شمل أسرة اللاجئين حيز التنفيذ ولم يتمكن زوجها من الالتحاق بأسرته. كيف كان لها أن تعرف هذه المعلومات بخصوص أنه كان عليها تقديم طلب لم شمل لزوجها وهي بالكاد لا تخرج من الغرفة التي لا تتعدى مساحتها 17 متر مربع. كل شيء في ألمانيا يحتاج إلى الانتظار طويلاً. بدءاً من التقدم بطلب للحصول على جهاز الأوكسجين المحمول، للعثور على كرسي متحرك لعائشة إلى ايجاد شقة شاغرة بدون صعوبات. لا يعرفون بأن هناك مراكز استشارة خاصة بالرعاية الصحية. الحصول على غرفة نوم خاصة قد يساهم بشكل كبير في تقدم علاج عائشة، لأن همهمة جهاز الأكسجين تسرق من عينها النوم في كل ليلة.

معايير تحديد الحالة المستعصية تبدو تعسفية

حالياً تضع عائشة كل أملها في محاميتها الشابة كانا مونغان من مركز الاستشارات والدعم للاجئين الشباب والمهاجرين في برلين. وقامت المرتجمة الخاصة بعائشة بربط الاتصال بالمحامية. قدمت المحامية طلبًا للحصول على بند الحالات الإضطرارية بموجب المادة 22 من قانون الإقامة. وهي محاولة، كما تقول المحامية كانا مونغان. وتعتبر وزارة الخارجية الأطفال المتخلفين ذهنياً من الحالات المستعصية.

ولاحظت مونغان في قضيتهم: "كلما كان مقدم الطلب أصغر سناً كلما زادت فرصته". وعن مثل هذه القضايا، تحدثت المحامية عن رفض طلب لم الشمل لأب مصاب بالشلل وعائلته مقيمة بأكملها في ألمانيا. وتم منح تأشيرة الدخول لألمانيا لأب كان بحاجة بشكل عاجل لعملية زرع كلية، في حين لم يحصل أولاده القصر على تأشيرة الدخول. بالنسبة للمحامية مونغان فإن المعايير التي تعتمدها وزارة الخارجية لاعتبار بعض الحالات على أنها حالات إضطرارية، تبقى غير واضحة "في بعض الأحيان يعتمد الأمر على المراقبين في السفارات.

وفي أي حال يكون الإجراء غير شفاف وتعسفي"، كما تقول. حياة عائلة دعبول باتت رهينة غرفة الانتظار: انتظار ادراج اسم عائشة على قائمة المحتاجين إلى عملية زراعة قلب جديد، انتظار الرد على طلب المحامية من وزارة الخارجية و انتظار الحصول على شقة مناسبة و كرسي متحرك.

ترك تعليق

التعليق