السوريون وظاهرة الإلحاد الديني في الغرب.. موضوع للنقاش


الأشهر القليلة التي تفصل بين قدوم اللاجئ إلى البلد الأوروبي وبين مقابلة اللجوء، كانت كافية للكثير من السوريين الشباب كي يعلنوا أمام المحقق، وخلال إجابتهم على سؤال حول ديانتهم، بأنهم لا يؤمنون بأي دين أو أنهم ملحدون.

لكن ذلك لا يعطي مؤشراً حقيقياً على صدق هؤلاء، لأن الكثيرين يعتقدون، أن ذلك من الأسباب التي تسرع في عملية حصولهم على اللجوء، أو أنه يضيف إليهم ميزة عن غيرهم، عندما يتقدمون بطلب الحصول على الجنسية فيما بعد.

ومع ذلك، فإن ظاهرة الإلحاد الديني أو انتقاد تعاليم الإسلام على الملأ، أصبحت حقيقة لا يمكن نكرانها، وهي تتزايد يوماً بعد الآخر لدى السوريين الذين وصلوا إلى الغرب، ويمكن الملاحظة أن هذه الظاهرة تقودها في بعض الأحيان، نخب مثقفة، تحت ذريعة إعادة قراءة الدين الإسلامي من منظور الحضارة الغربية، أو ضمن مساعيهم للإجابة على سؤال حول أسباب انتشار ظاهرة "الإرهاب" في الثورة السورية.

وبغض النظر عن حجم تأثير هؤلاء على مجتمع السوريين في الغرب، أو في داخل سوريا، لكن من المهم الوقوف على أسباب هذه الظاهرة، لأنها بحسب كثيرين، تعكس حقيقة الفارق الحضاري بين الغرب والشرق. وهو فارق سرعان ما لمسه السوري المتنور وأخذ يقيس عليه أفكاره وأفكار مجتمعه، ليكتشف لاحقاً، حجم الهوة التي تفصلنا عن الغرب، مرجعاً السبب إلى العامل الديني بالدرجة الأولى، الذي لا يزال يسيطر على سلوك الشرقي وعقله.

وفي البحث عن هذه الأسباب، حاولنا التواصل مع عدد كبير من السوريين في أوروبا، للوقوف على آرائهم واستطلاع موقفهم، والتغيرات في الموقف الديني التي حصلت لهم. فوقعنا على رأيين. أحدهما أكد أنه تمسك بالدين أكثر لدى وصوله إلى الغرب، لأنه اكتشف معان جديدة فيه بحسب قولهم، وآخر تحدث عن وجود تغير في فكرة الدين بشكل عام بالنسبة له. وهذا التناقض في الإجابتين يشير إلى الفارق في المستوى الثقافي بين الفئتين، إذ تقصدنا أن نوجه أسئلتنا إلى أشخاص عاديين لا يحملون أي شهادة علمية، وهم من قالوا بالإجابة الأولى، والفئة الثانية من حملة الشهادات والجامعيين، هم من قالوا بالإجابة الثانية.

وفي العموم، وفي دردشة مع رجل دين جزائري يعيش في فرنسا منذ أكثر من ثلاثين عاماً ويحمل جنسيتها، وهو يحمل إجازة في الفيزياء، أشار لنا إلى أن فكرة الإلحاد، أول ما تطأ قدما الشرقي، مجتمع الغرب، يعاني منها الكثير من المهاجرين الجزائريين الذين كانوا أول من قام بهجرة واسعة لأوروبا.

وأضاف أن الدافع وراءها كان الاندماج بالمجتمع الأوروبي، لكنهم اكتشفوا لاحقاً بأن ذلك من الأسباب التي أفقدتهم هويتهم، لأن المجتمع الغربي ظل يعاملهم على أنهم غرباء وشرقيون، لهذا بحسب رأيه، أن التمسك بالهوية الدينية لا يتناقض أبداً مع فكرة الاندماج، بل على العكس، فإن ذلك "يدفع الغربيين لاحترامنا، لأن تعاليم ديننا الصحيح لا تتناقض أبداً مع القيم السائدة في مجتمعهم".

ونفس الرأي يراه الباحث السوري محمد أمير ناشر النعم، المقيم في ألمانيا، فهو يقول إن فكرة الالحاد أو انتقاد تعاليم الدين على الملأ لدى السوريين الذين وصلوا إلى الغرب، هي نتيجة طبيعية للانهيارات والانكسارات التي تعرضت لها سوريا، خلال السنوات الماضية، فكان أن امتد هذا الانهيار للإنسان ذاته، وخصوصاً بعد أن ابتعد عن مجتمعه الحقيقي، الذي كان يحمي منظومة القيم لديه.

ويروي النعم أنه خلال مروره عبر الأراضي الأوروبية وصولاً لألمانيا، سمع مجموعة من الشباب السوريين يقولون لبعضهم البعض: " عندما نصل إلى ألمانيا، يجب أن تضعوا القرآن والإسلام والدين جانباً.. إياكم أن تأتوا على ذكرها للمحققين".
 
ويرى النعم أن ذلك ليس أكثر من مجرد ردة فعل لدى السوري الذي عانى وتشرد كثيراً، لكن من وجهة نظره، ذلك لن يستمر طويلاً، بل سرعان ما سيبحث هؤلاء الشباب عن هويتهم، والتي لن يجدوها إلا في الدين.

أما الباحث والكاتب والأديب الليبي، فتحي نصيب، والذي يعيش في فرنسا كذلك، فهو يرى على العكس، أن فكرة الاندماج يلهث وراءها الناس العاديون، والذين بالأساس لا يحملون أي فكر، لا ديني ولا غيره، وحتى وإن كانوا يؤدون الطقوس الدينية في بلدانهم، فإن ذلك من باب العادة لا أكثر.

ويتابع نصيب أنه بالنسبة للنخب المثقفة والشريحة الوسطى، فهي اكتشفت في الغرب أن هناك الدولة "القوانين والمؤسسات"، هي من تسيطر على المجتمعات عوضاً عن الطائفة والقبيلة والرئيس الأوحد الذي يوظف المؤسسة الدينية للبقاء في الحكم من خلال التلفاز وخطباء المساجد ومناهج التعليم.

وبمعنى آخر يوضح نصيب، أن التقدم التقني والعقلانية والرشد في الدول الأوروبية قادرة على حل مشكلات المجتمع وتنظيم الحياة السياسية والاقتصادية، وهو نقيض الموجود في بلداننا الشرقية، من حيث صورة الحاكم الإله المدعوم بجوقة من حملة المباخر الذين يجيدون توظيف الدين الشعبي الثاوي من لاوعي المواطن العربي.

ويرى نصيب، أن التدين في الغرب طوعي، بينما في الشرق وراثي، وحين يخرج الشرقي من بلده تزول عنه كل القيود الاجتماعية ويصبح أكثر حرية ووعياً في فكره وسلوكه، مشيراً إلى أننا كلنا نلاحظ أن الكثير من الأفراد من ذوي التعليم المتوسط يعاني من أزمة هوية حين يعيش في الغرب وهذا ما يدفعه للتطرف القومي أو الديني في أغلب الحالات، لأنه يعاني تمزقاً روحياً بين مجتمع غربي لا يستطيع أن يندمج فيه، وبين ثقافة موروثة من بلده الأم.

ويختم نصيب بالقول، "وهنا يجب التفريق بين الروحانية والتدين، إذ أن المسألة لا تكمن في الإلحاد من عدمه بل في التوفيق بين الاستجابة للجانب الروحي من ناحية وبين التدين الرسمي الموظف من قبل الأنظمة السياسية العربية من خلال مؤسساتها الدينية الرسمية".


ترك تعليق

التعليق