ما الذي يمنعك من العودة إلى سوريا؟.. سؤال وجّهه "اقتصاد" لعدد من السوريين في مصر


لو سألت معظم السوريين، عندما غادر سوريا عام 2011، وما بعدها، كم المدة التي كنت تتوقع أن تقضيها خارج سوريا، سيكون جوابه شهرين أو ثلاثة فقط، ولكن هذه الأشهر تحولت إلى سنوات طوال لا يعرف الكثيرون، إلى الآن، متى تنتهي.

والسؤال الذي يُطرح اليوم في كل دولة يتواجد فيها سوريون.. هل سيعودون إلى سوريا؟، وما الذي يمنع عودتهم على الرغم من المساعي الروسية الحثيثة لإعادتهم، والضغط السياسي بهذا الجانب على معظم دول الجوار السوري عبر التسويق لإعادة الاعمار وإقامة مراكز استقبال للعائدين؟
"اقتصاد" في هذا التقرير استطلع آراء شريحة مختلفة من السوريين المقيمين في مصر، حول رأيهم بالعودة إلى سوريا بالوقت الحالي.

 الخوف من الاعتقال والانتقام

يقول "محمد"، وهو رياضي سوري من مدينة دمشق، يعيش في مصر منذ عام 2012، "من منا لا يحلم بالعودة إلى بيته وأهله وحارته.. ولكن من يضمن إن عدت مع عائلتي إلى سوريا ألا يتم اعتقالي من المطار بسبب رأيي المعارض للنظام السوري؟، وكيف أشعر بالأمان على حياتي وحياة أطفالي؟، فمن هجّرنا هو هذا النظام، ومن قصفنا هو أيضاً، من الذي يضمن لي عدم انتقامه مني أو من عائلتي إن عدت؟.. هذا الخوف الأكبر لدي من العودة ولذلك بدون أن يتم تغيير أو انتقال سياسي في سوريا يضمن الحد الأدنى من الطلبات التي ثار السوريون لأجلها، لا أعتقد أن كثيراً من السوريين في مصر أو غيرها سيعودون إلى سوريا، فسبب تهجيرهم لم يغادر، وكل فترة يطلق أحد مسؤوليه تصريحات تهدد من يفكر من السوريين بالعودة، أن الانتقام والاعتقال أو التصفية، في انتظارهم".

ويكمل "محمد" حديثه لـ "اقتصاد" بأنه لن يعود هو وأسرته مادام بشار الأسد مستمراً بحكم سوريا وأن الضمانات الروسية المزعومة للعائدين لا تعدو أن تكون حبراً على ورق.

 الخوف من السوق إلى الخدمة العسكرية

"باسل" شاب سوري من مدينة معضمية الشام بريف دمشق، أنهى دراسته الجامعية في مصر ويحدثنا عن رفضه العودة لسوريا خوفاً من إجباره على الالتحاق بالخدمة العسكرية في جيش الأسد. ويقول إن أحد الأسباب التي دفعته لمغادرة سوريا قبل 6 أعوام بعد قصف منزلهم هو الهرب من الالتحاق بجيش النظام، ولا يتوفر لديه 8 آلاف دولار أمريكي ليدفعها كبدل عن خدمة الجيش في سوريا على اعتبار أنه أمضى 6 سنوات خارج سوريا، ويحق له دفع بدل نقدي.

مخاوف المستثمرين

التقى "اقتصاد" بـ "منذر"، وهو مستثمر سوري في مصر، وتوجهنا له بالسؤال عن نشاطه الاقتصادي في سوريا، قبل قدومه إلى مصر فأخبرنا، أن مجال عمله كان في المولدات الكهربائية، ولدى انتقاله إلى مصر بعد احتراق مصنعه في ريف دمشق، أسس نشاطاً صناعياً مختلفاً مع شركاء سوريين ومصريين في مجال الالكترونيات، وأنه دائم السفر إلى سوريا، ولكن عائلته وأطفاله في المدارس المصرية واشترى عقاراً في مصر وحياته شبه مستقرة فيها. ولدى سؤالنا له عن سبب عدم عودته إلى سوريا ونقل عمله إليها أجابنا بأن هناك مخاوف كبيرة لديه من الأوضاع الاقتصادية في سوريا، وبخاصة أنه حتى اليوم لم يتم تعويضه، أو تعويض غيره من الصناعيين السوريين الذين تضررت معاملهم ومصانعهم ودمُرت أو سرقت آلاتهم، والأهم عدم استقرار الوضعي الأمني والاقتصادي في سوريا، وعدم توفر المتطلبات الأساسية للعمل الصناعي من أبسط مقومات البنى التحتية إلى جانب عدم توفر المواد الأولية نتيجة العقوبات المفروضة على الاقتصاد السوري وندرة اليد العاملة الماهرة. ومجمل هذه الأسباب تجعله متردداً جداً في العودة إلى سوريا على الأقل بالوقت الحالي.

عادت إلى حمص.. ومن ثم دخلت بشكل غير شرعي إلى مصر، عبر السودان

السيدة "نورا" من مدينة حمص وغادرتها نهاية عام 2011 إلى مصر واستقر بها الحال في مدينة السادس من أكتوبر، وقررت العودة مع أطفالها إلى سوريا مطلع عام 2018 على اعتبار أن منزلها في حمص مازال موجوداً. حدثتنا عن ذلك قائلة: "كنت متشوقة للعودة إلى بيتي خاصة أن مدينة حمص انتهت العمليات العسكرية فيها منذ 4 سنوات، وفعلاً بعت كل ما لدي في مصر وسلمت المنزل وعدت ولكن عند عودتي كانت المفاجأة كبيرة فقد كان بيتي منهوباً حتى من شبابيكه وأبوابه، وكذلك وجدت  الخدمات الأساسية من كهرباء وماء ومواصلات سيئة للغاية، والحياة لم تعد لطبيعتها في المدينة في معظم الأحياء والأسواق، وعندما عدت وجدت بيتي فعلاً ولكن لم أجد إلا قلة من أهلي وأقاربي وجيراني وحالة عدم الشعور بالأمان كانت لا تفارقني بالإضافة إلى صعوبة الحياة لمن يعود حديثاً من حيث إيجاد عمل أو التأقلم مع المتغيرات الاجتماعية الكبيرة التي حصلت في المجتمع داخل سوريا، وحالة انعدام الثقة بين الناس هي الغالبة، ومع عدم تمكني من الاستمرار لأكثر من عدة أشهر، في ظل هذا الوضع، قررت العودة مرة أخرى إلى مصر، وكوني لا أحمل إقامة سنوية لا أنا ولا أولادي، عدنا عبر السودان تهريباً لأتمكن من إكمال تعليم أبنائي وإيجاد عمل يوفر المصاريف اللازمة لحياتنا".

وختاماً، كانت هذه آراء لعدد من السوريين المقيمين في مصر، والذين مازالت رغبتهم كبيرة بالعودة إلى وطنهم على أن تتوافر الظروف الملائمة لهذه العودة من الناحية السياسية والاقتصادية والأمنية، والتي تضمن لهم حياة كريمة وآمنة وتوفر لهم أبسط متطلبات الحياة المعيشية.

ترك تعليق

التعليق