درعا.. "بطاقات التسوية" لا تغيّر وجه العام الدراسي الجديد


على الرغم من انطلاقة العام الدراسي الجديد في أوقاته المحددة، والتي جاءت بالتزامن مع بسط قوات النظام سيطرتها على جميع مناطق الجنوب السوري هذا العام، إلا أن طلاب مدارس درعا وكوادرها التدريسية، مازالوا يدفعون ضريبة الحرب وتداعياتها في مختلف أشكال حياتهم المعيشية، وذلك نتيجة تراكم الصعوبات التي مروا بها على مدار السنوات السبع الماضية من عمر الثورة السورية.

ويشير الموجه التربوي "أبو خليفة" إلى أن معاناة مدارس درعا، ومنذ انطلاقة الثورة السورية، هي ذاتها، لكنها تزداد وتتفاقم مع مرور كل عام جديد من عمر الثورة.

وقال: "إن من أهم الصعوبات التي تواجه الواقع التعليمي هذا العام، رغم استعادة النظام لكل المناطق التي فقدها سابقاً، هي النقص الكبير في الكادر التربوي والتدريسي، نتيجة النزوح واللجوء والاعتقالات. إضافة إلى غياب الأمن والأمان، وقلة عدد المدارس الصالحة للاستخدام، نتيجة التدمير الممنهج لها، والنقص الكبير في مستلزمات العملية التربوية ككل".

وأضاف أن ما يسمى بـ "التسويات" الأخيرة، التي أجراها النظام مع الأهالي في مناطق درعا مؤخراً، والتي تخول الأهالي العودة إلى أعمالهم ووظائفهم، لم ينتج عنها أي جديد حتى الآن.

ولفت إلى أن الإجراءات الروتينية الطويلة، لاستكمال أوراق العودة إلى العمل، وعدم ثقة الكوادر التدريسية بالنظام، ستبقي النقص بالكوادر التدريسية في معظم المدارس على حاله.

وأشار إلى أن الحاصلين على بطاقات "التسوية" من المدرسين، مازالوا متخوفين من الاعتقال عند مراجعتهم للدوائر الرسمية، حيث عمليات "التفييش" وإلقاء القبض على المطلوبين، مازالت قائمة، رغم تعهدات الضامن الروسي، بعدم التعرض لمن يحمل بطاقة تسوية.

وقال: "إن الكثير من الكوادر التدريسية، هم في سن الخدمة العسكرية والاحتياطية، وبطاقات التسوية، لا تحميهم من أي إجراءات تقوم بها قوات النظام ضدهم بهذا الخصوص، الأمر الذي شكل عاملاً منفراً للكثيرين، من الوقوع في هذه المصائد".

ولفت إلى أن قلة المدارس الصالحة للاستخدام، نتيجة تدميرها بشكل كلي أو جزئي، وعدم قدرة سلطات النظام على ترميمها قبل بداية العام الدراسي الجديد، ألقى بظلاله على حياة الطلاب والأهالي، وتسبب بغياب الرغبة الحقيقية بالتوجه إلى التعليم.

وأضاف أن أكثر من نصف مدارس المحافظة، الواقعة في المناطق المحررة سابقاً، باتت خارج الخدمة، بسبب تدميرها، الأمر الذي أجبر على العودة إلى الدوام النصفي، لاستيعاب الطلاب، وتأمين الحد الأدنى من حقهم في التعلم.

وأشار إلى أن الوضع الاقتصادي السيء، والعجز عن تأمين مستلزمات العام الدراسي، من قرطاسية وحقائب ولباس مدرسي، فاقم من وضع الأهالي، وشكل عامل ضغط نفسي واقتصادي كبير عليهم.

وأكد أن انتشار الفقر والبطالة، وغياب مصادر الدخل الثابتة، كلها عوامل أسهمت بشكل أو بآخر على تشجيع التسرب من المدارس، ودفعت بالأهالي إلى تشغيل أولادهم في المهن والأعمال الحرة، بهدف تأمين لقمة خبزهم، التي بات معظم السكان عاجزين عن الحصول عليها، مفضلين العمل في هذه الظروف، على الجلوس على مقاعد الدراسة.

ولفت إلى أن التسرب من المدارس، بات معضلة كبيرة، بسبب عدد المتسربين الكبير، لا سّيما في صفوف اليافعين من طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية، الذين انقطعوا لسنوات طويلة عن مقاعد الدراسة بسبب ظروف الحرب، مشيراً إلى أن الأرقام الرسمية بهذا الصدد كبيرة جداً.

وفي نفس السياق، أكد "عماد"، 18عاماً، وهو من مدينة "الحراك"، أنه لن يعود إلى الدراسة مهما كانت الأسباب، بعد أن انقطع عنها نحو 3 سنوات، لافتاً إلى أن أقرانه من المناطق الهادئة، أصبحوا الآن في الجامعات.

وقال: "كنت طالباً مجداً، لكن الحرب أبعدتني عن مقاعد الدراسة، كما أبعدت الآلاف من السوريين غيري"، مشيراً إلى أنه بات يجد صعوبة في الانخراط بالتعليم، والحصول على شهادة التعليم الأساسي، ومن ثم الانتظار سنوات للحصول على الشهادة الثانوية والتقدم إلى الجامعة.

وأضاف: "أفضل أن أتعلم مهنة جديدة، والدخول في سوق الإنتاج، بدل إضاعة سنوات عمري بالدراسة، التي أصبح مستقبلها غير مضمون".

فيما أكد "مجد"، 20 عاماً، أن مستقبله العلمي ما زال يلفه الغموض حتى الآن، لافتاً إلى أنه حصل على شهادتي التعليم الأساسي والثانوية العامة عن طريق مدارس الائتلاف، والآن لا يعرف، هل سيتم الاعتراف بها من قبل سلطات النظام، أم أن سنوات عمره وتحصيله العلمي في مهب الريح.

عجز عن تأمين مستلزمات المدارس

وتقول "أم ياسر"، 32 عاماً، وهي أرملة، "لن أستطيع على ما يبدو إدخال أطفالي إلى المدارس"، لافتة إلى أن أوضاعها الاقتصادية، وقلة ذات اليد، لن يسمحان لها بذلك.

وأضافت أنها في الأحوال العادية، غير قادرة عن تأمين ثمن ربطة خبز، فكيف لها أن تؤمن حقائب وملابس وقرطاسية لأطفالها الثلاثة.

فيما أكد سالم العيسى، 50 عاماً، وهو موظف، أن تأمين مستلزمات العام الدراسي، من قرطاسية وملابس وحقائب باتت ترهق الأهالي.

وقال: "مهما كانت الأسعار، فهي عبء على من لا يملك المال. (الجمل بليرة وأنت لا تملك ليرة).. فماذا تفعل؟".

وأضاف أن أسعار الحقائب ما بين 2500 و5000 ليرة سورية كمعدل وسطي، وثمن الملابس المدرسية كمتوسط عام نحو 10 آلاف ليرة سورية، لافتاً إلى أن تكلفة تجهيز تلميذ التعليم الأساسي، تتجاوز الـ 15 ألف ليرة سورية، فيما تتجاوز تكلفة تجهيز طالب الإعدادي 20 ألف والثانوي "حدث ولا حرج".

وقال: "بحسبة بسيطة، تحتاج إلى أكثر من 60 ألف ليرة سورية، لتجهيز ثلاثة أطفال في مراحل تعليمية مختلفة، فمن أين سيتم تأمين هذا المبلغ، إذا كنت لا تملك الحدود الدنيا من الإنفاق".

أما "كرم" ذو الـ 11 عاماً، فهو يرفض الذهاب إلى المدرسة، خوفاً من الطائرات، رغم عدم وجودها، لافتاً إلى أنه لم يعد يرغب الدراسة في مدرسته، التي فقد فيها رفيقه برصاصة طائشة.

ويقول أحمد عتيق، والد الطفل: "باءت كل محاولاتنا بالفشل لإقناعه بالعودة إلى مقاعد الدراسة، ولا ندري ماذا نفعل له".

ترك تعليق

التعليق