المركزي يطالب مشتري الدولار عام 2012.. بإعادته، وبالسعر القديم


في قرار مفاجئ، وغير مفهوم في أوساط الكثير من المعنيين، أصدر مصرف سورية المركزي، الخاضع للنظام، بلاغاً، يطالب فيه مشتري القطع الأجنبي، في الفترة ما بين 13/3/2012 ولغاية 15/10/2012، بضرورة تقديم وثائق تثبت كيفية استخدامهم للقطع الأجنبي المُشترى. وإلا، فإن عليهم دفع الفرق بالليرة السورية، بين سعر الدولار اليوم، وبين سعره في الفترة المحددة من العام 2012.

ولقي القرار الكثير من الاستهجان في أوساط المتابعين والمهتمين بنشاطات الصرافة وتداول العملات. وعلّق متابعون عبر منصات ترصد أسعار العملات في سوريا، مرجعين القرار لأسباب عديدة، بعضها كان غريباً، ومنه مثلاً، دعم إيران، وسط انكماش العملة الصعبة في أسواقها، بفعل العقوبات الأمريكية المتفاقمة ضدها.

وحسب نص البلاغ الصادر عن المركزي، والمنشور على موقعه الرسمي، بتاريخ أمس الأول الثلاثاء، قال المركزي إنه "في ضوء قيامه باستكمال عمليات تدقيق بيع القطع الأجنبي التي جرت أثناء عملية التدخل في عام 2012 والمستمرة منذ عدة سنوات فإنه لا بد من التأكيد على جميع الأشخاص والشركات الذين قاموا بشراء القطع الأجنبي في الفترة الممتدة من 13/3/2012 ولغاية 15/10/2012 بضرورة مراجعة مبنى مصرف سورية المركزي في دمشق أو فروعه في المحافظات لتقديم الوثائق التي تبين كيفية استخدامهم للقطع الأجنبي المشترى في الفترة المشار إليها أعلاه مع ضرورة مراعاة المدد المحددة لتقديم هذه الوثائق".

وحدد المركزي مهلة للأشخاص المستهدفين، حددها بـ "1/10/2018 بالنسبة لمن قاموا بعمليات استيراد باسم الغير، و30/11/2018 بالنسبة لمن قاموا بعمليات الاستيراد باسمهم الشخصي أو من لديهم مبررات قانونية أخرى".

وحذّر المركزي أنه مع انتهاء المهلة المحددة "سيتم اعتبار جميع المتخلفين عن تقديم الوثائق (مخالفين لأنظمة القطع) وسيتم اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحقهم ولن يقبل منهم لتسوية أوضاعهم مع مصرف سورية المركزي سوى دفع الفرق بالليرات السورية بين سعر القطع الأجنبي بتاريخ الشراء وسعره بتاريخ التسوية".

وكان سعر الدولار في الفترة المشار إليها، (من آذار 2012 إلى تشرين الأول 2012)، يتراوح ما بين 67 ليرة و80 ليرة، تقريباً. أما سعر الدولار بتاريخ التسوية الذي حدده المركزي، ففي حال استقرار أسعار الصرف، سيكون حوالي 455 ليرة للدولار الواحد، أي بفارق لا يقل عن 375 ليرة لكل دولار.

ويقصد المركزي في بلاغه هذا، السوريين الذين اشتروا القطع الأجنبي من مؤسسات الصرافة المرخصة، بشكل رسمي، خلال عمليات التدخل التي كان يجريها، حاكم المركزي السابق، أديب ميالة، من حين لآخر، ويطرح خلالها كميات من الدولار في السوق، بهدف الحد من تدهور الليرة السورية. وخلال عمليات التدخل تلك، كان يُسمح للسوريين، بشراء الدولار، بسعر أقل من سعر السوق السوداء، وذلك بموجب أسباب، من قبيل السفر، أو الاستيراد، حصراً.

ويعتقد الكثير من المراقبين أن عمليات التدخل تلك، رغم أنها حدّت من تدهور الليرة المتسارع حينها، إلا أنها أدت إلى إهدار احتياطي القطع الأجنبي في خزينة المصرف المركزي، لصالح تجار سوق سوداء، كانوا يأتون بتبريرات عديدة، لشراء الدولار بسعر أقل من السوق، ليبيعونه لاحقاً في السوق السوداء، بسعر أعلى.

ويُجمع معظم المراقبين المعنيين بهذه الظاهرة، أن شخصيات مقربة من النظام، أفادوا من عمليات تدخل المركزي، في تلك الحقبة، عبر تغطية مؤسسات صرافة، كانت تعمل لصالحهم، أو بالشراكة، غير المباشرة، معهم.

وكان دريد درغام، حاكم المركزي الحالي، قد وجّه انتقادات عديدة لعمليات التدخل في عهد سلفه، أديب ميالة، قبيل وبعد تسلمه لمنصبه. لكن، في نفس الوقت، لم يحتاج درغام للقيام بإجراءات نوعية للحد من تدهور الليرة السورية، لأن عهده ترافق مع تحول المشهد الميداني لصالح نظام الأسد، بدعم روسي، الأمر الذي خفف من الخضات النوعية التي كانت تتعرض لها الليرة، وتهوي معها بشكل متسارع، كانت تضطر حاكم المركزي السابق، ميالة، للتدخل، عبر زيادة العرض من الدولار في السوق، بسعر أقل من السعر الرائج.

بكل الأحوال، يأتي بلاغ المركزي الأخير، ليثير الكثير من التساؤلات، حول التوقيت، والآلية، والهدف، والتداعيات. إذ يرى مراقبون أن إجراء المركزي هذا، إن تم اعتماده بشكل جدي، والعمل على تنفيذه فعلياً، فإن ذلك قد يعني تهريب سيولة مالية من الدولار، خارج البلاد، الأمر الذي سيؤدي لارتفاع سعر صرف الدولار، على حساب الليرة السورية.

وتعتقد فئة من المراقبين، أن بلاغ المركزي هذا يؤكد ما يشاع عن فراغ خزينة الدولة، واقترابها من حالة الإفلاس، الأمر الذي يضطر مؤسسة بعراقة "المركزي السوري" لاتخاذ قرار غير مفهوم، لا من حيث آلية التنفيذ ولا من حيث الغايات، بغية لمّ الدولار من السوق، بأي طريقة.

وكان الكثير من المعلقين، خاصة من المهتمين بنشاطات الصرافة، قد تساءلوا، "كيف تطالبون الأشخاص بوثائق عن نشاطات بيع وشراء، قبل 6 سنوات من اليوم، وبتاريخ محدد؟".

 فيما دافع معلّقون آخرون عن البلاغ المذكور، مشيرين إلى فئات أثرت من خلال تجارة العملة على حساب "البلد"، وأن القصاص من هذه الفئات قد حان وقته. وهنا تُطرح تساؤلات، هل سيتم القصاص من كل الفئات؟، أم سيستهدف الصغار، لينجو الحيتان الكبار بما أثروا به؟

ننوه في الختام إلى أن المركزي، أشار في بلاغه المذكور، أنه "يمكن للراغبين بالاستعلام عن عمليات شراء القطع الأجنبي من المؤسسات المالية المغلقة والملغى ترخيصها (جانودي - البيك - القلعجي - الأمانة - السلطان - ساعي – حنيفة - جزائري - شربجي وهاشم - سما - الشرق الأوسط – الوطنية - بيكو) تقديم طلباتهم إلى مصرف سورية المركزي وفروعه في المحافظات وللمزيد من الإيضاحات مراجعة اللجنة المكلفة بعمليات التدقيق الساعة /12/ ظهراً من أيام العمل الرسمي في مبنى مصرف سورية المركزي بدمشق".

ترك تعليق

التعليق