سوق السيارات المحلي بإيران يواجه أزمة لتعثر الاتفاق النووي


تشاهد دائما في ساعة الذروة أعداد كبيرة من سيارات "رينو" - المكونة من أربعة ابواب والتي تشبه الصندوق- وبيجو تشق طريقها في شوارع العاصمة الإيرانية، طهران.

ومع ذلك، قد يتسبب تعثر الاتفاق النووي مع القوى العالمية قريبا في الإضرار بسوق السيارات هناك.

ففي الوقت الذي يعاني فيه الريال الإيراني من انخفاضات حادة في مقابل الدولار الأمريكي، حيث فقد الريال ثلثي قيمته مقابل الدولار منذ انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق، بدأت تكلفة السيارات ترتفع أكثر فأكثر حتى مع طلب عشرات الآلاف من المواطنين لسيارات محلية الصنع عبر الإنترنت.

تنسحب شركات السيارات الغربية من إيران، وأصبح من الصعب العثور على قطع غيار أو أجزاء سيارات أجنبية، وملأت شركات صينية هذا الفراغ.

يقول محمد رضا، رئيس الجمعية الإيرانية المتخصصة في صناعة قطع غيار السيارات، "من الواضح أن الولايات المتحدة تهدف لممارسة الضغط على الشعب الإيراني كي يشعر بالاستياء من سوق السيارات".

هناك طلب كبير على السيارات في إيران، واحدة من أكبر الدول في الشرق الأوسط حيث يبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة.

وفي عام 2017 وحده، أنتجت إيران أكثر من 1.5 مليون سيارة، في زيادة 14 بالمائة مقارنة بالعام السابق، وفقا لتقرير صادر عن وزارة الصناعة والمناجم والتجارة في وقت سابق هذا العام.

تسيطر شركتان محليتان على نحو 90 بالمائة من سوق السيارات في إيران؛ هما "إيران خوردو" - التي تجمع سيارات تحمل علامة بيجو - وشركة "سايبا" التي تجمع سيارتي ستروين وكيا.

كما تصنع الشركتان سيارات "رينو".

عانت صناعة السيارات في إيران بسبب العقوبات الأمريكية والغربية التي فرضت بسبب مخاوف من برنامج إيران النووي.

تشعر دول الغرب بالقلق من أن إيران قد تستخدم مجالات التكنولوجيا لتصنيع قنبلة ذرية.

لكن إيران تقول منذ وقت طويل إن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية.

وفر الاتفاق النووي الذي وقع عام 2015، القائم على خفض إيران لوتيرة تخصيب اليورانيوم مقابل رفع بعض العقوبات، دفعة قوية لصناعة السيارات في البلاد.

توصلت مجموعة "بي اس ايه" الفرنسية لصناعة السيارات، التي تنتج سيارات بيجو وسيتروين، لاتفاق عام 2016 لافتتاح مصنعا في إيران لإنتاج 200 ألف سيارة سنويا.

وقعت شركة "رينو" الفرنسية أيضا اتفاقا بقيمة 778 مليون دولار لتصنيع 150 ألف سيارة سنويا في مصنع خارج طهران.

في الوقت نفسه، أعلنت شركة فولكسفاغن عن خطط لتصدير سيارات إلى إيران.

والآن، تراجعت جميع هذه الشركات عن خططها.

تتزايد وتيرة القلق على صناعة السيارات المحلية في إيران.

بدا ذلك واضحا خلال زيارة علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، لمقر شركة "إيران-خودرو" الأسبوع الماضي.

وقال خلال الزيارة "العدو يهدف من خلال الحرب الاقتصادية إلى زيادة السخط العام. صناعة السيارات خط أمامي في هذه الحرب".

يعمل أكثر من 100 ألف موظفي في إيران - خوردو، بينما توظف شركة "سايبا" العملاقة أيضا 700 ألف.

يخشى بعض المحللين في إيران من أن يؤدي أي تدهور في مجال صناعة السيارات إلى تفاقم البطالة في البلاد.

يبلغ معدل البطالة الرسمي في إيران 12.3 بالمائة، ما يعني أن هناك ثلاثة ملايين شخص عاطلون عن العمل، لكن خبراء يعتقدون أن هذه النسبة أعلى بكثير، خاصة بين خريجي الجامعات.

كثيرا ما يحاول هؤلاء العاطلون كسب أموال كافية من خلال العمل كسائقي سيارات أجرة في المدينة، مما يعني أنهم قد يتعرضون لأضرار مضاعفة.

في هذه الأثناء، جعل انخفاض قيمة الريال الإيراني عملية شراء سيارة "أمرا صعبا للغاية".

بلغت قيمة الدولار الواحد 62 ألف ريال إيراني قبل انسحاب ترامب من الاتفاق في مايو/ أيار الماضي.

لكن الدولار بلغ الآن 150 ألف ريال.

يقول ماهين تبريزي، وهو معلم يبلغ من العمر 45 عاما، "لقد ادخرت بعض المال لشراء سيارة إيرانية الصنع، لكن الأسعار قفزت وأصبحت المصانع لا توفر السيارات في الوقت المناسب".

ويضيف "لا أدري ماذا يمكنني أن أفعل".

ارتفاع الأسعار أضر أيضا بمبيعات قطع غيار السيارات.

"أسعار قطع غيار السيارات باتت جنونية، وكل ذلك بسبب العقوبات. لقد اشتريت تيل فرامل لسيارتي بسعر مضاعف في أقل من عام"، حسبما قال محمد رحيمي، سائق سيارة أجرة.

حتى أولئك الذين يستطيعون دفع ثمن سيارة إيرانية قد يتسلموا سياراتهم متأخرا.

انخفض إنتاج السيارات الإيرانية بنسبة 29 بالمائة في يونيو/ حزيران الماضي مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.

وقال محللون إن السبب في ذلك عدم وجود أجزاء هذه السيارات بسبب تقلب أسعار العملات.

وفي الوقت نفسه، قد تزيد تكلفة استيراد سيارة أجنبية مع انخفاض سعر الريال.

فإيران تفرض ضرائب على استيراد السيارات الأجنبية بأكثر من 100 بالمائة. كما فرض حظر على استيراد السيارات الأجنبية أيضا منذ إبريل/ نيسان الماضي، ما أوقف طلبات جديدة.

يقول رضا بيلتان، مهندس متقاعد ينتظر تسلم سيارة دفع رباعي الكورية الجنوبية "سانغ يونغ"، "منذ ما يقرب من عامين، دفعت ثمن سيارة مستوردة، لكني لم أتسلمها بسبب الاضطرابات في سعر الريال، والعقوبات".

لكن في غياب شركات صناعة السيارات الأجنبية، بدأت الصين بالفعل في الظهور بالبلاد.

افتتح وكيل عن شركة السيارات الصينية "شيري" مقرا جديدا في طهران.

من جانبه قال النائب الإيراني فالي مالكي، عضو لجنة الصناعة في البرلمان، الشهر الماضي إن الصينيين يستطيعون أن يحلوا محل الشركات الأجنبية التي غادرت السوق الإيرانية.

"السيارات الصينية تباع بشكل جيد للغاية. العلامة التجارية الصينية (إم في إم) منشرة للغاية في السوق الإيرانية. تقدم وكلائها مجموعة واسعة من الطرق التي تمكن للعديد من العملاء شراء سيارة جديدة مقابل ما يقرب من 2000 إلى 4000 دولار أمريكي"، وفقا لتاجر السيارات علي رضوي.

وفي الوقت الحالي، يمكن مشاهد سيارات صينية من موديلات مختلفة في كل مكان بشوارع المدن الإيرانية.

ولا يزال الطلب مرتفعا على السيارات إيرانية الصنع كذلك.

ففي الأسبوع الماضي، وفي أقل من ساعة، تصفح 50 ألف عميل موقع شركة سايبا للسيارات في طهران لدفع ما يقرب من 2000 دولار لشراء سيارات تخطط الشركة تصنيعها في المستقبل.

إنه خيار جذاب، لأن الدفع مقدما يوفر ميزة للعملاء إذا استمر الريال في الانخفاض.

تستعد إيران خوردو الأسبوع المقبل أيضا لطرح "خطة مماثلة" لبيع سيارات في المستقبل.

لكن هذه العملية تثير غضب البعض.

تقول فاطمة عازري، التي تمكن ابنها الأسبوع الماضي من شراء سيارة من خلال موقع سايبا الإلكتروني "يدفع الناس في دول أخرى مقدما صغيرا لشراء سيارة عادية بالتقسيط. ولكن هنا، ندفع كل الأموال مقدما لاستلام السيارة بعد أشهر".

ترك تعليق

التعليق