اقتصاديات.. وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وحكم النسوان!


أظن أن الإصرار على وجود امرأة على رأس أهم وزارة تعنى بشؤون العمال وحقوقهم في القطاع الخاص، وهي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، هو جزء من الترتيبات الأساسية التي قام بها بشار الأسد، خلال عهده، لهضم حقوق هذه الطبقة، وجعلها مطية لرجال الأعمال الجدد الذين صنعهم أو استقدمهم بهدف تقاسم خيرات البلد معهم.

وهذا بالتأكيد ليس انتقاصاً من المرأة وانتقاداً لقدرتها على قيادة مثل هذه الوزارة، لكن في الوضع السوري الذي بدأ يشهد تحولات اقتصادية كبيرة منذ العام 2000، مع دخول القطاع الخاص وهوامير المال والنفوذ إلى السوق السورية، كان من المفروض أن يتم إسناد هذه الوزارة إلى شخصية قوية قادرة على فرض قوانينها وتعليماتها، بصورة أقرب للعسكرية، لكن الذي حدث أن اختيار امرأة لهذا المنصب، كان بترتيب مقصود من قبل النظام وذلك من أجل إزالة العقبات أمام قطاع رجال الأعمال الجدد، حيث يسهل في هذه الحالة تجاوز المرأة، وفقاً لتقاليد وثقافة المجتمع السوري.

والدليل على أن الأسد، تقصد وضع امرأة في هذا المنصب، أن هذا التقليد بدأ معه، في حكومة مصطفى ميرو في العام 2000، قبيل موت حافظ الأسد بنحو ثلاثة أشهر، عندما تم تكليف بارعة قدسي خلفاً لـ "علي خليل" في حكومة محمود الزعبي، وكانت المرة الأولى التي تتولى فيها امرأة هذه الوزارة. ثم توقف بشار الأسد عن هذا التقليد في حكومة عادل سفر التي أعقبت قيام الثورة السورية في العام 2011، عندما تم تكليف الدكتور رضوان حبيب بهذه الوزارة، ضمن مساعي النظام لإظهار أنه يتجاوب مع مطالب الإصلاح التي يريدها الشعب.

وما بين العام 2000 وحتى العام 2011، تعاقب على وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ثلاث وزيرات، هن، بارعة قدسي من عام 2000 إلى 2001، وغادة الجابي من 2001 إلى 2003، وديالا الحاج عارف من 2003 حتى 2011. شهدت خلالهن شؤون الطبقة العاملة انحداراً لا قرار له، حيث كان يعمل في القطاع الخاص أكثر من ثلاثة ملايين عامل، بينما المسجلين في الشؤون الاجتماعية لم يتجاوز عددهم الـ 100 ألف عامل. هذا ناهيك عن ضياع الحقوق الصحية والسلامة المهنية لهذه الطبقة في المنشآت والمعامل التي كانوا يعملون بها.

وبين العامين 2011 و 2014، توالى على وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل رجلان، هما رضوان حبيب، حتى العام 2012، وجاسم محمد زكريا في حكومة رياض حجاب، التي استمرت برئاسة عمر غلاونجي، بعد انشقاق الأول.

وشهدت الفترة الأولى من وزارة رضوان حبيب، توجيه كتب شديدة اللهجة، إلى جميع أصحاب المنشآت الصناعية والاقتصادية، يطالبهم فيها بضرورة الإسراع إلى تسجيل عمالتهم في الشؤون الاجتماعية وضمان حقوقهن كافة، وإلا سيتعرضون للمساءلة ودفع غرامات كبيرة. أما خلال وزارة زكريا فقد كان النظام قد توقف مع خطاب الإصلاح التجميلي، بعد أن استطاعت المعارضة الاستيلاء على مساحات واسعة من سوريا.

وفي حكومة الحلقي من عام 2014 وحتى منتصف العام 2016، عاد النظام للاستعانة بامرأة على رأس هذه الوزارة من خلال تكليف "المحجبة" كندة الشماط، التي تعرضت لحملة واسعة على وسائل إعلام النظام، أدت إلى تغييرها بـ "محجبة" أخرى، وهي ريما القادري، التي لاتزال وزيرة حتى يومنا هذا.

ولعل الكثير منا يذكر اللغط الكبير الذي أحاط بـ "كندة الشماط" التي تم اتهامها من قبل وسائل إعلام النظام بأنها وزيرة "داعش" في الحكومة، وذلك فقط لأنها أرادت أن تأخذ دورها وتساعد المهجرين من أبناء الغوطة، ثم اضطرارها لمقاومة هذا الهجوم، بزيارة سهيل الحسن "النمر" والتقاط الصور على كتفه وبين أحضانه، وهو ما كان سبباً مباشراً لإعفائها من منصبها بحسب الكثير من المتابعين.

أما ريما القادري، فهي شخصية مهلهلة، لا حول لها ولا قوة، وهي قلما يخرج صوتها أو تظهر صورتها على وسائل الإعلام، سيما وأن الحجاب ميزة مشتركة بينها وبين سابقتها "الشماط" والذي كان سبباً في مأساتها.

لكن القادري لم تقبل أن تبقى على الهامش، لهذا خرجت مؤخراً بمشروع يحمل عنوان "الكرامة والإنتاجية"، وتتلخص فكرته بأن الوزيرة لاحظت أن الشاب المتخرج من الجامعة، يضطر للمسكنة والذل والبكاء على أبواب المسؤولين، من أجل أن يحظى بوظيفة.. فهي ترى أن الشاب يبدأ حياته المهنية في هذه الحالة وهو ذليل وبلا كرامة، وهو ما يمنعه من الابداع والانجاز.. لهذا تطالب القادري، أن يتم توظيف الشباب بناء على ما يتمتعون به من مهارات وشهادات، وليس بناء على ما يعيشونه من ظروف مأساوية.. وحتى لو كانت هذه الظروف موجودة فلا يجوز أن تكون ضمن المؤهلات المطلوبة للعمل..

الملفت أن القادري تطلق هذه الرؤية في وقت تعلو فيه أصوات وسائل إعلام النظام، بضرورة توظيف أكبر عدد ممكن من أبناء وذوي القتلى والجرحى، وهؤلاء جميعهم لا يملكون أية مؤهلات سوى ظروفهم.

لذلك نستغرب كيف أن وسائل الإعلام لم تبادر الهجوم على "القادري"، أو أنها على الأغلب غير منتبهة لوجود وزارة اسمها الشؤون الاجتماعية والعمل، ولا تعلم من يتولاها.. وهو ما يريده النظام بالضبط من هذه الوزارة.

ترك تعليق

التعليق