"القصير" في ظل "الميليشيا الصفراء".. ماذا يحدث هناك؟


تدمير معظم المدينة، بشكل كامل، معلومة أكدها لـ "اقتصاد"، مصدر مطلع رفض الكشف عن هويته.

قانون قديم نص صراحةً على حق الجهات الإدارية تطبيق التنظيم على المناطق المصابة بكوارث طبيعية أو التي لحقها الدمار نتيجة الحروب.

تعتيم إعلامي كامل على ما يحدث في المدينة كغيرها من المناطق التي تقع اليوم تحت سيطرة مليشيا حزب الله اللبناني.

تمنع قوات النظام وميليشياته أي شخص من دخول الأحياء المدمرة.

عائلات تتبع لعشائر شيعية لبنانية استولت على مساحات واسعة من البساتين والمزارع واستغلتها في زراعة الحشيش.

محاولات من بعض العائلات الشيعية اللبنانية لشراء وامتلاك بعض العقارات في المدينة بشكل قانوني.

تواردت أنباء عن رفض "الميليشيا الصفراء" الانسحاب وحصلت مناوشات بينها وبين قوات النظام.


أعلن مجلس مدينة "القصير" الواقعة في ريف حمص، والقريبة من الحدود اللبنانية السورية، في العاشر من الشهر الجاري، عن المخطط التنظيمي الرقمي للمدينة، منوهاً إلى إمكانية الاعتراض على هذا القرار خلال مدة تنتهي في التاسع من شهر تشرين الثاني.

وأكد القرار الذي نُشر على صفحة مجلس مدينة القصير في "فيسبوك" أن "جميع الحقوق والملكيات الشخصية مصانة ومحفوظة بالإضافة إلى جميع المرافق الحيوية والصحية والدينية والتربوية والترفيهية".

نشر هذا الإعلان أعاد المدينة إلى واجهة الضوء مجدداً، والتي كان سقوطها بيد قوات نظام الأسد وميليشيا حزب الله اللبناني منتصف العام 2013 بعد حصار ومعارك عنيفة، أحد أبرز نقاط التحول السياسية والعسكرية في مجريات الثورة السورية، نظراً لموقعها الاستراتيجي الهام.

وإلى جانب الخسارة العسكرية الناتجة عن سقوط المدينة بيد ميليشيا حزب الله اللبناني، تسبب ذلك بتهجير الغالبية العظمى من سكانها الذين فروا منها خوفاً من عمليات القتل والانتقام بعد سيطرة "الميليشيا الصفراء" على المدينة إثر معارك دامية استمرت لأكثر من أسبوعين.

كما نتج عن تلك المعارك وكثافة القصف على المدينة بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة، تدمير المدينة بشكل كامل باستثناء الحي الشرقي الذي كان يقع بمعظمه تحت سيطرة قوات النظام بحسب ما ذكره الناشط الإعلامي، هادي العبدالله، الذي كان حاضراً خلال تلك المعارك، وذلك خلال تصريحات خاصة لـ "اقتصاد".
 
تدمير معظم المدينة، بشكل كامل، معلومة أكدها لـ "اقتصاد"، مصدر مطلع رفض الكشف عن هويته، وأضاف أن ميلشيات النظام عمدت كذلك بعد دخول المدينة إلى تلغيم المنازل والأبنية المتبقية وتفجيرها بغية تغيير معالم المدينة وتطبيق المخطط التنظيمي الجديد للاستيلاء على الحقوق العقارية للمُهجّرين.

ويعتمد النظام، حسب المصدر المطلع، على ما نص عليه قانون قديم هو القانون رقم /9/ تاريخ  27/1/1974 بشأن تقسيم وتنظيم وعمران المدن والذي نص صراحة في الفقرة أ من المادة 9 منه على حق الجهات الإدارية تطبيق التنظيم على المناطق المصابة بكوارث طبيعية من زلازل وفيضانات أو التي لحقها الدمار نتيجة الحروب أو الحرائق، وهو ما دعا النظام بحسب رأي المصدر، إلى تحقيق نسبة الدمار المطلوبة في القصير وغيرها من المدن السورية التي دخلها بعد تسويتها بالأرض، لفرض واقع عمراني وسكاني جديد فيها وفق القانون رقم 10 لعام 2018، الذي أجاز إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية.

وبالعودة للواقع الذي تعيشه مدينة القصير اليوم، أفاد الناشط هادي العبدالله أن هناك تعتيماً إعلامياً كاملاً على ما يحدث في المدينة كغيرها من المناطق التي تقع اليوم تحت سيطرة مليشيا حزب الله اللبناني، مضيفاً أن الصور التي تُنشر على الإعلام الموالي على أنها من المدينة، هي حصراً من الحي الشرقي الذي يضم المراكز الأمنية للنظام والتي بقيت تحت سيطرة قواته إبان الحملة العسكرية على المدينة.

وتمنع قوات النظام وميليشياته أي شخص من دخول الأحياء المدمرة، حيث أغلقت تلك الأحياء بشكل كامل عقب السيطرة عليها بعد نهب جميع ما في المنازل والمحال التجارية، وفق ما علم "اقتصاد" من مصدر خاص، أكد أن الحياة والتجوال في المدينة، مقتصر على الحي الشرقي فقط.

ونقل مصدر آخر بأن النظام يمنع المُهجّرين ممن نزح للمناطق القريبة من الدخول للمدينة إلا بعد الحصول على موافقة خطية من مفرزة الأمن العسكري، ولسبب مبرر، كالتسجيل على طلب للترميم في البلدية، وهو ما حصل مؤخراً مع بعض الأهالي، إذ لم يسمح لهم بالبقاء أكثر من ساعات معدودة.

وبسقوط القصير ودخول ميليشيا حزب الله إليها بدأ الحديث لأول مرة عن عمليات التغيير الديمواغرافي التي ينوي النظام بتخطيط إيراني، القيام بها، لتغيير هوية المدينة التي انتشرت فيها الأعلام الصفراء ذات الصبغة الطائفية.

وبحسب العبد الله، فإن ميليشيا حزب الله استقدمت من لبنان أعداداً من عوائل مقاتلي الحزب وأسكنتهم في الحي الشرقي للمدينة لينضموا لعشرات العائلات الشيعية التي أتى بها النظام قبل الثورة بسنوات مدعياً أنهم من سكان المدينة الأصليين. ويعتمد العديد منهم أسماء حركية تبدأ بلقب "الحاج فلان"، وهو ما درج عليه عناصر وقادة "الميليشيا الصفراء".

وفي سياق متصل، أكدت مصادر أخرى لـ "اقتصاد" أن عائلات تتبع لعشائر شيعية لبنانية استولت على مساحات واسعة من البساتين والمزارع في بعض القرى الحدودية كقريتي البرهانية وسرجة اللتين كانتا من أوائل القرى التي سقطت في القصير كونها على الحدود اللبنانية، واستغلتها العشائر اللبنانية في زراعة الحشيش بالاتفاق مع ميليشيا الحزب وبعلم نظام الأسد، حيث أن معظم أفراد تلك العائلات هم من المطلوبين أمنياً للسلطات القضائية في لبنان ويعملون في تجارة المخدرات والتهريب بين طرفي الحدود.

وذكرت تلك المصادر أن هناك محاولات من بعض العائلات الشيعية اللبنانية لشراء وامتلاك بعض العقارات في المدينة بشكل قانوني وهو ما قُوبل بالرفض من قبل أصحابها الذين يرفضون بيع عقاراتهم لأي جهة على الرغم من الاستيلاء الفعلي عليها من قبل قوات النظام وميليشيا الحزب بعد تهجير سكان المدينة. كما أن بعض موظفي الدوائر المالية والعقارية يحاولون التواصل مع بعض أصحاب العقارات لبيعها. 

مدينة القصير والتي كان يقدر عدد سكانها بـ 55 ألف نسمة يشكل السُنّة الغالبية العظمى منهم إلى جانب المسيحيين والشيعة والعلويين، اعتمدها نظام الأسد لتكون نموذجاً لعمليات التهجير التي لحقت بمدن وبلدات سورية أخرى.

وهُجّرت الغالبية العظمى من سكان القصير إلى لبنان، فيما فضل عدد منهم الانتقال إلى مناطق القلمون في ريف دمشق كـ دير عطية والنبك ويبرود وبعض مناطق ريف حمص كـبلدة الحسينية وحسياء، كما وصل العديد منهم إلى الشمال السوري بعد الهجوم على القلمون وتهجير من رفض المصالحة منهم ليلحق بمن سبقه من أبناء المدينة ومقاتليها.

وحول احتمال عودة بعض المهجّرين من أبناء المدينة الذين لجؤوا إلى لبنان، في ظل ما تسعى إليه الحكومة اللبنانية بالتعاون مع نظام الأسد، قال العبدالله إن أهالي القصير هم خارج تلك المعادلة اليوم، بسبب عدم وجود أي ضمانات حقيقية تحميهم من انتقام قوات النظام وميليشيا حزب الله منهم.

وفي هذا الجانب قال أحد المُهجّرين لـ "اقتصاد" متسائلاً: "إلى أين يعود المُهجرون والمدينة مدمرة ولا أثر حتى لمنازلهم فيها؟"، مستغرباً الحديث عن عودة أي أحد من أبناء المدينة المهجرين قبل سقوط النظام وخروج ميليشيا حزب الله من المنطقة.

وبالنسبة لما أشيع من قبل ميليشيا حزب الله حول انسحابهم من مدينة القصير، وفق ما جاء في الاعلام الموالي لتلك الميلشيا، مدعياً أن عناصرها انسحبوا من المدينة بعد انتهاء مهمتهم فيها، قال هادي العبدالله، إن ما ورد كان ضمن خطة روسية لإعادة أهالي المنطقة النازحين في لبنان إليها، ووضع المدينة تحت سيطرة الفرقة 11 التابعة لجيش نظام الأسد، مضيفاً أن ما أشيع لم يتم تأكيده من أي مصدر داخل المدينة حيث تواردت أنباء عن رفض "الميليشيا الصفراء" الانسحاب وحصلت مناوشات بينها وبين قوات النظام، وهو ما يفسر -وفق رأيه- تمسك أهالي القصير برفضهم العودة إلى مدينتهم المدمرة ما دامت محتلة من الميليشيا الطائفية.
 
فيما قالت مصادر أخرى لـ "اقتصاد"، إن ما حدث لا يعدو كونه إعادة تمركز لميليشيا حزب الله، وتغيير أماكن تمركزها، دون أن يغيّر ذلك من حقيقة سيطرة حزب الله على المدينة وصولاً للحدود اللبنانية.


ترك تعليق

التعليق