ماذا بقي من الخدمات الصحية المقدمة للاجئين السوريين في مصر؟


عام بعد آخر تتقلص المنح المالية المقدمة من قبل الدول المانحة لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، وهذا بدوره ينعكس مباشرة على اللاجئين بشكل عام ومنهم السوريون بشكل خاص. وسنتناول في هذا المقال الواقع الصحي للاجئين السوريين في جمهورية مصر العربية والخدمات المقدمة لهم على الصعيد الطبي، وذلك بعد ورود عدة استفسارات بهذا الجانب من عدد من السوريين المقيمين في مصر لمعرفة هذه الخدمات وكيفية حصولهم عليها.

وبهذا الصدد التقى "اقتصاد" بأحد الأطباء السوريين المقيمين في مصر وله نشاط كبير بهذا الجانب مع منظمات دولية ومؤسسات سورية عديدة وهو الدكتور هيثم الخليلي.

دكتور هل لك أن تحدثنا عن الخدمات الطبية المقدمة من مفوضية اللاجئين للسوريين في مصر بشكل عام، وعبر من تقدم هذه الخدمات؟

في البداية قبل سنوات كانت المساعدات غزيرة للمنظمات الدولية، وكان المريض السوري تتنافس عليه هذه المنظمات للمساعدة في علاجه وكان يتلقى أفضل العناية إن كانت علاجية أو جراحية دون النظر إلى التكلفة مع سهولة في التعامل ودخول المشافي وحسن الاستقبال، هذا من الناحية العلاجية أما الحالات التي يصعب علاجها بمصر فقد كانت المفوضية تسعى لإعادة توطين هؤلاء إلى بلدان أوروبية تستطيع المساعدة طبياً بشكل أفضل لهذه الحالات.
 
أما من ناحية علاج الأمراض المزمنة مثل غسيل الكلية كانت مفوضية اللاجئين تؤمن لهم جلسات مجانية حسب حاجتهم في أماكن تواجدهم أو قريبة عليهم. وفيما يتعلق بالأدوية للأمراض المزمنة كانت ومازالت المفوضية تقدم الأدوية للسوريين بشكل منتظم وبحسم نسبة تصل إلى أكثر من سبعين بالمئة من مجمل الوصفات الدوائية، وكذلك التصوير الشعاعي والتحاليل الطبية حيث كان المريض يُرسل إلى مراكز معتمدة من المفوضية بحسم يصل إلى 80% والمفوضية تتساعد مع منظمات أخرى وتقدم برامج تثقيفية وتوعوية طبية للسوريين بشكل دوري ومنتظم. وهناك دورات للرواد والرائدات السوريات للدخول إلى منازل السوريين ومعرفة مشاكلهم ومتطلباتهم ونقلها للمفوضية وحلها حسب قدرة المفوضية، كذلك هنالك منظمات إنسانية مثل منظمة بيستك تقدم الدعم والعلاج النفسي للسوريين اللذين أصابتهم أمراض نفسية نتيجة تواجدهم أثناء الحرب.

ولكن بالفترة الأخيرة ونظراً لشح المساعدات المادية للمفوضية بدأت هذه الأمور تتقلص بشدة، ولم تستطع المفوضية الاستمرار بتقديم ما كانت تقدمه في البداية واقتصرت الأمور الآن على العمليات الإسعافية الحادة والمزمنة والمهددة للحياة.

الاحتياجات الصحية للسوريين المقيمين في مصر كبيرة جداً، كما تعلمون، فعدد كبير منهم من الأطفال وكبار السن والبعض الآخر خرج من سوريا وهو يعاني من إصابة أو عجز، وأوضاعهم المادية صعبة للغاية.. والسؤال الأكثر إلحاحاً في حال وجود مشكلة طبية أو حالة إسعافية للاجئ سوري في مصر، كيف يتصرف ذووه في هذه الحالة؟

نتيجة ضعف الإمكانات المادية للمفوضية والحاجة الكبيرة بالجانب الطبي، نشأت بعض المؤسسات السورية الخيرية التي تتلقى الدعم من بعض الميسورين من السوريين، تقوم بتبني بعض هذه الحالات ورعايتها بشكل متواضع، وكذلك نشط بعض الأشخاص على صفحات التواصل الاجتماعي بطلب بعض المساعدات إن كانت دوائية علاجية أو عمليات جراحية، وحول علاج الأورام كانت المفوضية ومنظمة الصحة العالمية يتسابقون على علاج هكذا أمراض وبخاصة منظمة الصحة العالمية فكانت لا ترفض طلباً وكان هناك مرونة بقبول الحالة، ولكن منظمة الصحة العالمية متوقفة عن المساعدات الطبية حالياً، أما مفوضية اللاجئين فمرضى التصلب اللويحي لا تتكفل بعلاجهم، لأنها تعتقد بوجود مرضى أشد حاجة منهم، وبخصوص الأورام السرطانية بالسابق كانت تستقبل المفوضية كل حالات الأورام الخبيثة وعلاجها الكيماوي أما الآن لم تعد تستقبل إلا الدرجة الأولى والثانية فقط.

مؤخراً، انتشرت مراكز طبية تتبع منظمات سورية مرخصة في مصر.. هل لك أن تحدثنا عنها؟

 في السنتين السابقتين بدأت المراكز الطبية في مصر بالانتشار وهي مراكز بسيطة تتضمن عدة عيادات تخصصية تقدم خدمة مأجورة للسوريين وكل مركز يتعامل بطريقة تختلف عن الآخر، فمنهم من يتقاضى أجوراً مثل باقي العيادات الخاصة وحسب أسعار المنطقة، ومنهم من يتقاضى أجوراً رمزية بسيطة، ومراكز أخرى تتقاضى أجوراً فوق الوسط أو حتى تعادل سعر الكشف في المراكز الخاصة بحجة أن عائدها يعود للفقراء وأعتقد أنه لا يجوز أن نأخذ مالاً من فقير ونعطيه لفقير آخر، وأعتقد أن المبالغ للكشوفات يجب أن تكوم رمزية  بخاصة أن هذه العيادات مدعومة من منظمات دولية، وأغلبية المرضى لا يستطيعون الذهاب إلى العيادات الخاصة نظراً لأوضاعهم المادية الصعبة، لذلك أرجو من هذه المراكز الطبية الحاصلة على دعم من منظمات دولية،  الأخذ بعين الاعتبار حالة المريض السوري وضيق حالته المادية، ومعاملته معاملة المريض المصري الذي يذهب إلى المراكز الخيرية المصرية والذين لا يتجاوز قيمة كشفهم الطبي 25 جنيهاً مصرياً.

وختاماً نلاحظ وجود تراجع كبير بالخدمات الطبية والصحية المقدمة من مفوضية اللاجئين وشركائها بالجانب الصحي للاجئين السوريين في مصر تبريره الوحيد نقص الموارد المالية لتضاف معاناة جديدة إلى معاناتهم والتي ربما تكون دفعاً بشكل أو بآخر إلى إعادتهم لسوريا، وذلك بقرار منهم، عبر تقليص الخدمات المختلفة المقدمة لهم من المنظمات الدولية المختلفة.

ترك تعليق

التعليق