بعد قرارها الأخير.. ميركل في عيون اللاجئين السوريين


على الرغم من أن إعلان المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل خلال مؤتمر صحفي في برلين قرارها بعدم ترشحها مجدداً لرئاسة الحزب الديموقراطي المسيحي وعدم نيتها كذلك الترشح في الانتخابات البرلمانية المقبلة عام 2021، كان متوقعاً، بعد 13 عاماً لها على كرسي المستشارية، وذلك بعد الخسارة التي مني بها حزبها في انتخابات مقاطعة هيسين يوم الأحد.. إلا أن ذلك الخبر كان له وقع وأثر خاص في نفوس اللاجئين السوريين في ألمانيا الذين طالما اعتبروها بمثابة الأم الحنون التي احتضنتهم وفتحت أبواب بلادها واستقبلتهم في الوقت الذي أُغلقت في وجوههم حدود جيرانهم وأبناء جلدتهم ولغتهم ودينهم في الدول العربية.

فقد آثرت ميركل استقبال مئات الآلاف من اللاجئين الهائمين على وجوههم على حساب مستقبلها السياسي، واتخذت قراراً تاريخياً بفتح حدود بلادها عام 2015 بالرغم من معارضة الكثير من أعضاء حزبها والأحزاب الألمانية الأخرى، حيث كان لهذا القرار التاريخي، بحسب زهران العقيل وهو طالب وناشط سوري مقيم في ألمانيا، دور كبير في إنقاذ مئات الآلاف من اللاجئين السوريين العالقين في تركيا وجزر اليونان وغابات دول البلقان، وأزال جانباً كبيراً من المعاناة التي أثقلت كواهل هؤلاء الباحثين عن وطن دافئ يعطيهم الأمان ويحميهم بعد اضطهاد معظمهم وتهجيرهم من قبل نظام الأسد.

وهو أمر لا يمكن لأي سوري في ألمانيا اليوم تجاهله ونسيانه بعد رؤيته للضغوط التي تعرضت لها ميركل لاحقاً نتيجة سياستها المنفتحة على اللاجئين ودفاعها عن قضيتهم في المحافل المحلية والدولية، إلا أن تلك الضغوط كانت أقوى منها وأتى قرار استقالتها نتيجة حتمية لتلك للضغوط بعد صمودها لسنوات في وجه معارضيها.

يوسف الزيتون وهو ناشط سوري مقيم في ألمانيا، يرى بدوره أن قرار ميركل بالابتعاد عن صدارة المشهد السياسي في ألمانيا أصاب العديد من اللاجئين السوريين بخيبة أمل، بغياب الصوت المدافع عنهم، وخصوصاً مع صعود حزب البديل اليمني الشعبوي ووصوله لبرلمان مقاطعة بايرن وهيسن في الانتخابات التي جرت مؤخراً، والذي قد يكون عاملاً سياسياً جديداً يتسبب في تشديد سياسة اللجوء، وذلك على الرغم من صعود حزب الخضر وهو ما يعتبره اللاجئون السوريون مؤشراً إيجابياً لصالحهم، من جانب آخر.

وأضاف الزيتون أن فتح ميركل الباب لدخول مئات الآلاف من اللاجئين إلى ألمانيا ساهم بانعاش الإقتصاد الألماني من خلال توفير اليد العاملة التي كانت وماتزال تحتاجها ألمانيا في بعض المجالات. في الوقت نفسه، لا يقدم حزب البديل اليميني أي وعود بتحسين الاقتصاد أو رفع مستوى دخل المواطن الألماني، وخصوصاً المتقاعدين منهم، وجل أهداف سياسته الحالية هي محاربة اللاجئين وانتظار وقوع أي جريمة من لاجئ ليرفع صوته ضدهم، بغية كسب أصوات ناخبين جدد.

الصحفية مفيدة عنكير، قالت في حديث لـ "اقتصاد"، إن المستشارة أنغيلا ميركل تختلف عن غيرها من السياسيين لأنها تنفذ القانون بإنسانية، فكثيرون هم من ينفذون القانون لكن يغيّبون الإنسانية عنه. وأضافت: "برأيي الشخصي، كانت تستطيع تنفيذ القانون بعيداً عن مسحات الإنسانية هذه، ولن يلومها أحد فيما لو منعت اللاجئين من دخول ألمانيا، كبعض من فعلوا ذلك أو نادوا به".

فيما يرى "عامر"، أن الاحترام الذي حظيت به ميركل في أوساط اللاجئين السوريين سببه هو إنسانيتها وتواضعها في لباسها وحياتها اليومية فهي كرّست نفسها لخدمة الشعب الألماني وترى نفسها مواطنة ألمانية مثلها مثل أي مواطن ألماني، تقف بانتظام أمام الصراف الآلي لكي تأخذ راتبها وهي رئيسة وزراء دولة يُعتبر اقتصادها من أقوى اقتصاديات العالم.
 
وأضاف: "ميركل لا تشبه أحداً من قادة وملوك الدول العربية الذين اعتدنا تسلطهم وتغطرسهم وتكبرهم على الشعوب وعدم احترام الدساتير والقوانين وانتهاك حقوق الإنسان".

ودخلت أنغيلا ميركل، عالم السياسة عام 1989، بعد سقوط جدار برلين، الذي كان يفصل بين ألمانيا الغربية، وألمانيا الشرقية. ونشأت ميركل في الأخيرة، وقضت فيها كل حياتها إلى أن توحدت البلاد.

وارتقت ميركل في المسؤوليات السياسية لتصل إلى منصب زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي، ثم تصبح عام 2005، أول امرأة تتولى منصب المستشارة الألمانية.

ودرست أنغيلا الفيزياء في جامعة ليبزيغ، وحصلت على شهادة الدكتوراه عام 1978، وعملت خبيرة في الكيمياء بالمعهد المركزي للكيمياء الفيزيائية، التابع لكلية العلوم من 1978 إلى 1990. وتتقن ميركل اللغة الروسية أيضاً.

وانضمت أنغيلا ميركل إلى الحزب المسيحي الديمقراطي، وعينت في حكومة هلموت كول وزيرة للمرأة والشباب، ثم وزيرة للبيئة والسلامة النووية.

وبعد هزيمة هلموت كول في الانتخابات البرلمانية، عينت ميركل أمينة عامة للحزب، ثم زعيمة للحزب عام 2000، ولكنها خسرت المنافسة لتولي منصب المستشار، أمام إدموند ستويبر عام 2002.

وفي انتخابات عام 2005، فازت ميركل بفارق ضئيل على المستشار، غيرهارت شرويدر، وبعد التحالف بين "المسيحي الديمقراطي" و"الاجتماعي الديمقراطي"، عينت ميركل أول مستشارة في تاريخ ألمانيا، وهي أيضاً أول مواطنة من ألمانيا الشرقية تقود البلاد بعد الوحدة.

وكانت ميركل منذ توليها منصب المستشارة الألمانية في العام 2005 حتى الوقت الحالي، محط أنظار وسائل الإعلام العالمية، بسبب شخصيتها المتميزة وتأثيرها الكبير في الساحة الدولية.

ترك تعليق

التعليق