هاني عزوز.. رجل الأعمال الذي فرّ من صحبة بشار الأسد


يقال إن بشار الأسد، عندما كان يذهب إلى حلب ويبيت فيها هو وزوجته، كان هاني كميل عزوز، أحد الأشخاص الذين يحرص على لقائهم ومجالستهم باستمرار.

ويقول مقربون من عزوز، إن هذه العلاقة تعود إلى أيام دراسة بشار الأسد في لندن، حيث التقيا عدة مرات هناك، وربطت بينهما صداقة، تطورت فيما بعد إلى أعمال مشتركة، ومزايا حصل عليها عزوز، لم تكن متاحة لغيره من رجال الأعمال الحلبيين.

ولا يغفل هؤلاء المقربون، الحديث عن ذكاء وحنكة هاني عزوز، المسيحي، الذي قام بإرسال ابنه كميل للدراسة في طهران، في الوقت الذي كان قادراً فيه على تدريسه في أرقى الدول المتقدمة، إلا إنه منذ البداية، كان يخطط لعلاقة استراتيجية مع النظام، انعكست عليه بالخير الوفير، واستطاع خلال سنوات قليلة، أن يتزعم عالم الأعمال في حلب، وينتقل إلى دمشق، ويصبح أحد شركاء رامي مخلوف الموثوقين، والملحقين بامبراطوريته المالية، ثم أول رئيس لاتحاد المصدرين السوريين، والذي استمر فيه حتى العام 2013، عندما انتزعه منه الدمشقي محمد السواح، والذي لا يزال يعمل على منصبه بمنتهى الإخلاص في خدمة هذا النظام، حتى يومنا هذا.

حلب وامبراطورية رامي مخلوف الاقتصادية

على أيه حال، لا يمكن فهم سر صعود هاني عزوز السريع في مدينة مثل حلب، تعج بطبقة من الصناعيين ورجال الأعمال الكبار، إلا من خلال فهم عقلية بشار الأسد ونظامه، الذي بدأ بالتأسيس لنموذجه الاقتصادي الجديد في سوريا، من خلال العمل على تحطيم كل البنى التقليدية السائدة فيها..

وفي الوقت الذي استطاع فيه النظام إقناع رجال الأعمال الدمشقيين التقليديين وغيرهم في باقي المناطق السورية، بالالتحاق بنموذجه الاقتصادي، وبالوقوف صفاً واحداً خلف رامي مخلوف، عجز عن تحقيق هذه المهمة في حلب، التي كانت تتميز بنموذج اقتصادي خاص بها، قائم على الصناعة بالدرجة الأولى، ولا تولي اهتماماً بالاستثمار في مجالات، كالبنوك وشركات التأمين والجامعات وفي السياحة أو الاستثمار العقاري على سبيل المثال، وهي المجالات التي تزعمها مخلوف، وأراد من الجميع أن يقفون خلفه، بينما لم يكن بإمكانه أن يتزعمهم من خلال العمل بالصناعة..!

لذلك نجد أنه في حلب، لم يسع أي من الأثرياء لبناء الجامعات الخاصة مثلاً، كما هو الحال في باقي المناطق السورية، كما أنه من بين مئات رجال الأعمال الحلبيين، لم يشارك سوى ثلاثة منهم فقط بالاستثمار في البنوك، وهم ذاتهم شركاء رامي مخلوف في شركة الشام القابضة، أي هاني عزوز، وفارس الشهابي ومحمد صباغ شرباتي، وهذا الأخير تم الاستغناء عن دوره واستبعاده في وقت مبكر، وقبل قيام الثورة السورية بسنتين، أي في العام 2009.

هاني عزوز ابن كميل

باختصار، كانت سياسة النظام الاقتصادية تقوم على مبدأ: شارك رامي مخلوف واعمل بما تشاء بعدها، بينما لم يكن مسموحاً لك أن تكون ناجحاً في عملك الخاص، بعيداً عن شراكته.

هذا المبدأ لم يستطع النظام تطبيقه في حلب، لذلك سعى لخلقه، عبر تصنيع رجال أعمال مرتبطين به، والذين كان على رأسهم هاني عزوز.. لكن يبقى السؤال المحير: هل كان عزوز رجل أعمال وغني وصناعي قبل علاقته ببشار الأسد..؟

تشير المعلومات التي حصلنا عليها من مصادر مقربة من عائلة كميل عزوز، والد هاني، أنه كان رجلاً ميسوراً، لكن ليس إلى الحد الذي ظهر عليه ابنه بعد العام 2003، عندما باشر ببناء مصنع ضخم لتصنيع الفورميكا وأخشاب الـ إم دي إف، في منطقة الزربة بالقرب من حلب بتكلفة أكثر من نصف مليار دولار. وهو ذاته المصنع الذي تحول فيما بعد إلى الأكبر على مستوى منطقة الشرق الأوسط، واحتكر عزوز من خلاله تجارة الأخشاب في سوريا، وأصبح المورد والمصنع الوحيد لها في الأسواق الداخلية.

وهو ما يفسره البعض، من أن لقاءات بشار الأسد بهاني عزوز، خلال زياراته إلى حلب، كانت بهدف الإعداد لمثل هذه المشاريع، التي يقوم فيها الثاني باستثمار أموال الأول، والشراكة معه، ومن ثم الحصول على كل التسهيلات والامتيازات التي تسمح له بتطوير صناعته وتجارته.

ومن اجل أن يبقى هاني عزوز تحت الأنظار، تم وضعه تحت مراقبة رامي مخلوف، الذي سرعان ما أدخله شريكاً معه ببعض الأعمال، وساعده على تنويع محفظته الاستثمارية، لتشمل المجال العقاري والاستثمار في مجال البنوك وشركات التأمين، بما فيها الإسلامية. وهذه الأخيرة، كانت ضرورية ولازمة، من أجل أن يغدو هاني عزوز مستساغاً في المجتمع الحلبي المسلم.. لذلك يُروى عنه أنه كان من المتبرعين الفاعلين في بناء المساجد في حلب، ومواظب على حضور الأنشطة الدينية، ويرتبط بعلاقات صداقة وود مع رجالات دينها المعروفين، ويحرص على دعوتهم إلى بيته في منطقة الشهباء الراقية، ومزرعته بالقرب من حلب، في الكثير من المناسبات.

وسرعان ما أصبح هاني عزوز المصدّر الأول في سوريا، وهو ما بوأه لتولي مصب رئيس اتحاد المصدرين السوريين، المؤسسة الوليدة التي نشأت معه، وأصبح يرتبط بعلاقات تجارية مع عدد من دول العالم، وبالذات مع المملكة العربية السعودية، التي بنى فيها مصنعاً للألواح الخشبية، لا يقل أهمية عن المصنع الذي بناه في حلب.

ومن أجل أن يتجذر داخل المجتمع الحلبي المحب للرياضة، قام بدعم نادي الجلاء الرياضي، وأصبح الراعي الوحيد له، ثم أوكل لابنه كميل القيام ببعض الأعمال الخيرية، الخاصة بدعم رواد الأعمال الشباب في حلب، حيث راح ينظم المسابقات ويقدم الجوائز والمنح الكبيرة لهم.

وعندما بدأت تشكيلات مجالس رجال الأعمال في العام 2007، سلمه بشار الأسد، رئاسة مجلس رجال الأعمال الروسي السوري، بالإضافة إلى رئاسة اتحاد المصدرين، وكان عزوز وقتها قد أصبح مستورد الأخشاب الأول والأوحد من روسيا، ما سمح له ببناء علاقات كبيرة مع رجالات الأعمال الروس، بما فيهم السياسيين.

هاني عزوز بعد الثورة السورية

في منتصف الشهر الثاني من العام 2011، كان هاني عزوز يفتتح أكبر معامله على الإطلاق في سوريا، لتصنيع الألواح الخشبية والأوراق.. وحظي الافتتاح بتغطية إعلامية كبيرة، وتم تصوير المصنع على أنه سيجعل سوريا تستولي على تجارة وتصنيع الألواح الخشبية في كامل المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط.

إلا أن فرحة عزوز لم تدم طويلا ً، وانطلقت الثورة السورية، ووصلت إلى حلب في منتصف العام 2012، فتم الطلب إليه بتشكيل فرق شبيحة ودعمها بالمال والسلاح، وهو ما فعله على الفور، إلا أن الثورة كانت قد وصلت إلى معمله، الذي تم نهبه وحرقه، ما دفع عزوز للفرار إلى لبنان هو وكامل أسرته في العام 2013.

ولم تفلح كل محاولات النظام لإقناع عزوز بالعودة إلى سوريا والاستمرار بالدفاع عنه، شأنه شأن فارس الشهابي، فقام بالحجز على أمواله وأموال أولاده، ضماناً لسداد ديون بمليارات الليرات من البنوك الخاصة.

ومنذ العام 2013، اختفت أخبار هاني عزوز تماماً عن الساحة الاقتصادية في سوريا، ولم يتبق من ذكره سوى معامله التي سيطر عليها الجيش الحر لفترة، بينما هي الآن مدمرة وخاوية من جميع موجوداتها.

ويفضل البعض اليوم أن يطلق على هاني عزوز، اسم: رجل الأعمال الذي فر من صحبة بشار الأسد..

ترك تعليق

التعليق