اقتصاديات.. "لعنة معبر نصيب"!


منذ إعادة فتح معبر نصيب الحدودي مع الأردن، منتصف الشهر الماضي، بعد إغلاقه لأكثر من ثلاث سنوات، حدث شيء غريب في الأسواق السورية، فقد بدأت الليرة السورية تتراجع إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من عام، ثم أخذت أسعار السلع الغذائية في الارتفاع، بصورة تخالف كل التوقعات التي بشرت بها وسائل إعلام النظام، من أن إعادة تشغيل المعبر سوف ينعكس بالخير الوفير على البضائع السورية، والعملة السورية.

وكانت تلك الوسائل قد روجت لعمليات شراء غير مسبوقة لليرة السورية من قبل مواطنين أردنيين قبيل افتتاح المعبر، ما أدى إلى ارتفاعها بشكل طفيف، لكن سرعان ما تراجعت بصورة نوعية، ليبدأ بعدها اللطم والنواح وتوجيه الاتهامات للأردن بأنه السبب بكل التغيرات التي طرأت على الأسعار، وبأنه المستفيد الأكبر من افتتاح المعبر، وأكثر من الجانب السوري.

لكن السؤال الذي يتبادر للذهن مباشرة: هل ارتفاع الأسعار في السوق السورية، وتراجع سعر صرف الليرة إلى أدنى مستوياتها، هو بالفعل بسبب إعادة افتتاح معبر نصيب، أم أن هناك أسباب اقتصادية حقيقية، تزامنت مع افتتاح المعبر..؟

بحسب تفسيرات مسؤولي النظام، فهم لا يأتون على أي ذكر لمعبر نصيب، عندما يتحدثون عن الأسباب وراء ارتفاع الأسعار وتراجع سعر صرف الليرة، وإنما يقولون بأن ما يحدث هو نتيجة لارتفاع سعر صرف الدولار في الأسواق العالمية إلى أعلى مستوى له هذا العام، وبالتالي فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على سعر صرف الليرة ومعها أسعار السلع وبالذات المستوردة.

لكن حتى هذا التفسير غير مقنع، لأن سعر صرف الدولار العام الماضي وصل إلى مستوى أعلى مما عليه اليوم، ومع ذلك، ظلت الليرة السورية محافظة على استقرارها، وكذلك الأسعار، ما يعني بأن هناك بالفعل أسباباً اقتصادية، هي التي تقف وراء ما يحدث في الأسواق السورية، سواء بالنسبة للعملة، أم بالنسبة لأسعار السلع الغذائية.. فما هي، وما علاقة معبر نصيب بها..؟!

التفسير الأول يقول، بأن النظام أقر موازنة العام القادم، دون أن يكشف عن مصادر تمويلها، وعندما تم الضغط على وزير المالية، للكشف عن هذه المصادر، اكتفى بالقول، بأن التمويل سوف يكون من المصادر المحلية، كالإنتاج الزراعي والضرائب وغيرها، ومن خلال المصرف المركزي لتغطية نفقات الاستيراد.

وكان النظام قد حدد سعر صرف الدولار في موازنة العام القادم بمبلغ 435 ليرة، وهو تسعير عشوائي، لم يتم بنائه على أية دراسات حقيقية، وإنما اعتقد واضعو هذا الرقم، بأن التصريحات القوية والواثقة بالنفس، التي تتحدث عن الانتصارات التي يحققها جيش النظام وعودة الحياة إلى سابق عهدها، لا بد أن تلعب دوراً نفسياً كبيراً في استقرار الأوضاع الاقتصادية، ومعها تحسن سعر الصرف أو استقراره في أسوأ الحالات.

إلا أن الواقع يقول، بأن الموازنة التي تم الكشف عنها للعام القادم، والبالغة أكثر من 300 مليار ليرة سورية، لا يوجد أية موارد إنتاجية لتغطيتها، وإنما تم الطلب من المصرف المركزي توفير قسم كبير منها، الأمر الذي دفع الحاكم السابق للمركزي، دريد درغام لإصدار تعميم، تسبب لاحقاً بإقالته من منصبه، يطلب فيه ممن اشترى دولار الاستيراد في العام 2012، أن يقدم وثائق تتضمن كشفاً كاملاً بكل المواد التي استوردها، وفي حال عدم تقديمه، سوف يدفع الفارق بين سعر صرف الدولار في ذلك العام وبين سعر صرفه الحالي.. أي بحسبة بسيطة، فإن إجازات الاستيراد التي يمولها المركزي وبحسب تقديرات النظام ذاته، تبلغ سنوياً نحو مليار ونصف المليار دولار، فإذا كان سعر صرف الليرة السورية في ذلك العام 2012، يتراوح بين 75 إلى 80 ليرة، فإن سعر صرفه الحالي أكثر من 435 ليرة، أي أن الفارق هو أكثر من ثلاثة أضعاف.. وهو ما يعادل حجم الموازنة التي تم إقرارها للعام القادم.

لذلك يرى مراقبون، أن الحاكم الجديد للمركزي، استعاض عن هذه العملية، بالإعلان عن طرح عملة جديدة من فئة الخمسين ليرة معدنية، نهاية العام الحالي.

وبحسب محللين فإن هذه العملة الجديدة التي سيتم طرح كميات كبيرة منها، غير مغطاة نقدياً، بالذهب أو بالعملات الصعبة، وغير مغطاة اقتصادياً كذلك بزيادة الإنتاج، ما دفع الأسواق إلى أن تتحسس هذا الخطر القادم إليها، الأمر الذي أدى إلى تراجع سعر صرف الليرة، وارتفاع الأسعار مباشرة.

أما التفسير الثاني، فهو يعطي لإعادة فتح معبر نصيب الدور الأكبر في ارتفاع الأسعار، لكن بنفس الوقت لا يبرر تراجع سعر صرف الليرة، لأنه يفترض أن يزيد ذلك من الطلب على الليرة السورية ويؤدي إلى ارتفاعها، اللهم إلا إذا كانت الصفقات التجارية التي تدخل بموجبها البضائع السورية إلى الأردن، تتم بعملة أخرى غير العملة السورية، وهو الأرجح في مثل هذه الحالات.

وبكل الأحوال، سواء أكان لإعادة فتح معبر نصيب دور في تراجع سعر صرف الليرة، وارتفاع الأسعار، أم لم يكن له أي دور، فإن هذا الواقع الاقتصادي الجديد، لا أحد ينكر، بأنه تزامن مع فتح المعبر، وهو واقع بدأ يطلق عليه الموالون: "لعنة معبر نصيب".

ترك تعليق

التعليق