اقتصاديات.. اقتصاد المعارض أم اقتصاد تجار دمشق؟!


لا يكاد يمضي شهر أو اثنين، دون الإعلان عن وجود معرض، في سوريا أو خارجها، تحت مسمى "صنع في سوريا"، أو مهرجان التسوق، أو معرض إعادة الإعمار، أو غيرها من المسميات التي تعني في النهاية، أن تجار دمشق، يسوقون لمنتجاتهم، ولكن تحت شعارات وطنية براقة، لا تعود بالنفع سوى على جيوب المشاركين في هذا المعرض.
 
وتجار دمشق، وللأمانة، نجحوا حتى الآن في التهرب من تبني أية مواقف سياسية حادة تجاه أي من طرفي الأزمة في سوريا. وقلما تقع على تصريح لرجل أعمال دمشقي من أولئك الذين يقيمون في حضن النظام، تشبه تلك التي يتفوه بها، على سبيل المثال، فارس الشهابي في حلب، وتعتقد من خلالها أنه يحمل الحذاء العسكري في رأسه. بل إنك في كثير من الأحيان لا تشعر بالعداوة الشديدة نحو هؤلاء التجار كونهم يؤيدون نظام القتل في دمشق، وإنما تنظر إليهم على أنهم يرعون مصالحهم، ولا بأس في ذلك ما داموا بعيدين عن المساهمة مباشرة في قتل الشعب السوري.

ولا شك أن النظام، أدرك في وقت لاحق، أن إغراق الجميع معه، كما حدث في بداية الثورة السورية، عندما عاقبت الدول الكبرى رجالات الأعمال المرتبطين به والداعمين له، قد أضر به كثيراً، لذلك لاحظنا، أنه قام على الفور باستبعاد هذه الطبقة المعاقبة، أو أنها توارت عن الأنظار، واستعان بطبقة أخرى من رجال الأعمال الذين لم تطلهم العقوبات، والذين ينتمي أغلبهم إلى دمشق..

ولكن بنفس الوقت، فإن شروط التعامل مع تجار دمشق تختلف كثيراً عن شروط التعامل مع غيرهم من طبقة رجال الأعمال التي أوجدها النظام بعد العام 2000، من أموال الفساد والصفقات المشبوهة.. فأغلب تجار دمشق الذين يمثلون واجهة النظام اليوم، هم من أسر صناعية وتجارية عريقة، وقد ورثوا هذا المال والتجارة عن آبائهم، ولا فضل لبشار الأسد ونظامه في أموالهم.. وهو ما أعطاهم الحرية أكثر من غيرهم، في اختيار أنشطتهم التجارية.

لذلك نجد، أنه منذ العام 2014، اتخذ اقتصاد النظام شكلاً جديداً، اضطر من خلاله للدعاية والترويج لمجموعة من التجار الدمشقيين، الذين لا يشك أحد، بأنهم يعملون لمصالحهم الخاصة، ويسعون لزيادة أرباحهم الشخصية.. وقد استطاع هؤلاء التجار أن يقيموا معارض في عدد من الدول العربية وفي سوريا وأن يبيعوا منتجاتهم.. كما ويعود الفضل إليهم بإطلاق معرض دمشق الدولي العام الماضي، بعد توقف دام لخمس سنوات، والذي استطاعوا عبره اقناع الشركات الخارجية للمشاركة به وعقد الصفقات معها.

وعندما ضغطت إيران على النظام من أجل فتح العلاقات التجارية معها، لم يجد بشار الأسد سوى التجار الدمشقيين، لكي يرسلهم الشهر الماضي إلى طهران، لكي يتفاوضوا معها، الأمر الذي الذي أزعج الإيرانيين، واعتبروه تملصاً من دخول البضائع الإيرانية إلى الأسواق السورية.. لأن هؤلاء كان يعنيهم بالدرجة الأولى تصريف بضائعهم في الأسواق الإيرانية.

من خلال العرض السابق، نعتقد أن تجار دمشق، صحيح أنهم نجحوا في إزالة بعض الغبار عن صفحة النظام السوري في بعض الدول العربية، وساعدوا الاقتصاد السوري على التماسك داخلياً، لكنهم بنفس الوقت حصلوا على ثمن كبير مقابل هذه الخدمة، ودون أن يقدموا أي دعم مالي مباشر لهذا النظام.. وهم لازالوا يسعون للحصول على المزيد من الأثمان، ولا أحد يعلم على وجه التحديد ما الذي يريدون الوصول إليه..
 
أغلب الظن أنهم يريدون الانتقام من الاقتصاد السوري الذي تجاهلهم لأكثر من خمسين عاماً، وها هم يسعون لرد الاعتبار لأنفسهم ولتجارتهم، وغصباً عن النظام.


ترك تعليق

التعليق