لعنة "الديسك" تلاحق قوت الشباب السوري في لبنان


 بعد سنوات اللجوء الطويلة التي عاشها السوريون في لبنان، تم خلالها استنزاف قوى الشاب السوري بأعمال منهكة، وبساعات عمل شاقة وطويلة، مقابل أجور  كانت وماتزال لا تنصف العامل السوري قبل اللجوء وخلاله في لبنان مقارنة مع طبيعة العمل الذي يقوم به ومدته.

وبدأت -منذ مدة- تظهر نتائج الجهد الكبير على اللاجئين السوريين، فاليوم، وبناء على وصف "البروفيسور جوزيف مارون المعراوي" أخصائي الجهاز العصبي والعمود الفقري في منطقة زغرتا في مركز الشمال الاستشفائي: "بات مرض الديسك يشكل مشكلة كبيرة في لبنان، ولا سيما بالنسبة للشباب السوريين، فقد ازدادت نسبة مرضى الديسك بشكل كبير في لبنان، والمشكلة الأكبر هو اعتماد غالبية الأطباء في لبنان على إجراء العمليات الجراحية، دون تجربة إعطاء الدواء والعلاج".

 الديسك.. فوق الموت "عصة قبر"

بات مرض الديسك هماً آخر يرهق جسد وفكر عدد من الشباب السوريين، وكيف لا، حيث يعاني مريض الديسك منهم من ألم شديد في أسفل الظهر تزداد حدته بالحركة أو بالانحناء إلى الأمام أو حتى بالسعال، وفي كثير من الحالات يمتد الألم من أسفل الظهر ليصل إلى الفخذ أو إلى الساق أو إلى القدم، مع تنميل وخدران حسب المنطقة التي يغذيها العصب المضغوط. وكذلك يعاني مريض الديسك من ضعف في عضلات الساق أو عضلات القدم أو قلة إحساس في منطقة معينة.

 ويكون ألم مريض الديسك شديداً جداً يقعد المريض ويمنعه من الحركة بشكل كامل أو ببطء وصعوبة لمدة أسبوعين متواصلين، وقد تصل لمدة شهر، وفي بعض الحالات يستمر الوجع لمدة شهرين، وهذا الأمر يشكل ضغطاً نفسياً على الشباب السوري اللاجئ لأنه يضطرهم للتوقف عن العمل، والذي قد يخسره اللاجئ إذا طالت مدة مكوثه في المنزل، فصاحب العمل لن يوقف شغله وينتظر شفائه، بالإضافة إلى مصاريف أسرته فهو المعيل الأساسي لها، بالاضافة لهمّ دفع إيجار المنزل، وسيزيد على ذلك تكاليف العلاج لمرض الديسك المكلفة جداً في لبنان.

من تجارب بعض الشباب السوريين اللاجئين في لبنان مع مرض الديسك

"أبو سليمان" لاجئ سوري أربعيني يعمل منذ عدة سنوات بائع غاز متجول، يوزع الغاز على المنازل براتب شهري (600) ألف ليرة لبنانية، حيث يضطر يومياً للصعود على مئات الأدراج لإيصال قارورة الغاز حملاً مقابل مبلغ براني يتقاضاه (1000) أو (2000) ليرة لبنانية، تمنح له مقابل إيصال القارورة للشقة وتعطى فوق ثمن قارورة الغاز.

 كذلك الأمر بالنسبة لـ "عبد السلام" الذي يقوم بتوزيع مياه الشرب وإيصالها إلى المنازل.

يقول "أبو سليمان": "وصلت لمرحلة لم أعد أحتمل وجعي، فلا قدرة مادية لدي لإجراء عمل جراحي، وليس بإمكاني ترك عملي، فلدي خمسة أطفال، وعلي دفع إيجار منزل، وأقساط مدارس، وإيجاد عمل آخر ليس بالأمر السهل، (وأنا عم اتفضى من هالألف والألفين الي بيطلعولي براني، الراتب وحده مابيفتح بيت ببلد كل شي فيه غالي)".

وعند سؤالنا له "هل زرت طبيب؟"، يجيب "أبو سليمان": "نعم زرت طبيبين أحدهما في (حلبا) والآخر في (طرابلس)، أكدوا علي ضرورة القيام بعمل جراحي ولكن من أين آتي بالمبلغ؟".

وهنا توجهنا بسؤال آخر له "ماذا تفعل لعلاج حالتك؟"، ليجيب:" ألجأ كل فترة لجلسات تدليك عند (طبيب عربي)، فأرتاح لفترة ولكن الوجع يعود، وقدمت طلب لمفوضية الأمم لتكفلني بالعمل الجراحي ولو من ناحية إنسانية بأني معيل لخمسة أطفال ولكن تم الرفض".

بدوره، "عبدالله"، لاجئ سوري ثلاثيني يعمل لدى معلم دهان وجفص في طرابلس بإيجار يومي (30) ألف ليرة لبنانية، ويقيم في منطقة "البيرة" شمال لبنان، ومنذ سنتين بدأت تظهر عليه أعراض وآلام الديسك. يقول "عبدالله": "في كثير من الأحيان أعجز عن مغادرة فراشي والذهاب إلى العمل بسبب الألم الشديد، أحياناً يشتد علي الوجع لمدة أسبوع أو عشرة أيام متواصلة، وصاحب العمل يصبر على غيابي فترة ولكنه لا يحتمل غيابي الطويل".

ويضيف "عبد الله": "معلمي أحسن من غيره عالقليله بيقدر وجعي، على الرغم من أنه ضغط الشغل كله عليي ومابيقدر يستغني عني بس ممكن يوصل لمرحلة ويستغنى أكيد شغله أهم مني بالآخر بدو مصلحته".

ويكمل متألماً: "وجع مابينحمل، وعندي طفلين بدن حليب وحفوضات، وأجار بيت، وزوجتي عندا مشكله بالكلى كل فترة عندا مراجعة طبيب، كشفيات الدكاترة أنهكتنا، والكل بيأكد ع ضرورة ممارسة الرياضة للتخفيف من وجع الديسك، أو التسجيل بنادي أو مسبح وممارسة السباحة، وكتير بيأكدوا على موضوع الراحة، ومابيعرفوا أنه اللبناني (مستعبد السوري) بالشغل ومو تاركلوا وقت يشوف مرته وولاده فمن وين رح يلاقي وقت يروح نادي ويمارس رياضة، السوري بيجي من شغله مرهق يادوب يتحمم وياكل وينام".

أما "بسام"، شاب لاجئ سوري ثلاثيني، يعمل محاسب لدى سلسلة محلات لتصليح السيارات وبيع قطع غيار، بدوام 12 ساعة من الثامنة صباحاً وحتى الثامنة مساء، براتب (800) ألف ليرة لبنانية، يدفع منه إيجار منزل، ويعيش مع أسرته التي يعيلها بباقي الراتب، ظهرت عليه آلام الديسك فجأة ولكنها شديدة، يقول بسام عن حالته: "اضطررت للقبول بساعات العمل الطويلة هذه لأنني لم أجد عمل بمجال دراستي كمحاسب، فاللبناني لن يترك هكذا وظيفة للاجئ سوري، وليس بإمكاني أن أعمل أي عمل خارج مجال دراستي، لم أضجر من العمل ولا من ساعات العمل الطويلة يوماً، بل أحمد الله أنني أؤمن أجار المنزل لأهلي، وأؤمن احتياجاتهم، والأهم أنني أؤمن  الدواء لأمي المريضة، ولكن آلام الديسك لم تتركنا بهمومنا التي تعايشنا معها، فباتت آلام الديسك الشديدة تمنعني من الذهاب للعمل لمدة أسبوعين وأحياناً أكثر، وصاحب العمل بات يضجر من وجعي، وهو اليوم يبحث عن محاسب يحل مكاني، وحتى اليوم لم يجد بديلاً يقبل براتبي ودوامي الطويل، ولكنه في النهاية سيجد من يحل مكاني".

وعن محاولات العلاج يكمل قائلاً:" قصدت عدداً من الأطباء غالبيتهم أكدوا ضرورة إجراء العمل الجراحي، وليس لدي القدرة المالية لإجرائه في مشافي لبنان الباهظة التكاليف، بالإضافة لذلك بعد إجراء العمل الجراحي يوصي الأطباء بضرورة الراحة في الفراش لمدة شهرين، وعندها من سيقوم بأمور أهلي ومن سيدفع أجار المنزل، وخلافه".

سألناه "ماذا عن منظمات الإغاثة الأممية وحالتك؟"، ليجيب: "بالنسبة للأمم المتحدة قدمت ملفي لدى المسؤول في (مشفى السلام اللبناني) وجاءني الرفض".

في حين كانت "داليا" شابة ثلاثينية أيضاً لاجئة سورية في لبنان، عملت مدرسة للغة الإنكليزية لعدة سنوات في "مدرسة النور" في منطقة "البيرة" اللبنانية، وتعاني "داليا" من آلام شديدة من الديسك، وعن تجربتها صرحت لنا: "كنت أدرس اللغة الانكليزية في مدرسة النور ولكن الرواتب قليلة جداً وتعطى بالتقسيط و(بالمنية)، ومن ثم أعود إلى المنزل لأقوم بواجباتي كأم وزوجة وربة منزل، وأعيل والد ووالدة زوجي المقيمين معنا، وأعطي عدداً من الدروس الخصوصية لبعض الطلاب لكي أتمكن من مساعدة زوجي بالمصروف، فزوجي لديه إصابة في قدمه خلال أحداث الثورة في سوريا، لم أنتبه على صحتي بسبب ظروف اللجوء المرة، الأمر الذي أوصلني إلى هذه الحالة المؤسفة من معاناة مع مرض الديسك".

وفي سؤالنا لها "ماذا عن محاولات العلاج؟"، تجيب: "سجلت بنادي رياضي لفترة بتكلفة (50) ألف ليرة لبنانية شهرياً، وكنت أتحسن لفترة وعندما لا يسمح لي ظرفي ووقتي بممارسة الرياضة تعود حالتي للتدهور، وقصدت الكثير من الأطباء في لبنان، غالبيتهم أكدوا ضرورة إجراء العمل الجراحي، ولكن من أين أؤمن تكلفته فنحن لا نملك من المبلغ ولا حتى ربعه".

أما عن مفوضية الأمم المتحدة تتابع كلامها: "لجأت إلى المفوضية أكثر من مرة لعلها تنظر في أمري وتكفل لي العملية فتم الرفض وبشكل قطعي لا جدل فيه. واليوم توقفت عن العمل بشكل نهائي، فمرض الديسك أنهكني نفسياً وجسدياً، ونعيش على ما يدخله زوجي. المهم ستر الحال".

وفي حالة "خالد" لاجئ سوري ثلاثيني يعمل ناظر لدى مدرسة لتعليم السوريين بدعم مؤسسة خيرية كويتية، بدوامين وبراتب شهري مليون ليرة لبنانية، قال لنا حول تجربته: "إنني أعجز عن وصف الألم الذي يصيبني، لقد وصل بي الأمر بأنه شلّ حركتي لمدة شهرين متواصلين، وإن جبرت على نفسي بالمشي يميل جسدي على جنب ولا أستطيع تجليسه، سجلت أكثر من مرة بمسبح ومارست رياضة السباحة، وليس لدي الوقت للاستمرار الدائم بهذا، كما قصدت الطب العربي والتدليك ولم أستفد، قصدت عدد كبير من الأطباء الذين بغالبيتهم أكدوا ضرورة إجراء العمل الجراحي، كما وصفوا لي الإبر ولكن أتحسن عليها لفترة ثم أعود أسوأ مما كنت، قدمت طلب لمفوضية الأمم وطبعاً رفضوا وكان الرد أن عملية الديسك (تجميلية) ولا تقبل المفوضية كفالتها تحت أي ظرف. عملت (لمة) بجامع البيرة طلعوا 700 دولار وبعد ما تم تحديد موعد العمل الجراحي بتكلفة (4) مليون ليرة لبنانية، تحسنت شوي فتوقفت عن إجراء العملية، (وايمت بيرجعلي الوجع وبيشل حركتي الله أعلم)".

"أم عبدو" لاجئة سورية، 45 عاماً، تعمل مزارعة في الأراضي اللبنانية بإيجار (20) ألف ليرة لبنانية على الوردية الواحدة، تقول: "جربت كل ما وصف لي حول علاج الديسك من رياضة وطب عربي بديل وأدوية وابر ولكن وصلت لمرحلة شللت بها نهائياً فأجريت العمل الجراحي بمساعدة أحد أقربائي، ولكن بعد فترة عاد لي الوجع لأنهم أكدوا علي بعد العمل الجراحي ألا أقوم بأي عمل، ولكني بعد استراحة لفترة عدت إلى عملي فأنا المعيلة الوحيدة لأسرتي بعد وفاة زوجي، ويقول لي الطبيب بأنه علي إجراء العمل الجراحي مرة ثانية. فماذا أفعل بحالي؟!".

 تكاليف العلاج والعمل الجراحي للديسك في لبنان

يتقاضى غالبية أطباء الجهاز العصبي والعمود الفقري كشفية تتراوح بين (60 - 75) ألف ليرة لبنانية، يطلب الطبيب بدايةً، من مريض الديسك، إجراء صورة رنين مغناطيسي بتكلفة (200) دولار، يضع الطبيب اللبناني العمل الجراحي نصب عينه مباشرة ويهدد المريض بتدهور حالته وشلل العصب والوصول إلى حالة التبول اللإرادي إن لم يقم بإجراء العمل الجراحي الذي تبلغ تكلفته في مشافي الشمال اللبناني وطرابلس (4) مليون ليرة لبنانية، وتبلغ تكلفته في مشافي بيروت (4) آلاف دولار، أما العمل الجراحي "بالمنظار" فتبلغ التكلفة (9) آلاف دولار، ولكن كما يصف الأطباء بأن نسبة نجاح علاج الديسك بالمنظار ليس 100% كما العمل الجراحي، بالإضافة للتكاليف الأخرى من صور وأدوية وإقامة في المشفى، والتعطيل عن العمل لمدة شهرين بعد العمل الجراحي. فمن أين للاجئ السوري كل هذا؟!

بعض الأطباء يصفون لمريض الديسك إبر تعطى بالنخاع الشوكي بتكلفة (200) دولار للإبرة الواحدة، وهناك طبيب في منطقة جبيل يعالج الديسك، كتجربة قد تغني عن العمل الجراحي حسب وصفه، وذلك بإبرة تعطى بالنخاع الشوكي كلفتها (1000) دولار، ولكن بناء على تجربة بعض الأشخاص فالوجع يعود بعد حوالي سنة ونصف من أخذ الإبرة.

يُعطى مريض الديسك، إن لم يوافق على إجراءالعمل الجراحي، 10 - 12 إبرة فيتامين، وأدوية يبلغ سعرها حوالي (120) ألف ليرة لبنانية شهرياً (كل 1 دولار = 1500 ليرة لبنانية).

 الطب البديل كحل للاجئين السوريين

يلجأ عدد كبير من اللاجئين السوريين الذين يعانون من آلام الظهر والأكتاف ومرض الديسك إلى الطب العربي البديل وجلسات التدليك والمساج عن طريق مختصين، كـ "أبو هيثم" المقيم "غربي الدوسة" قرب منطقة "حلبا" شمال لبنان. و"أبو هيثم" يعالج الديسك بالتدليك وطقطقة العمود الفقري ويتقاضى (10) آلاف ليرة لبنانية للجلسة الواحدة، ويلجأ إليه مئات اللاجئين السوريين واللبنانيين من أرجاء لبنان.

 يصف "أبو هيثم" لمريض الديسك من 6 إلى 9 جلسات مساج بحسب حالة كل مريض، ويقول له "إن لم تتحسن فعليك إجراء العمل الجراحي".

 قابلنا عدداً من الأشخاص الذين قصدوا "أبو هيثم"، عدد منهم قال إنه استفاد بشكل كبير، والبعض الآخر قال إن حالته ازدادت سوءاً، والبعض الثالث لم يكمل الجلسات لأكثر من مرتين ولاسيما من النساء، فهم لا يتحملون عملية الربط والشد والطقطقة.

 عملية الديسك، تجميلية.. في حسابات المفوضية

الغريب بالموضوع والمثير للدهشة اعتبار مفوضية الأمم المتحدة بأن بعض العمليات الجراحية كعملية (الديسك) تجميلية ولا تتبناها أبداً. ويتساءل الكثير من السوريين، تحت أي بند وصفت المفوضية عملية "الديسك" بالتجميلية، مع أنها تشل الجسم عن الحركة؟!
 
وأخيراً

 موضوع "الديسك" هو أكبر من عملية تجميلية بل يمس حياة وقوت عائلات وشباب تكدح للعيش بكرامة. والأمر يحتاج لصرخة توصل معاناة الشاب اللاجئ السوري في لبنان التي يعيشها يومياً، لمن بقي في قلبه رحمة وضمير. (وما منطلب من مفوضية الأمم المتحدة وأطباء بلا حدود والمنظمات الأخرى إلا يعطوا هالشاب السوري حقه كلاجئ).


ترك تعليق

التعليق