النظام وشباب درعا.. انتقام، وخيارات اقتصادية عصيبة


على الرغم من توقف المعارك في الجنوب السوري، وبسط النظام لسيطرته على جميع المناطق، إلا أن الوضع في درعا ما زال محتقناً ومفتوحاً على كل الاحتمالات؛ بسبب ممارسات قوات النظام الانتقامية، والإهمال المقصود الذي تبديه مؤسساته الخدمية، تجاه الأهالي واحتياجاتهم المتنامية.

واقع أمني محتقن تغذيه ممارسات طائفية

ويشير مصدر مطلع من المحافظة، إلى أن سوء الخدمات، والشعور بالخذلان، لدى شريحة واسعة من الشباب، مؤشرات قد تدخل المحافظة في دوامة العنف، والعنف المضاد من جديد، موضحاً أن الشواهد على ذلك كثيرة.

وأضاف المصدر أن هذه المؤشرات، عززتها زيارة رئيس شعبة المخابرات الجوية اللواء "جميل الحسن" لبعض مناطق درعا مؤخراً، وتهديده للأهالي بالانتقام من أبناء المحافظة، وهو ما اعتبره الأهالي؛ حقداً دفيناً لدى بعض أفراد نظام الأسد الطائفي، والذي يبدو أنه من الصعب تجاوزه في هذه المرحلة أو المراحل القادمة، دون أثمان باهظة يدفعها أبناء درعا.

وأكد المصدر أن ممارسات قوات النظام، دفعت ببعض المسلحين في المحافظة، إلى القيام بردات أفعال غاضبة، تمثلت باستهداف الحواجز العسكرية المتمركزة في بعض مناطق ريف درعا، وقتل عناصر منهم.

وأوضح أن تصرفات المسلحين هذه، جاءت تعبيراً حقيقياً وفعلياً عن احتقانهم، وعدم رضاهم عن سلوك تلك القوات، التي ماتزال تبحث عن مبررات للإمعان في إذلال الأهالي، لا سّيما الشباب منهم.

واقع اقتصادي سيئ تفرضه سيطرة قوات النظام على درعا

ويقول المهندس محمد أحمد وهو صاحب مكتب مقاولات، "إن ممارسات النظام منذ سيطرته على درعا في آب الماضي وملاحقة أجهزته الأمنية لشريحة الشباب، أثرت بشكل سلبي على الواقع الاقتصادي والأمني في المحافظة، وأعاقت أي رغبة أو توجه لإطلاق أي نشاط اقتصادي ممكن، يعتمد عليه في تحسين الواقع المعيشي لبعض الشباب".

وأشار أحمد إلى أنه على الرغم من تحرك سوق العمل قليلاً، في بعض القطاعات، وتوفير عشرات فرص العمل، إلا أن هذا التحرك يبقى خجولاً جداً، والفرص المتوفرة تبقى متواضعة بالمقارنة مع عدد العاطلين عن العمل الجدد، المنضمين إلى قافلة البطالة مؤخراً، وجلهم من الفصائل المسلحة.

وأضاف أن الأوضاع الاقتصادية لدى أهالي المحافظة، رغم توقف الحرب، مازالت سيئة، وشريحة الشباب المعول عليها واقعة في حيرة من أمرها؛ أولاً بسبب الملاحقات الأمنية التي تتعرض لها، وثانياً لعدم قناعتها بتأدية الخدمة الإلزامية، والاحتياطية، لدى نظام طائفي، يكرس قوته وعتاده ويستقدم الخارجي لقتل شعبه.

وبهذا الصدد يقول "عمران"، 23 عاماً، وهو عنصر سابق في الجيش الحر، "لقد توقفت أنشطة الشباب وأعمالهم، في انتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة".

وأضاف "لم نعد ندري إلى أين سيسوقنا مصيرنا، بعد سبع سنوات من الحرب، فالنظام لا عهد ولا ميثاق له، فقد وعدنا بأنه لن يلاحق أي أحد من المطلوبين بعد التسويات، لكنه يفعل ذلك جهاراً نهاراً، دون الاكتراث بوعوده".

ولفت الشاب عمران إلى أنه متوقف منذ أشهر عن ممارسة أي نشاط اقتصادي، مشيراً إلى أنه لا يستطيع ممارسة أي نشاط، أو عمل منتج بعد أن ترك الجيش الحر، وأن هاجسه ينصب الآن على معرفة مصيره، واللحظة التي سيتم اعتقاله فيها، والجهة التي سيقاد إليها.

فيما أكد فارس خالد، 28 عاماً، أنه فقد عمله في إحدى المنظمات الإغاثية؛ بسبب توقف نشاطها في المحافظة بعد سيطرة النظام عليها، لافتاً إلى أنه كان يتقاضى راتباً شهرياً يتجاوز الـ 100 ألف ليرة سورية، لكنه الآن أصبح بلا مصدر دخل.

وأضاف أن تفكيره ينصب الآن، على آلية تسوية وضعه مع النظام، وإنهاء الخدمة الإلزامية، التي سيساق إليها قريباً، بأقل الخسائر الممكنة، وعلى كيفية تأمين نفقات أسرته المكونة من زوجة وطفلين، في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.

وقال: "لا يمكن لأي شاب الشعور بالأمان أو الاستقرار، في ظل الحملات والمداهمات اليومية، التي تقوم بها قوات النظام في المناطق والتي تستهدف المطلوبين للخدمة الإلزامية والاحتياطية".

أما "جهاد"، 32 عاماً، وهو أحد عناصر الجيش الحر سابقاً، فقد أكد أنه وبهدف التخلص من ملاحقات أجهزة النظام، اضطر للانضمام إلى الفيلق الخامس، الذي تشرف عليه روسيا وذلك مقابل راتب شهري، يقدر بحوالي 200 دولار شهرياً.

وأضاف: "صحيح أنني منتج، وأعيل نفسي وعائلتي المكونة من زوجة وطفلين، لكن عملي محفوف بالمخاطر؛ بسبب زجي ورفاقي من المتطوعين في البؤر المشتعلة".

ولفت إلى أنه وجميع المنتسبين للفيلق الخامس، مطلوب منهم المشاركة في القتال إلى جانب قوات النظام، في البؤر المشتعلة في المناطق السورية، ومن يرفض ينهى عقده، وتحرك ضده دعاوى سابقة، تتضمن تهماً مختلفة أقلها تهمة "الإرهاب".

وأشار إلى أنه لا يوجد أمام المطلوبين من شباب المحافظة، الذين يعدون بالآلاف، خيارات كثيرة، فإما الانتساب إلى الفيلق الخامس أو الفرقة الرابعة بعقود مؤقتة، وإما الذهاب لأداء الخدمة الإلزامية والاحتياطية، وترك أسرهم وعائلاتهم بلا معيل وبلا أي مصدر دخل.

وبهذا الصدد وبنظرة تشاؤمية للواقع، أكد المحامي والناشط الحقوقي "أبو محمد الحوراني"، أن الشباب في درعا سيكونون في المرحلة القادمة وقوداً لمعارك النظام في البؤر المشتعلة، سواء أكانوا متطوعين في الفيلق الخامس، أو الفرقة الرابعة، أو يؤدون الخدمة الإلزامية والاحتياطية في صفوف قوات النظام.

وأضاف أن النظام في كلتا الحالتين، سيرمم بهم قواته المنهارة، وسيسعى إلى الاستفادة من طاقاتهم القتالية إلى أقصى حد في المعارك المتبقية، وفي ختام المطاف سيتخلص منهم بطريقة أو بأخرى؛ بسبب وصمهم بصفة "الإرهاب".

ولفت إلى أن هذا النظام، الذي عودنا على ممارسات وسلوكيات غير متوقعة، سيسعى إلى الانتقام من كل من رفع السلاح في وجهه، سواء في درعا أو في غيرها، وذلك من خلال تصفيتهم في ساحات القتال، أو من خلال تحويلهم إلى محاكمات بذرائع الحق الشخصي، مشيراً إلى أن كل الضمانات ومهما كان مصدرها فلن تثنيه عن ممارسة أفعاله.

ترك تعليق

التعليق