في منبج.. "شهادة مزاولة مهنة" أم ابتزاز لأصحاب المهن؟


يشتكي سكان مدينة "منبج" شرقي حلب، من أوضاع معيشية واقتصادية صعبة بسبب تحكم القوات المسيطرة على المدينة بالأسواق وبحياة المواطن اليومية وحتى بقوت يومه.

وتعمد "قوات سوريا الديمقراطية"، والتي تشكل الوحدات الكردية عمودها الفقري، إلى فرض الضرائب والإتاوات على البضائع التي تدخل لأسواق المدينة الأمر الذي ينعكس بشكل سلبي على الأسعار ما يؤدي إلى ارتفاعها.

كما تلجأ القوات ذاتها إلى التضييق على أصحاب المهن والحرف داخل المدينة، وذلك من خلال إجبارهم على دفع ضريبة واستخراج ما أسمته "شهادة مزاولة مهنة" من قبل المجلس المحلي التابع لها في المدينة، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة وخاصة من قبل أصحاب المحال التجارية.

وبحسب مصادر محلية، فإن "شهادة مزاولة المهنة" تقدر قيمتها بنحو 16000 ليرة سورية، وأن من يتخلف عن دفع هذه الضريبة يتم إغلاق محله بالشمع الأحمر وتغريمه مادياً بسبب مخالفته للتعليمات وعدم تنفيذ القرارات.

وبينت مصادر من داخل المدينة لموقع "اقتصاد"، أن إجبار أصحاب المهن على استخراج "شهادة مزاولة مهنة" ما هو إلا باب جديد من أبواب استغلال الناس، مؤكدين أن أموال تلك الضرائب تعود لجيوب القوات المسيطرة على المدينة.

تضييق على أصحاب المحال التجارية

"أبو مازن" من أهالي مدينة منبج وصاحب "صالة للمفروشات" في سوق منبج الرئيسي أو كما يسمى "سوق الحميدية" قال: "فرضت علينا لجنة الضرائب التابعة للمجلس البلدي شهادة مزاولة مهنة منذ أكثر من 3 أشهر، علماً أنني أعمل في تلك الصالة منذ 15 عاماً".

وبيّن في حديثه لموقع "اقتصاد"، أن فرض تلك الشهادة شمل كافة أصحاب المحلات التجارية في السوق بدءاً من صاحب البقالية إلى عيادة الطبيب والشركات التجارية.

ولفت الانتباه، إلى أن ثمن مزاولة المهنة يبدأ من 15000 ليرة سورية فما فوق حسب المهنة وحجم المحل أو الشركة، إلى أن يصل إلى 100 ألف ليرة سورية، عداك عن ضرائب النظافة والدخل والكهرباء والمياه وإشغال الأرصفة، مشيراً إلى أن هذا الأمر أصبح يضيق عليهم كثيراً، خاصة وأن ذلك يؤدي أيضاً إلى ارتفاع الأسعار.

ويرى التاجر "أبو مازن"، أن قوات "قسد" تجني الكثير من الأرباح جراء فرض تلك الضرائب، عازياً السبب إلى وجود عدد كبير من المحال التجارية فقط في الأسواق وقد يصل عددها إلى أكثر من 400 محل تجاري، أما في الأحياء فيتواجد ضعفي هذا الرقم لأن المدينة كبيرة، وهذا الأمر ينطبق على الريف أيضاً.

تغريم وتشميع وطرد من المهنة

"أبو العبد المنبجاوي" أحد سكان مدينة "منبج" قال لموقع "اقتصاد": "إن قرار ترخيص (مزاولة المهنة) في مدينة منبج بدأ منذ بداية العام الحالي 2018، وشمل جميع المكاتب العقارية، ومكاتب السيارات، والشركات الخاصة التجارية والصناعية، والعيادات الطبية الخاصة، والصيدليات، والمشافي الخاصة، والأسواق العامة، بهدف كسب المال لصالح خزينة تنظيم قسد".

وأضاف، أن الضرائب تدفع شهرياً بشكل دوري، وكل من يخالف هذا القرار يتم تغريمه مالياً وتشميع محله بالإضافة إلى طرده من المهنة، وقد تصل به الحال إلى حجز أملاكه وبيعها في المزاد العلني.

ونقل "المنبجاوي" استياء العديد من أصحاب المحلات التجارية جراء الضرائب المفروضة عليهم وقال: "الكثير من أصحاب هذه المصالح والأملاك ضاق الأمر بهم ذرعاً بسبب كثرة الضرائب، حتى وصل بهم الحال إلى العمل المتواصل بساعات طويلة، حتى يسددوا ما يترتب عليهم من ضرائب الدخل والرسوم".
 
وأدى فرض تلك الضرائب إلى "تضخم اقتصادي" كبير، إلى جانب أثر الرسوم والجمارك، وقد ألحق ذلك ضرراً كبيراً وكساداً واضحاً في الكثير من الأسواق في المدينة والريف، وفق ما ذكر المصدر ذاته.

الأهالي "بقرة حلوب" لفارضي الضرائب

وتدفع رسوم "شهادة مزاولة المهنة" للجنة الضرائب في المجلس التنفيذي عن طريق اللجان الخاصة بجمعها ضمن الاختصاص الخاص بها، ويتم تحويلها إلى المصرف الزراعي في المدينة، ومن ثم تحول هذه الأموال كل يوم خميس إلى مدينة القامشلي،  والأرقام طبعاً خيالية لا يمكن تقديرها بسبب كثرة المتاجر والمحلات، بحسب مصادر أهلية.

الكاتب والمحلل السياسي "حسن النيفي" اعتبر في حديثه لموقع "اقتصاد"، أن فرض ضرائب جديدة على أصحاب المحلات التجارية واجبارهم على استخراج "شهادة مزاولة مهنة"، إنما يأتي في سياق ممارسة سلطات "قسد" التي تهدف إلى أمرين اثنين: الأول هو حاجة السلطات القائمة الى جمع المزيد من الأموال، إلى درجة أصبح الشعب فيها بالنسبة  إلى قسد "كالبقرة الحلوب" التي يجب أن يكون حليبها مدراراً ليثرى أعضاء قسد ويمولوا مشاريعهم الخاصة.

أما الأمر الثاني: فهم يريدون إقرار شرعيتهم كدولة حين يعطون للناس شهادات عليها أختامهم، فضلاً عن أنها أسلوب احتيال جديد لسلب المواطن المزيد من المال.

ووافقه بالرأي الناشط الإعلامي "فواز شلال" من أبناء مدينة منبج والذي أشار إلى أن الهدف الرئيس من وراء فرض تلك الشهادات هو ليس تنظيم المهن أو الحرف، بل هو جني مزيد من الأموال لصالح تلك المليشيات بشكل مباشر، الأمر الذي زاد من سخط الأهالي.

وأضاف أنه ومنذ سيطرة قوات (ب ي دي) على المنطقة منتصف عام 2016، وهي تبتدع الطرق والمسميات في سبيل فرض مزيد من "الإتاوات" التي تحقق لها مئات الملايين شهرياً، كالإتاوات المفروضة على البضائع من خلال ما يسمى "ساحات الجمرك"، أو من احتكار بيع النفط الذي تسرقه من آبار النفط والغاز في الحسكة ودير الزور، أضف الى ذلك رسوم الكهرباء والماء ورسوم تسجيل السيارات، حيث تصل تكلفة تسجيل السيارة الواحدة ما يزيد عن 2000 دولار أمريكي.

ابتزاز واستغلال واحتكار للمواد

الإعلامي والناشط السياسي داخل مدينة منبج " قحطان عبد الجبار" وصف ما تقوم به قوات "ب ي  دي" من فرض الضرائب على جميع المهن سواء المهن اليدوية او المحال التجارية أو حتى على سائقي السيارات وكل من يعمل في منبج، بأنه نوع من أنواع الابتزاز والاستغلال.

ولفت "عبد الجبار" إلى احتكار تلك القوات للمواد الغذائية مثل السكر والأرز ومنع استيرادها من قبل أي تاجر، وتقوم قوات "بي ي دي" باستجرارها وبيعها للتجار بأسعار مضاعفة، إضافة لمواد أخرى مثل "الاسمنت والحديد" التي تحتكر بيعها وشرائها بالسوق، إضافة لفرضها تعرفة جمركية باهظة ما بين 15 إلى 35 دولار للطن الواحد على كل نوع من أنواع المواد الغذائية أو غيرها عبر المعابر سواء مع مناطق درع الفرات أو مناطق النظام، مضيفاً أن ذلك هو أحد أنواع الموارد المالية لميليشيا "بي ي دي" تمارسه بشكل تعسفي وتخضع الأهالي لهذا الأمر بشكل غير مقبول.
وحذّر "عبد الجبار" أنه وفي حال استمر الوضع على ما هو عليه على صعيد فرض الضرائب واستغلال حاجة الناس وغلاء الأسعار، فإن الأمور ستشهد حالة من الغليان تنذر بالانفجار الشعبي في المدينة ضد هذه الممارسات المرتكبة من قبل القوات الكردية المسيطرة.

الجدير ذكره، أن أسواق مدينة "منبج" تشهد حالةً من الركود بسبب سياسة تلك القوات، وخاصة أسواق " السيارات"، يضاف إلى ذلك الجمود الذي تشهده أسواق "العقارات" منذ نحو 8 أشهر، بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء وتحكم التجار بها، وسط مطالبات شعبية لتلك القوات بألا تذهب أموال الضرائب لصالح حزب "بي ي دي" بشكل مباشر، وأن تذهب لصالح إعادة إعمار الأبنية والمرافق التي دُمرت أثناء حملة "قسد" للسيطرة على منبج، أو لإعادة تأهيل الطرقات أو فتح مشاريع تنموية.

ترك تعليق

التعليق