أعراس مهجّري الريف الدمشقي بإدلب.. زفة متواضعة، واستدعاء لتقاليد الماضي


تتسم أعراس مهجري الريف الدمشقي في إدلب بالبساطة وانخفاض التكلفة. وتتماثل الطقوس مع تقاليد الماضي مع فارق الشبه بين المجتمعات الحالية والسابقة، فهي وليدة الثورة والحصار وأخيراً التهجير. الأصدقاء بمثابة الأهل الغائبين في دمشق البعيدة أو في بلدان اللجوء، والحفلات تقام بمن حضر دون دعوات أو بطاقات كما تم التعارف عليه سابقاً. أما العراضة فهي أهم ما يميز هذه الأعراس وما يضيف عليها الحزن أيضاً إذ يغيب في الأعم الغالب مشهد الأم التي ترش الورد الجوري وقطع الملبس أو الشوكولا على صغيرها "الذي شب عن الطوق" وعلى رؤوس أصحابه المحتفلين المتحلقين حوله بحب وفرح غامر.

بدأ الليل يرخي ظلامه على الحاضرين ولم تصمد الأشعة المتواضعة لـ "اللدات" العاملة على مدخرة المنزل أمام حلكة الليل. مع ذلك لم يشعر أي من الحاضرين بالتململ فـ "الجميع اعتاد على هذه الأجواء في فترات الحصار".

يرتب مجموعة من الشبان (أصدقاء العريس) كراسي بيضاء اللون في (أرض الديار) بأحد منازل ريف إدلب المبنية من الحجر، ويجهز عدد آخر إذاعة متواضعة أهم ما يميزها كونها قابلة للعمل على تيار (12 فولط) ويصلونها بمدخرة الدراجة النارية كنوع من التوفير. يدور أحد الشبان بركوة القهوة المرة على الضيوف الذين يتوافدون للمشاركة في حفل زفاف عريسهم الجديد فـ "حتى في زمن ذهب فيه الوطن يمكن صنع أجواء من الفرحة تعيدنا إلى شيء يشبه الأيام الخوالي"، يقول أحد الضيوف وهو يرتشف من فنجان القهوة بتلذذ واضح.


العديد من أوجه الشبه بين الماضي والحاضر تتجلى في أعراس المهجرين الذين توافدوا إلى إدلب منذ منتصف 2016 من مناطق متاخمة للعاصمة فشكلت تجمعاتهم في الوطن البديل مجتمعاً بديلاً أيضاً. الأعراس مشابهة للماضي؛ حمام العريس، الحفل الصاخب، الثوب الرسمي المؤلف من قميص أبيض وجاكيت وبنطال باللون الأسود، القهوة المرة، البوظة صيفاً والمحلاية شتاء. وأهم ما هنالك؛ العراضة الشامية التي تعتبر فرضاً لازماً لا يمكن أن يتم حفل زفاف بدونها.

خرج "أبو الخير" من الحمام الموقود على الحطب بعد معاناة يعرفها جميع العرسان. فـ "لا بد من وجود تجمع كبير للأصدقاء في هذه اللحظات الجميلة يصوبنون للعريس ويليفونه جيداً"، يقول أحد هؤلاء الأصدقاء مشيراً إلى العذاب الذي يصبونه على العريس خلال الاستحمام "البعض يليفه بليفة خشنة، وآخرون يلسعونه بالماء الساخن".

بعد الحمام يأتي دور الذهاب للحلاق الذي يجهز العريس للمرة الأخيرة وهنا يتطوع مرافقوه للحلاقة معه ثم يزفونه نحو مكان الحفلة، ويندمج الشبان الذين يجيدون الرقص في حلقة الدبكة على صوت "أبو رياح" أو "أبو نعيم القابوني". أو التمايل على أنغام الموشحات في حال كان الحفل إنشاداً بواسطة إحدى الفرق المتخصصة بالموالد والأناشيد. بينما يكتفي الأشخاص الآخرون بالتصفيق على وقع ما يسمعونه من أنغام. وقد يحدث أن تعلو أصوات الـ "أووف" والتصفيق عند اشتعال سباق عتابا أو مواويل بين شخصين يتصفان بصوتهما الجميل.


كانت العادة قديماً أن يذهب أهل العريس لإحضار عروسه إلى مكان الزفة التي تعقدها النساء ومع عدم تواجد الأهل يذهب العريس بنفسه لإحضار شريكة حياته. هنا تطبق نفس التقاليد القديمة التي تتمثل بإحضار العروس إلى حفلة النساء ثم دخول العريس لتبديل المحبس من اليمين إلى اليسار ثم الذهب بها نحو عش الزوجية. يدخل العريس بعراضة صاخبة "عريسنا الله يعينو.. والليلة كمل نص دينو" تتداخل معها زغاريد من توفر من قريباته الواقفات على الباب لاستقباله.


ترك تعليق

التعليق