الصين وطريق طويل في التحول إلى مركز إقليمي للغاز الطبيعي


أصبحت الصين، صاحبة أكبر اقتصاد في مجال الطاقة بالعالم، ثالث أكبر سوق عالمية للغاز، مع ازدياد الطلب بمقدار الضعف، نتيجة النمو الاقتصادي المستدام وسياسات الحكومة الداعمة.

على الرغم أن الصين كانت تعد سادس أكبر منتج عالمي، فإنها وبسبب العجز في تلبية الاستهلاك المحلي المتزايد، أصبحت الآن ثاني أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال، وثالث أكبر مستورد للغاز عبر خطوط الأنابيب في العالم.

وانبثقت سياسة الصين بشأن التحول من الفحم إلى الغاز، من أجل الاستهلاك الصناعي والمنزلي، من زيادة الطلب.

ومع ذلك، جاء الاستهلاك الكبير للغاز إلى حد أن معدل الاعتماد على الغاز المستورد بشكل عام زاد بنحو 40 بالمائة على مدار الأعوام الـ 12 الماضية.

وعلى الرغم من حقيقة أن الغاز الطبيعي يشكل 7 بالمائة فقط من إجمالي إمدادات الطاقة في البلاد بدءا من 2017، مع التركيز على تنظيف البيئة الملوثة بشدة في الصين، فقد تم تحديد هدف استهلاك الغاز في المستقبل عند نسبة 10 بالمائة في 2020 و 15% في عام 2030.

ولمواجهة التحديات والأهداف المنصوص عليها في خطة الطاقة الخمسية الثالث عشرة، وضعت بكين أربعة أهداف محددة رئيسية لتعزيز استهلاك الغاز، هي تطوير مركز للغاز، وتحسين البنية التحتية وتحقيق الإصلاحات في منابع الغاز والقطاعات التي تستخدمه، وأخيرا خفض تلوث الهواء.

وكان من بين المخاوف الرئيسة التي أولت بكين الكثير من تركيزها إليها، هي تحرير أسعار الغاز، والتي ما تزال تشكل عقبة رئيسية بالنسبة للحكومة.

وبدأت مبادرة لتحرير أسعار الغاز من خلال مشروعين مركزيين حاليين، وهما "شانغهاي" و"تشونغ تشينغ"، اللذين يعود تاريخهما إلى 2015 مع مهمة تشكيل آلية تسعير في الصين تكون مقبولة كمقياس دولي.

ولجعل آلية التسعير التنافسي فعالة، ابتكر واضعو السياسات آلية تعاقدية موحدة، وضمنوا شفافية في الأسعار، وإتاحة الوصول إلى البنية التحتية من جانب طرف ثالث، وستستغرق العملية بعض الوقت وتتطلب التزاما واضحا وكاملاً.

وعلى الرغم من أن بكين تقول إن إنشاء محور تجاري للغاز في الصين، يعد خطوة منطقية بسبب تزايد الطلب على الغاز، فإن الصناعة المتعلقة بالغاز في الصين ما تزال تهيمن عليها ثلاث شركات نفط مملوكة للدولة، مما يشكل عقبة أمام تحول الصين إلى مركز حقيقي لتجارة الغاز.

ولا يمكن لرغبة الصين في الانتقال من وضع مستقبل للأسعار إلى مُحدد لها، أن تتحقق إلا مع زيادة سيولة الغاز المحسنة، التي لم تصل بعد إلى مستوى يلبي احتياجات السوق.

وما يزال حجم التداول في السوق الفورية، على وجه الخصوص، منخفضا للغاية، في حين ما تزال العقود طويلة الأجل تلعب دوراً رئيساً في سوق الغاز.

ولا تتعلق هذه المسألة فقط بالغاز الذي ينقل عبر خطوط الأنابيب، ولكنها أيضا سائدة في سوق الغاز الطبيعي المسال.

وبمجرد أن تزداد قوة سوق الغاز الفورية في الصين مع سيولة أقوى، سيزداد تأثير البلاد بشكل عام على سوق الغاز العالمية، مع حمايتها من الارتفاع المفرط في الأسعار.

وتوقعت الوكالة الدولية للطاقة تجاوز استهلاك الصين من الغاز، اليابان، في 2018 ، لتصبح أكبر مستورد للغاز.

وتتوقع الوكالة كذلك، بأن موارد استيراد الصين للغاز ستشمل أحجاما أكبر من الغاز الطبيعي المسال مقارنةً بغاز خطوط الأنابيب.

كما توقعت شركة أخرى مؤثرة، هي "وود ماكينزي" لاستشارات وأبحاث الطاقة ومقرها المملكة المتحدة، أن واردات الصين من الغاز الطبيعي المسال بحلول 2028 قد تصل إلى مستويات مرتفعة قياسية.

ويدل ذلك بحسب"وود ماكينزي"، على أن أهمية الصين في سوق الغاز، من المتوقع أن تزيد بشكل أكبر في السنوات القادمة.

وتزايدت المنافسة بين الدول الراغبة في أن تصبح مركزا رئيسا لتجارة الغاز في آسيا، بين الصين واليابان وسنغافورة في السنوات الأخيرة.

وبينما يواجه كل بلد مرشح لأن يصبح مركز الغاز الإقليمي عقبات مختلفة، فإن جهود الصين المستمرة للسيطرة على أسعار الغاز، كانت العامل الوحيد الأكثر أهمية في تحفيزها لتحقيق هدفها الطموح.

وفي حين من المتوقع أن ينمو الطلب الكلي على الغاز في الصين بالمستقبل، فإن نهم اليابان للغاز الطبيعي آخذ في الانخفاض، ومن المتوقع أن يتقلص أكثر في السنوات القادمة.

ومع ذلك، تعد سنغافورة في وضع جيد جغرافياً لتوفير طاقة احتياطية للدول الآسيوية المحيطة.

ويمكن لسنغافورة، بآلية أسعارها السوقية الثابتة، إلى جانب موقعها الجيد، أن تشهد المنافسة من خلال التحكم في الطلب الإجمالي لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).

ومع ذلك، على الرغم من أن سنغافورة يمكن أن تصبح مركزا للغاز، إلا أن "تشونغ تشينغ" الصينية يمكنها أيضا التنافس بسبب موقعها الجغرافي الجيد بالقرب من محطات الاستيراد الرئيسية مع شبكة خطوط أنابيبها الجيدة.

وإذا نفذت الصين إصلاحات مناسبة لتسعير الغاز بشكل يأخذ في الاعتبار شفافية السوق، يمكن أن تتفوق بكين على الدول المرشحة لتكون الأوفر حظا، لتصبح مركز تجارة الغاز الإقليمي.

ويجادل العديد من الاستراتيجيين في مجال الطاقة، بأن طلب الصين على المدى الطويل على الغاز الطبيعي قد لا ينمو بقدر ما كان متوقعا، بسبب زيادة الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة، والتي قد تتجاوز تلك الخاصة بالغاز الطبيعي.

ومن الواضح أن الصين شرعت في نشر كميات هائلة من مصادر الطاقة المتجددة في شكل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية.

وفي الوقت الحالي، بدأ الاستخدام الموسع للطاقة المتجددة في استبدال الفحم وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى، ولن يمر وقت طويل قبل أن تنشأ منافسة شرسة بين الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة، عندما تتضاءل تكلفة الطاقة المتجددة.

لكن بالنظر إلى إمكانات الصين الهائلة في مجال الطاقة وزيادة الطلب على الكهرباء، فإن الدور الرئيس الذي يمكن أن يلعبه الغاز قد لا يتبدد كما يتصور بعض خبراء الطاقة.

ويؤكد صانعو السياسة في الصين على أنه ما لم تمض البلاد قدما بقوة في تحقيق مركز إقليمي لتجارة الغاز على المدى البعيد، فإنها قد تفقد ميزتها التنافسية.

وقد ينشأ ذلك ما لم يتم اتخاذ الخطوات اللازمة لإنشاء آلية تسعير شفافة وتنافسية.

ترك تعليق

التعليق