ما هي الأسباب التي تمنع فلسطيني سوريا في ألمانيا من "لمّ شمل" أُسرهم؟


"بلا وطن"، هو التعبير الأنسب للواقع الصعب الذي يقاسيه اللاجئ الفلسطيني في "ألمانيا" وغيرها من الدول الأوروبية، إذ يواجه هؤلاء اللاجئون مشاكل عديدة تتعلق بالتنقل واستخراج الأوراق، إلا أن أهمها إجراء معاملة "لمّ الشمل".

وكانت "مجموعة العمل من أجل فلسطيني سورية"-وهي مجموعة تعمل على صعد مختلفة فيما يتعلق بفلسطينيي سورية من ناحية توثيق ورصد الأحداث الميدانية اليومية لأوضاعهم، وتوجيه النداءات الإنسانية من أجلهم-ذكرت على موقعها الرسمي على الانترنت حجم المعاناة التي يمرون بها وقالت: "يعاني مئات اللاجئين الفلسطينيين في ألمانيا من تأخر (لم شمل) عائلاتهم المتواجدة في سورية ولبنان وتركيا ومصر، حيث تصل المدة في بعض الأحيان إلى أكثر من 3 سنوات، الأمر الذي يضاعف من الضغوط النفسية والمادية عليهم وعلى أُسرهم".

كما ذكرت المجموعة أيضاً أن "دائرة الهجرة الألمانية عزت سبب التأخير إلى ما وصفته بالضغط الهائل عليها وعلى موظفيها، الأمر الذي يؤدي إلى تأخر إجراءات لم الشمل لجميع اللاجئين بما فيهم فلسطينيي سورية".

لمّ الشمل عن طريق "الهند"

" يوسف أبو يعقوب" أحد اللاجئين الفلسطينيين السوريين والمتواجد في ألمانيا، تحدث لموقع "اقتصاد" عن تجربته في "لمّ شمل" أسرته وقال: "اضطررت إلى إجراء معاملة لم الشمل عن طريق الهند، خاصة وأن العديد من الدول ترفض منح الفيزا للفلسطيني، كما أنه ممنوع من السفر إلى لبنان كونه يحتاج لتصريح، في حين أن الأردن وتركيا لا تعترف بجواز سفر اللاجئ الفلسطيني، لذلك لم يكن أمامي سوى طريق الهند".

وتابع "أبو يعقوب" قصته قائلًا: "استمرت إجراءات لمّ الشمل ما يقارب 6 أشهر، وسافرت زوجتي مع مجموعة من السوريين والفلسطينيين إلى مدينة "بنجلور" وهي ثالث أكبر مدينة هندية، وهناك تمت الاجراءات حيث يوجد قنصلية ألمانية، كونه لم يكن أمامنا أسرع من هذه الطريقة كون باقي الدول لا تستقبل اللاجئ الفلسطيني".

وأشار إلى أن هذا الطريق تم إغلاقه اليوم بوجه اللاجئ الفلسطيني، كما فعلت باقي الدول ومنها "اندونيسيا، وتايلاند، وماليزيا"، من دون معرفة الأسباب وقال: "لي صديق حاول أن يلمّ شمل أسرته عن طريق اندونيسيا، لكن طلبه قوبل بالرفض لأنه فلسطيني".

وحول موضوع منح الاقامات في ألمانيا للاجئ الفلسطيني السوري وكيفية التعامل مع وضعه أوضح "أبو يعقوب"، أنه في ألمانيا يكتب على الإقامة كلمة "بلا موطن" إلا أننا نعامل معاملة البلد الذي أتينا منه، أي تقريباً كما يعامل اللاجئ السوري.

تأخيرٌ متعمد

مسؤول قسم الدراسات والتقارير الخاصة في مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية "إبراهيم العلي" شرح لموقع "اقتصاد" عدداً من الأمور المتعلقة بوضع اللاجئ الفلسطيني في أوروبا وقال: "إنه فيما يتعلق بتأخر لمّ الشمل فأظن أنه متعمد في بعض المناطق خصوصاً التي تسيطر عليها الأحزاب اليمينة، التي لها مواقف رافضة لاستقبال اللاجئين وذلك لدفعهم إلى العودة إلى سوريا".

وأضاف، أنه من ناحية دوائر الهجرة داخل ألمانيا، فإن تقسيم الإقامات الممنوحة للاجئين بعد طول انتظار إلى إقامات مؤقتة لمدة عام، لا تمكن اللاجئ من لمّ شمل عائلته، وبالتالي يدخل في دوامة المحاكم لاستئناف الحكم وطلب استبدال إقامته المؤقتة بأخرى دائمة تكون مدتها ثلاث سنوات قابلة للتجديد، يستطيع وفقها لم شمل عائلته.

وتابع قائلًا: "أما على صعيد السفارات، فهناك عائلات مضى على مراجعتها للسفارة الألمانية في لبنان على سبيل المثال عام كامل، وحتى اللحظة لم يتم منحهم التأشيرات الخاصة للسفر ولم الشمل، ناهيك عن أن الدخول إلى الدول المجاورة لسوريا والتي فيها سفارات صعب للغاية ومُكلف".

انعكاسات خطيرة بسبب تأخر لمّ الشمل

وتحدث "العلي" عن الانعكاسات الخطيرة لتأخر لم شمل الأُسر وقال: "هناك انعكاسات خطيرة ظهرت على مستوى العائلات نتيجة التأخر في لم الشمل، كالانفصال وتشرد الأبناء نتيجة الغياب الطويل للوالد أو الوالدة، أو ضياع الأولاد القصّر في البيئة الأوروبية المنفتحة، الذين ذهبوا لأوروبا للم شمل ذويهم ووجدوا أنفسهم هناك أمام مغريات الحياة بلا رقيب أو حسيب".

أمّا على البعد الاقتصادي، وبحسب "العلي"، فهناك إرهاق مادي للعائلة فالأب مطلوب منه الانفاق على نفسه في ألمانيا وعلى عائلته في سوريا أو لبنان أو تركيا أو غيرها، وهذا متعذر في ظل راتب اللجوء الذي يتقاضاه والذي عادة يكون محسوباً بطريقة تكفي اللاجئ بالحد الأدنى، مما دفع البعض للعودة رغم خطورة الأوضاع الامنية وتدهور الحالة الاقتصادية في سوريا، مؤكداً في الوقت ذاته أن قصة لمّ الشمل واجتماع الأسرة الواحدة من جديد، مطلب مهم لتحصيل حالة من الاستقرار النفسي والاجتماعي.

ولفت "العلي" الانتباه إلى أنه لا إحصائيات دقيقة لأعداد  اللاجئين الفلسطينيين في ألمانيا وقال في هذا الصدد: "كما تعلم أن اللاجئين الفلسطينيين يسجلون ضمن خانة (بلا وطن)، كما أن هناك من سجّل  نفسه على أنه يحمل الجنسية السورية، لذلك هم إما سوريون أو بلا وطن".

وعن الصعوبات الأخرى التي تعترض اللاجئ الفلسطيني السوري في ألمانيا بيّن "العلي" أن هناك قضية التفاوت بالأجور للعمال الذين يعملون بشكل غير نظامي، كشكل من أشكال الابتزاز الذي يمارسه أرباب العمل تجاه العمال الممنوع أصلاً عليهم العمل قبل اجتياز مراحل من التأهيل والتدريب، كما أن هناك بعض التحديات المتعلقة باللغة الجديدة والقدرة على التعلم والاندماج في هذه المجتمعات.

لكن في المقابل، يضيف "العلي"، أنه بالنسبة للاجئين في دول الاتحاد الأوروبي ممن حصلوا على إقامات ولمّ شمل، فإن معظمهم بدأ في شق طريقه في الحياة هناك، وتم رصد العديد من حالات النجاح على المستوى الأكاديمي والمهني والرياضي والفني.

إجراءات أوروبية غير قانونية بحق اللاجئ الفلسطيني

وعن رأيه في تلك المعاناة التي يمر بها فلسطينيو سوريا أو لبنان في دول اللجوء قال المستشار الحقوقي "محمد كاظم هنداوي" مسؤول الهجرة واللجوء في أوروبا في "المنظمة العربية لحقوق الإنسان": "إن الفلسطيني بشكل عام يُرفض منحه حق الإقامة أو حق اللجوء لعدة أسباب، ولا نعلم أساساً على ماذا يستند القضاء الألماني أو الأوروبي في حرمانهم من ذلك".

وأضاف في حديثه لـ "اقتصاد"، أن ما يزيد من معاناة الفلسطيني هو القانون المتبع في تلك الدول، فالفلسطيني السوري يعامل على أن موطنه سوريا والفلسطيني اللبناني كذلك، في حين لا يتم الاعتراف بالجنسية الفلسطينية كجنسية حرّة مستقلة، لذلك في أوروبا يعامل الفلسطيني تبعاً للبلد الذي جاء منه.

وأكد "هنداوي" أن هذا الأمر غير قانوني كون بعض الدول تتصرف مع الفلسطينيين على أنهم أساساً ليسوا فلسطينيين، وبنفس الوقت تزيد معاناتهم لأنهم فلسطينيين، لذلك مسألة الكيل بمكيالين أصبحت عادة لدى دول الاتحاد الأوروبي.

وبيّن "هنداوي" أنهم كمنظمة حقوق إنسان كان لهم عدة مواقف من هذا الموضوع، وكان بينهم وبين الأوروبيين عدة مراسلات لاستيضاح تلك الحالات ولكن الأوروبيين طلبوا النأي بأنفسهم عن المشاكل المتأزمة، بحسب "هنداوي".

ويرى المستشار الحقوقي أن أوروبا باتت حلماً بائساً بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، خاصة في ظل عدم تمكن الكثيرين منهم من لمّ شمل أُسرهم، الأمر الذي يمنعهم من تطوير أنفسهم وإمكاناتهم وقدراتهم.

ترك تعليق

التعليق