زراعة التبغ تعود إلى المشهد الاقتصادي في درعا


عادت زراعة التبغ إلى الظهور في مناطق درعا من جديد؛ وذلك بعد غياب عن المشهد الاقتصادي دام أكثر من ست سنوات.

وأشار المهندس الزراعي فتحي المحمد، وهو مهندس مفصول من عمله، إلى أن زراعة التبغ في محافظة درعا، كانت مزدهرة في فترة ما قبل الثورة، وكانت تشكل واحدة من أهم الزراعات الاقتصادية، التي تمارسها عشرات الأسر في ريف درعا؛ نظراً لمردودها الاقتصادي الجيد.

وأضاف المحمد أن هذه الزراعة، شهدت تراجعاً كبيراً خلال الثورة؛ بسبب عدم قدرة المزارعين على الوصول إلى أراضيهم من جهة، ولعدم توفر مستلزمات الإنتاج والأيدي العاملة من جهة أخرى، وارتباط تسويقها بمؤسسات النظام حصرياً من جهة ثالثة.

وأشار إلى أن الأعمال العسكرية، التي شهدتها مناطق المحافظة خلال الأعوام السبعة الماضية، وما رافقها من ملاحقات أمنية، طالت جميع فئات المجتمع، حالت دون الاهتمام بهذا النوع من الزراعة، شأنها شأن بقية المحاصيل الأخرى، التي شهدت هي الأخرى تراجعاً كبيراً سواء أكان على مستوى المساحات، أم على مستوى الإنتاج.

ولفت إلى أنه بعد تراجع حدة المعارك في معظم مناطق المحافظة، بدأت هذه الزراعات تعود بشكل تدريجي، إلى واجهة المشهد الاقتصادي ولو بمساحات محدودة.

وعبر عن اعتقاده، بأن الإقبال على زراعة التبغ، سيكون خلال الأعوام القليلة القادمة أكبر، فيما لو استمرت حالة الهدوء التي تعيشها المناطق، سيما وأن الأعمال الزراعية، مازالت تشكل مصادر الدخل الوحيدة لمعظم الأسر، التي فضلت البقاء في قراها، رغم الظروف الأمنية والاقتصادية السيئة في البلاد.

مصدر من مؤسسات النظام، أشار إلى أن المساحات المزروعة بالتبغ هذا العام بلغت نحو 390 دونماً، من أصل الخطة الزراعية المخصصة للتبغ خلال العام 2018 والبالغة 2000 دونم.

ولفت المصدر إلى أن الإنتاج المتوقع من الأراضي المزروعة يقدر بنحو 60 طناً، موضحاً أن تسويق محصول التبغ؛ يتم حصرياً عن طريق مؤسسات النظام، التي تستقبل المحصول وفق معايير محددة.

وأضاف أن الإنتاج يتركز في المناطق التي بقيت تحت سلطة النظام، لافتاً إلى أن الأسعار تخضع لجودة الإنتاج، وفق مقاييس وضعها عدد من الخبراء.

وأشار إلى أن الأنواع تصنف حسب جودتها، إلى درجات ممتازة وجيدة ومقبولة، وأن سعر الكغ من التبغ الناشف، يتراوح ما بين 1200 إلى 1800 ل س للكغ الواحد.

من جهته أكد "أبو ضاحي"، 59 عاماً، وهو مزارع قديم، أن زراعة التبغ كانت من أهم الزراعات التي يعتمد عليها في الحصول على الدخل، لافتاً إلى أن هذه الزراعة رغم أتعابها وطول فترة إنتاجها، تعد من الزراعات مضمونة النتائج والأرباح فيما لو لاقت الاهتمام الكافي.

وبيّن أن خبرته في هذا المجال، والتي تمتد لسنوات طويلة؛ أكسبته مهارات كبيرة في التعامل مع هذا النوع من الزراعة، سيما وأن مقوماتها الأساسية من أراض زراعية مناسبة وظروف مناخية، وأيد عاملة ومصدر مائي ثابت، متوفرة.

وأضاف أنه يتوفر لديه قطعة أرض مساحتها 25 دونماً، فيها بئر ماء يعد من أغزر آبار الريف الغربي، موضحاً أن توفر الماء هو أحد العوامل المشجعة على الاهتمام بهذا النوع من الزراعة؛ رغم أتعابها الكبيرة ومرور الإنتاج بمراحل طويلة نسبياً تستمر نحو عشرة أشهر، تبدأ من مرحلة "التشتيل" وتنتهي في مرحلة النشر والتنشيف، وصولاً إلى التسويق.

وأشار إلى أن هذه الزراعة، التي عزف عنها الكثير من المزارعين، بسبب صعوبتها، كانت تؤمن مئات فرص العمل الموسمية للعائلات، كونها تستمر فترة طويلة تبدأ من عمليات القطاف و"الشك" وصولاً إلى تحميل الإنتاج بعد تنشيفه، حيث كانت تحصل خلالها الأسر على مبالغ مالية كبيرة كأجور.

وأضاف أن من أهم الصعوبات، التي تواجه زراعة التبغ في محافظة درعا في الوقت الحالي، عدم توفر المياه الكافية واللازمة؛ بسبب تراجع كميات الوارد المطري خلال السنوات الماضية، والخراب الكبير الذي حل بشبكات الري؛ نتيجة الأعمال العسكرية.

إضافة إلى تعرض شبكات الري للتخريب المتعمد من قبل بعض أصحاب النفوس الضعيفة، هذا فضلاً عن تكاليفها العالية نتيجة ارتفاع أجور الأيدي العاملة، وأسعار مستلزمات الإنتاج ومواد المكافحة، وغياب الدعم الحكومي والإرشادي نتيجة الظروف الأمنية.

فيما أكد المزارع إبراهيم العلي، أنه توقف عن الاهتمام بهذه الزراعة، وتحول إلى الاهتمام بزراعة الخضار والمحاصيل الحقلية؛ وذلك رغم امتلاكه لمعظم مقومات زراعة التبغ، التي مارسها قبل الثورة لسنوات طويلة.

ولفت إلى أن سيطرة بعض الفصائل الجهادية، على بعض المناطق، ومحاربتها لمثل هذا النوع من الزراعات انطلاقاً من تحريمها شرعاً، وصعوبة تسويق الإنتاج إلى مناطق سيطرة النظام، كانت من أهم الأسباب التي دفعت المزارعين إلى تركها رغم أرباحها الكبيرة.

يشار إلى أن زراعة التبغ، كانت قد توقفت في محافظة درعا منذ العام 2012، رغم لحظ مفرداتها في الخطط الزراعية السنوية، التي تضعها مديرية زراعة النظام في المحافظة، إلا أنها بدأت تظهر من جديد بالتزامن مع عودة الهدوء النسبي الذي بدأت تشهده بعض مناطق الجنوب السوري قبل نحو عام.

وكانت زراعة التبغ قد دخلت في الخطط الزراعية بدرعا، منذ ثمانينيات القرن الماضي، كواحدة من الزراعات الاقتصادية المهمة المدرة للدخل. وبلغت أوجها في تسعينيات القرن الماضي، وتجاوزت المساحات المزروعة بالتبغ آنذاك نحو ألفي هكتار، لتبدأ بالتراجع من جديد مع توالي السنوات، نتيجة معاناة المزارعين من صعوبات تسويقية؛ بسبب تحكم النظام بهم وحصر تسويق الإنتاج بمؤسساته.


ترك تعليق

التعليق