مُنافس البقر في خطر بسهل الغاب


يبدو حيوان الجاموس للوهلة الأولى أنه مفترس ذو قرنين كبيرين وشعر كثيف، إلا أنه حيوان ينتمي لفصيلة البقر وهو هادئ وأليف يستأنس به، لقد ألف منذ ٨٠٠ عام سهل الغاب بريف حماة، وألفه الأهالي واعتادوا عليه حتى أصبحت تربيته مهنة يتم توارثها أباً عن جد.

توفرت في منطقة سهل الغاب الظروف المناسبة من كثرة المراعي ومياه نهر العاصي لعيش الجاموس الذي يفضل الغطس بالماء والتغذي على الأعشاب التي تنمو على أطراف النهر وتعرف بـ "الزل".

كما أنه يتحمل الجوع أكثر من البقر ولا يأنف من الأكل الذي تأنفه، وينتج من الحليب أكثر مما تنتجه الأبقار ويعتبر حليبه غنياً بالدهون ولحمه صحي يمكن تناوله أثناء الحمية لقلة دهنه.


تراجع تربية الجاموس

شهدت السنوات الأخيرة تراجعاً كبيراً في تربية الجواميس، وكانت رحى الحرب التي دارت بمنطقة الغاب من أبرز أسباب هذا التراجع حيث تقلص عدد المراعي وأجبر الكثير من الأهالي على ترك أراضيهم خوفاً من القصف.

بعد أن بلغ عدد قطعان الجاموس ١٠٠٠ رأس في السنوات الماضية باتت اليوم لا تتجاوز ٧٠ رأساً بحسب المهندس الزراعي "محمد عنيزان" من سهل الغاب.

يقول "عنيزان" إن من الأسباب التي ساهمت في تراجع تربية الجواميس قلة المراعي، وعدم توفر اللقاحات ما أدى لإصابة العشرات من الرؤوس بأمراض لا يمكن علاجها بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأعلاف التي يحتاجها الجاموس في فصل الشتاء، وغلاء الأدوية القليلة المتوفرة.

واضطر الكثيرون لترك قطعانهم وبيعها لكي تذبح بسبب عدم استقرارهم ونزوحهم لمناطق يصعب فيها تربية الجاموس.

يرى "عنيزان" بأن الجهود الحقيقية لإنقاذ قطعان الجاموس تتجلى بتأمين الأعلاف المركزة والأدوية اللازمة من قبل المنظمات العاملة في الشمال المحرر "وإلى الآن لا يوجد أي مساهمة بخصوص هذا الموضوع"، يوضح محدثنا.

مربي جاموس

لا يزال "أحمد الجحم" من قرية الشريعة بسهل الغاب، يحافظ على مهنة تربية الجاموس التي ورثها عن أجداده منذ مئات السنين. "أبي كان مربي جاموس وجدي ووالده وهلم جر"، قال "الجحم".

تربية الجاموس هي أبسط بكثير من تربية البقر كما أن التعامل معه سهل جداً "يمكنني أن أطلق على الجاموسة اسم فتحفظه وتأتي الي بمجرد أن أناديها"، يوضح "أحمد الجحم" ويتابع بشيء من الحسرة "تقلص عدد قطيعي ولم أستطع المحافظة على إرث والدي".

امتلك "الجحم" قبل سنوات قرابة ٢٠ رأس جاموس لا يوجد منها اليوم إلا ٤ رؤوس وقد اضطر لبيعها بسبب قلة المراعي وعدم قدرته على تأمين علفها. يقول محدثنا "لم أكن راضياً يوماً عن بيعها لكنها كادت تموت أمام عيني".

ويخشى مربو الجاموس في سهل الغاب أن تصبح تربيته مجرد ذكرى عاشت معهم لفترة وارتحلت متأملين أن يتم دعم هذا القطاع والمحافظة على سلالة الجاموس الممتدة لآلاف السنين. لكن الظروف الراهنة تدفع نحو انقراض هذه المهنة بالفعل.

ترك تعليق

التعليق