قاطنو مخيم "زوغرة".. يُبكيهم البرد


"إن كان للكلام والقهر صوت فتعالوا اسمعوه في مخيم زوغرة".. بهذه الكلمات لخص "محمد الحمصي" المهجر من حي الوعر في مدينة حمص باتجاه مخيم "زوغرة" في ريف جرابلس شرقيّ حلب، واقع الحالة الإنسانية التي يمرون بها.

وأضاف قائلًا: "هذه ليس مقدمات ولكن حقيقة الألم والحزن والقهر والظلم بات ٲمراً واقعاً، فالكل يعلم ونحن في عصر التكنولوجيا وما تحمله بطياتها من وسائل تواصل جعلت كما يقال العالم قرية والجميع يعلم ما يحدث داخلها، لا أريد أن أطيل عليكم فالوقت محدود ولربما حديث الألم لا ينتهي ببضع دقائق، هنا كما حال المخيمات الأخرى السماء غطاؤنا والأرض فراشنا ونحن نتألم يومياً بالمشاهد القاسية التي نراها".


البرد يبكي قاطني المخيم

ويؤوي مخيم "زوغرة" ما يقارب من 1700 عائلة غالبيتها مهجرة قسراً من حي الوعر الحمصي، عقب اتفاق تم ما بين فصائل المعارضة والطرف الروسي منذ نحو 9 أشهر، استعاد بموجبه نظام الأسد السيطرة على هذا الحي، يعانون من ظروف معيشية متردية خاصة في فصل البرد.

ويشتكي قاطنو المخيم من قلة الدعم الإغاثي والمساعدات التي لا تلبي الاحتياجات المتزايدة في ظل قلة الدخل وغلاء الأسعار وانتشار البطالة وقلة فرص العمل، ومما زاد الطين بلة حاجتهم الماسة لمواد التدفئة والملابس الشتوية والعوازل المطرية.


وتابع "الحمصي" قائلًا لموقع "اقتصاد": "على الجميع أن يعلم أن البرد يبكينا في بعض الأحيان لأننا نعلم جيداً أن أناساً ضعفاء لاحول لهم ولا قوة يعيشون ظروفاً لا إنسانية ولا أحد يلقي بالاً، حتى أنهم لا يملكون ثمن الطعام فكيف تريدني أن أحدثك عن التدفئة؟".

وأضاف: "اذهب إلى بائع المواد الغذائية وشاهد واسأله بنفسك، فإنهم يشترون السكر بمبلغ 50 ليرة والشاي كذلك، واذهب الى بائع "الكاز" وستعلم قدر المعاناة فالفقير لا يشتري الكاز وإنما هناك "بطانيات" يضعها على جسده المتعب وإذا أراد الطبخ يجمع بعض الأكياس والأوراق لحرقها وصنع الطعام".

وقال "الحمصي" أيضاً: "صحيح هنالك من يشتري "الكاز والمازوت" وعنده قدرة على شراء أي شيء ولكنهم قليلون جداً، حيث يشترون لتر الكاز بسعر300 ليرة والمازوت بسعر 250 ليرة سورية للتر الواحد".


وأشار في سياق حديثه عن حجم المعاناة التي يمرون بها إلى الأوضاع الصحية والصعوبات التي تواجههم وقال: "إذا تعرض أحد من قاطني المخيم لوعكة صحية فلن يستطيع أحد إخراجه لصعوبة العبور". وقال: "والله لا أبالغ نحتاج كل شيء نحتاج قبل كل شيء الرعاية الكاملة والتحنن على الأطفال والنساء فأقل ما نحتاجه هو العطف، إننا نحتاج لمن يشعر بحالنا وآلامنا نحتاج لدعم الفقراء وخصوصاً بعد انقطاع الخبز".

وتابع بأن انقطاع مادة الخبز المدعوم يشكل كارثة بالنسبة لهم في ظل ارتفاع أسعار تلك المادة التي لا طاقة لقاطني المخيم على شرائها كونها تباع بسعر 200 ليرة سورية، ومن يملك عملاً يحتج على هذه الأسعار فما بالك من لا يملك قوت يومه؟

وأشار إلى أن ما يقارب من 150 ألف نسمة يقطنون في المخيم، يحتاجون لكل شيء، من الدعم المادي إلى الدعم بمادة المازوت وصولاً لدعم الأطفال في المدارس بالملابس الشتوية.


"بابور الكاز" وسيلة التدفئة البديلة

ودفعت ظروف البرد وغياب مشاريع التدفئة المقدمة من قبل المنظمات الإغاثية، دفعت بقاطني المخيم للاعتماد على البدائل في تأمين الدفء، فمنهم من لجأ لحرق أكياس النايلون والأحذية البلاستيكية والملابس البالية لحرقها والتدفئة عليها، وآخرون لجأوا إلى "بابور الكاز" ليكون البديل لهم عن مدفأة المازوت.

وفي هذا الصدد قال "أبو عماد" أحد قاطني المخيم: "إن من أهم الأسباب التي دفعت بالأهالي في المخيم للاعتماد على "بابور الكاز" هو عدم قدرتهم على شراء "المدفأة" التي يتراوح سعرها ما بين 10 آلاف إلى 15000 ليرة سورية".

وبيّن "أبو عماد" لموقع "اقتصاد"، أن سعر لتر الكاز يصل لحدود 300 ليرة وكل ساعتين يحتاج "البابور" إلى لتر كاز، لافتاً إلى أن "البابور" إضافة للاستفادة منه في التدفئة فإنه يستعمل أيضاً للطبخ والاستحمام بعد تسخين الماء عليه، مضيفاً أن كل عائلة في المخيم تحتاج يومياً لأكثر من ألف ليرة سورية ثمن مادة "الكاز" فقط.

وعن مدى الاستفادة المرجوة من هذا "البابور" أوضح "أبو عماد" أنه لا يوفر الدفء إلا لمن يجلس بجانبه، في حين أن كثيرين ممن يعانون من الأمراض الصدرية وخاصة "الربو" لا يستطيعون الجلوس عنده، يضاف إلى ذلك تسجيل عدد من حوادث احتراق الخيام بسبب الاعتماد على هذه الوسيلة للتدفئة.


خيام بالية وطوفان لمجارير الصرف الصحي

ولا تقتصر معاناة قاطني مخيم "زوغرة" على صعوبة تأمين مواد التدفئة ومستلزمات فصل الشتاء الأخرى، بل تمتد لصعوبات أخرى من أبرزها سوء وضع الخيام وعدم صلاحيتها للسكن في الشتاء.

وقال "أبو عماد": "إن الخيام مهترئة ومنذ نحو سنة لم يتم تبديلها، وبسبب الأجواء المناخية في الصيف والشتاء فإنها لم تعد صالحة للسكن، إضافة لحاجتنا الماسة لعوازل مطرية تمنع تسرب مياه الأمطار".

ويواجه قاطنو المخيم أيضاً، مشكلة لا تقل أهمية عن انعدام مواد التدفئة وشح المساعدات واهتراء الخيام، وهي مشكلة طوفان "مجارير الصرف الصحي" بفعل الأمطار الشديدة على المنطقة التي يقع فيها المخيم.

وفي هذا السياق قال "أبو عماد": "من أهم المشاكل التي نواجهها اليوم في المخيم طوفان مجارير الصرف الصحي بسبب الأمطار وسط مخاوفنا من اختلاطها بمياه الشرب أو تسرب مياه تلك المجارير لخيامنا".


لا وعود بتأمين مواد التدفئة

وتعد منظمة "آفاد" التركية إضافة للمجلس المحلي لمدينة جرابلس، الجهات الوحيدة المسؤولة عن دعم المخيم بالمعونات الغذائية والطبية وغيرها من الاحتياجات الأخرى.

وفيما يتعلق بحجم المعاناة والشكاوى الصادرة من قاطني المخيم بسبب تردي الأوضاع المعيشية ونقص مواد التدفئة خاصة مع حلول الشتاء، إضافة للحاجة الماسة للعوازل المطرية قال "عبد خليل" رئيس المجلس المحلي لمدينة جرابلس وريفها: "إن الأمطار كثيرة هذا العام والحمد لله، وهذا انعكس سلباً على اخوتنا في مخيم زوغرة".

وأضاف في حديثه لموقع "اقتصاد": "تواصلنا مع عدة منظمات من أجل حل هذا الموضوع وتم الاتفاق مع منظمة "البنيان المرصوص" على عدة مشاريع من ضمنها فرش الطرقات الرئيسية في المخيم من أجل تجاوز هذه المشاكل".

وتابع: "فيما يخص العوازل المطرية فتمت مخاطبة منظمة "آفاد" وسيتم العمل على تأمينها، أمّا فيما يخص التدفئة فلم يعدنا أحد بتأمينها".

ترك تعليق

التعليق