طريف الأخرس.. عم أسماء الأسد، ورجل الأعمال البخيل


يروي أحد العاملين السابقين لدى رجل الأعمال المعروف طريف الأخرس، أن الموظفين سمعوه مرة يصرخ بأعلى صوته في إحدى شركاته في مدينة حمص، ثم عندما تجمعوا على صراخه، اتضح أنه كان يحتج على إشعال أحد الأنوار في الممر في وضح النهار، بينما كان يوجه الكلام لهم بحدة: هل هذا مال حرام لكي تستهتروا به إلى هذا الحد..؟!

ويتابع هذا الموظف، أنه في ذلك الوقت، كان طريف الأخرس يملك أكثر من 300 شاحنة كبيرة تعمل على نقل البضائع إلى العراق، وفقاً لبرنامج النفط مقابل الغذاء، وتبلغ أرباحه، بحسب اعتراف ابنه لهم في أحد المرات، أكثر من 100 ألف دولار يومياً..!

وبعيداً عما يرويه هذا العامل، فهناك الكثير ممن عملوا مع طريف الأخرس، ولا يحملون في ذاكرتهم سوى الأحاديث عن بخله، التي يروونها على شكل نوادر، نظراً لغرابتها، وكونها تصدر عن رجل يملك مئات ملايين الدولارات، ولا يجد غضاضة من أن يصنع "خناقة" طويلة عريضة من أجل بضع ليرات سورية.. فمن هو طريف الأخرس هذا..؟ وما هو سر بخله..؟ والأهم: ما علاقته بنظام الأسد؟ وكيف عمل على دعمه ضد أبناء مدينته حمص..؟ ليس بعد الثورة فحسب، وإنما ما قبلها بسنوات..!

سيرة ذاتية

بحسب ما ورد في موقع "الاقتصادي" عن طريف الأخرس، أنه من مواليد حمص العام 1951، وهو يملك مجموعة باسمه تأسست في العام 1973، وكانت عبارة عن مجموعة هندسية صغيرة، ثم أصبحت اليوم من كبريات المجموعات الصناعية والتجارية في سوريا، والتي يعمل بها أكثر من 1500 موظف، وتشغل مليارات الليرات السورية كرؤوس أموال لمشاريعها التي تنوعت قطاعاتها، لكن يأتي في مقدمتها: مصانع الشرق الأوسط للسكر، مصنع سولينا للزيوت ومصنع الشرق الأوسط للأعلاف، شركة ترانز بيتون لمستلزمات البناء، وأخيراً مصنع سامبا للآيس كريم.

ولا يذكر الموقع شيئاً عن أنشطة طريف الأخرس التجارية وكيف تكونت لديه هذه الثروة الطائلة، لكنه يشير كمحصلة إلى أنه يعتبر اليوم ضمن قائمة أبرز 100 رجل أعمال في سوريا، كما أنه يعتبر ثاني أكبر مصدر على مستوى البلد بعد هاني عزوز، وهي بيانات تعود إلى ما قبل العام 2011.

وفي تفاصيل المشاريع والاستثمارات الكبيرة التي يملكها طريف الأخرس، والتي يتموضع أغلبها في المدينة الصناعية في حسياء، يمكن أن نلاحظ أن جميعها جرى تأسيسها بعد العام 2005، وهي تقدر بمئات ملايين الدولارات، إذ أن معمل تكرير السكر لوحده يبلغ رأسماله 5 مليارات ليرة، أي نحو 100 مليون دولار وفقاً لأسعار ما قبل العام 2011، بالإضافة إلى معمل تكرير الزيوت الذي يبلغ رأسماله 2 مليار ليرة، أي 40 مليون دولار، وكذلك مصانع إنتاج الخرسانة الجاهزة ومطاحن الدقيق وشركة تصنيع نشاء الذرة وشركة تصنيع وتعليب اللحوم، وهذه المعامل في مجموعها يبلغ رأسمالها أكثر من مليار ليرة، أي نحو 20 مليون دولار.

ولا يتوقف نشاط طريف الأخرس عند هذا الحد، فهو أيضاً يملك شركات لاستيراد المواد الغذائية بكافة أنواعها، وعلى رأسها السكر والطحين والرز وحديد البناء المبروم والأعلاف الحيوانية واللحوم والأسماك والدقيق، عبر شركتين تحملان اسم "عبر الشرق" الأولى للنقل البري والثانية للنقل البحري، وتحتكران لوحدهما تجارة أكثر من 30 بالمئة من المواد الغذائية المستوردة إلى سوريا.

وفي مجال العقارات، يملك طريف الأخرس شركة "عاليا" للتطوير العقاري التي تنفذ ضواحي سكنية في مدينة حمص، وهو أيضاً من مؤسسي شركة سوريا القابضة، الشقيقة لشركة الشام القابضة بقيادة رامي مخلوف، والتي أراد النظام من خلالها أن يُظهر وجود  تنوع وتنافس، وليس احتكاراً لصالح مخلوف..
 
ومن أبرز المشاريع التي نفذتها سوريا القابضة، هو مشروع أبراج سوريا في منطقة كراجات البرامكة في دمشق، بتكلفة أكثر من 200 مليون دولار.

كما ويملك الأخرس أسهماً في شركة تاج للاستثمارات الصناعية وفي شركة التأمين العربية وفي بنك سوريا والأردن وفي شركة مصانع الشرق الأوسط، بمجموع يبلغ قيمته أكثر من 100 مليون دولار.

وهو لديه ثلاثة أولاد: مرهف وديانا ونورا، ويتولون مناصب في شركاته واستثمارته، بالإضافة إلى أن مرهف يشغل عضو مجلس إدارة في غرفة صناعة حمص.

كيف بنى ثروته؟

يجمع الكثير من المراقبين أن طريف الأخرس لم يكن قبل العام 2000 سوى تاجر صغير، يقوم بتنفيذ بعض التعهدات، وبعض الأعمال التجارية المحدودة، لكن بعد أن ارتبط بشار الأسد بأسماء الأخرس، ابنة أخيه الدكتور فواز الأخرس المقيم في لندن، انقلب وضعه رأساً على عقب، وأصبح في طرفة عين أحد الأشخاص الذين توكل إليهم الصفقات الكبيرة، والتي كان على رأسها تصدير المواد الغذائية إلى العراق، إبان الحصار الاقتصادي، وبرنامج النفط مقابل الغذاء.

ويروي الكثير من العاملين في شركة طريف الأخرس الصغيرة في ذلك الوقت، أنه لم يكن يملك سوى بضعة شاحنات، ومن أجل أن يستثمر بأقصى سرعة "طاقة القدر" التي فتحت له، قام باستئجار كل ما تقع عليه عينه من شاحنات في حمص، حتى بلغ مجموع ما استأجره في ذلك الوقت أكثر من 300 شاحنة، كانت تنقل جميع المواد الغذائية إلى العراق وتعود محملة بمواد أخرى يجري تصريفها في الأسواق السورية.
 
لقد جنى من هذه التجارة، التي لم يحالفه الحظ للعمل بها سوى عامين، مئات ملايين الدولارات، وهي التي شكلت القسم الأكبر من ثروته، والتي حولها فيما بعد إلى استثمارات وشركات تجارية في سوريا، ظلت تحقق أرباحاً طائلة، مستفيداً، أي الأخرس، من القرابة الجديدة التي بدأت تربطه برأس النظام السوري، والتي شكلت له حصانة وحرية في ممارسة الأعمال التجارية التي تدر عليه الربح الوفير، لدرجة أنه في مرحلة من المراحل، احتكر لوحده تجارة واستيراد السكر، ولم يكن مسموحاً لغيره أن يقوم بها، ولنا أن نتخيل الأرباح المتوقعة من هذه التجارة والتي مطلوب منها أن تغطي حاجة أكثر من 20 مليون شخص في سوريا..!

أحاديث عن بخله
 
تروي إحدى مذيعات التلفزيون أنه طلب منها مرة أن تتوجه من دمشق على رأس فريق من المصورين والفنيين، لإجراء لقاء مع طريف الأخرس في مكتبه في المدينة الصناعية في حسياء في حمص..
 
وتتابع أنه بعد أكثر من ست ساعات من التعب والتصوير، توقعنا أنه سيدعونا على الغداء على الأقل، لكننا فوجئنا في نهاية التصوير أنه يودعنا حتى دون أن يقدم لنا فنجان من القهوة، وهو ما دفع أحد المصورين لسؤاله عن أقرب مطعم يستطيعون فيه تناول الأكل قبل الرجوع إلى دمشق، فاضطر خجلاً أن يطلب منهم التريث، كي يجلب لهم الطعام، الذي كان عبارة عن بضعة سندويتشات من الفلافل فقط..!

ويروي موظف آخر في إحدى شركات طريف الأخرس، أن ابنه مرهف الذي تبدو عليه الدماثة، هو أشد بخلاً من أبيه ولديه مفاهيم غريبة، أغلب الظن أنه اكتسبها من والده، يعتقد من خلالها أن كل من هم حوله، بما فيهم من يعملون معه، يسعون لنهبه والنصب عليه. لذلك هو يحاول دائماً أن يظهر على أنه الشاب الحذق الذي لا تفوته فائتة، والعالم ببواطن ما يضمر له الآخرون من شر.

ولا يقتصر الحديث عن بخل طريف الأخرس على طبقة العاملين عنده أو المتعاملين معه، بل يشمل أيضاً زملائه من الأثرياء ورجال الأعمال، الذين كانوا يشيرون بالغمز واللمز إلى صعوبة التعامل معه ومدى حرصه ودقته في الأمور المالية، لذلك يفضل دائماً اللعب لوحده ومع أولاده فقط.

دعمه لنظام الأسد

منذ العام 2001، وبعد ارتباط بشار الأسد بأسماء الأخرس، لعب طريف الأخرس دوراً كبيراً، في تمثيل نظام الأسد في حمص حيث كان أداته الأبرز في التآمر على الطبقات البسيطة والصغيرة في المدينة، ولعب دوراً مع محافظ حمص، إياد غزال، في تخليص الناس في وسط المدينة التجاري والأثري، لممتلكاتهم، وشرائها بأبخس الأثمان، وإقامة المشاريع التجارية والعقارية عليها.

وازدادت الحاجة لطريف الأخرس، بعد قيام الثورة السورية في العام 2011، حيث وقف مناهضاً لها ومدافعاً عن النظام بالموقف فقط، بينما عندما وصل الأمر إلى حد الدفع وتمويل فرق الشبيحة، يقول مقربون من الأخرس ذاته، أنه توسط لدى ابنة أخيه أسماء، زوجة بشار، من أجل أن يعفيه من القيام بهذا الأمر، فهو بالكاد استطاع أن يجمع ثروته هذه ولا يريد أن يبددها، وهو ما لم يستجب إليه بشار، ما دفع الأخرس للهرب إلى لبنان والإقامة فيها.

ولاحقاً أصدر بشار الأسد قراراً بالحجز على أمواله، وقام بمضايقته، بحجة تهربه من سداد ديون بنكية، إلا أن هذه القرارات لم يتم تنفيذها، وانتهت بعودة الأخرس تدريجياً إلى أعماله بعد العام 2015، لكن لا أحد يعرف على وجه التحديد فيما إذا انتقل نهائياً للعيش في سوريا، وخصوصاً أنه كان من بين الأسماء التي طالتها العقوبات الاقتصادية الدولية، إلا أن الشيء المؤكد أن طريف الأخرس تراجعت مكانته كثيراً لدى النظام، ولم يعد من بين الأسماء المقربة التي يجري تداولها والتي تحظى بالامتيازات، ليس لموقفه السياسي المتعاطف مع الثورة، وإنما بسبب بخله، بحسب ما يؤكد هؤلاء المقربون.
 

ترك تعليق

التعليق