اقتصاديات.. بشار الأسد، بين المال الخليجي واللطم الإيراني


يتداول ناشطون شائعات تقول، بأن بشار الأسد أرسل منذ عدة أشهر إلى دول الخليج العربية، وعلى رأسها السعودية والإمارات والبحرين، خطاباً يخبرهم فيه بأنه غير راض عن التواجد الإيراني في سوريا، وقد سعى عبر استقدام التدخل الروسي، للتخفيف من جموح هذا التواجد، لكنه يقف الآن عاجزاً، بسبب أن إيران تتحمل جزءاً كبيراً من تكاليف معيشة السوريين، بالإضافة إلى تكاليف حربه على الشعب السوري، وإذا كانوا، أي دول الخليج، يريدون بالفعل التخلص من الوجود الإيراني في سوريا، فعليهم أن يقوموا بنفس الدور الذي تقوم به إيران.
 
لا نعرف مدى وجاهة هذه الشائعات، في تبرير إعادة الإمارات والبحرين لعلاقتيهما الدبلوماسية مع النظام، وتغيير اللهجة السعودية في توصيفها للأزمة السورية، لكن الشيء المؤكد أن هناك تطورات جديدة، بدأت تظهر ملامحها مع نهاية العام 2017، عندما قامت السعودية بتغيير هيئة التفاوض السورية المعارضة، لتصبح أكثر ليونة في تعاملها مع النظام، وهو ما ثبت لاحقاً، عندما أبدت الهيئة الجديدة تساهلاً في تسليم مناطق المعارضة والرضوخ لجميع الشروط الروسية في التفاوض مع النظام.
 
للأسف، أن المعارضة لم تتحسس كثيراً هذا التغير في الموقف السعودي من الثورة السورية، بل ظلت تدافع عنه، وتعتبر أن السعودية والإمارات، هما من يتحملان لوحدهما عبء تكاليف الثورة السورية، لكنهما في الحقيقة كانتا ولازالتا تتحملان مصاريف هؤلاء المعارضين الشخصية، ومدهم بالأموال الكاتمة لأصواتهم الناطقة بالحق.
 
وبعيداً عن الدخول في توصيفات المرحلة السابقة، فإن ما يعنينا اليوم هو توصيف الواقع الحالي، الذي يشير إلى أن الأزمة السورية، دخلت إلى "مزنق" خطير، لم يعد هاجسه الأول هو السيطرة على الأرض، وإنما مقاومة الأزمات الاقتصادية التي بدأت تتكشف ملامحها كلما اقتربت الحرب من نهايتها.

الكل كان يتوقع، أن بشار الأسد، إذا لم تسقطه الحرب، فإن الاقتصاد كفيل بإسقاطه، أو على الأقل إضعافه إلى حد الهزالة.. وهو ما بدا واضحاً من خلال عجز الحكومة عن سد الثقوب الكثيرة التي بدأت تظهر الواحدة تلو الأخرى، منذرة بغرق المركب بمن فيه.
 
لذلك يرى مراقبون أن السعودية والإمارات والبحرين، قرروا التدخل في اللحظات الأخيرة، ملوحين للنظام بقدرتهم على إنقاذه اقتصادياً، لكن ليس قبل أن يعرفوا ما سيقوم به من أجل إنهاء الوجود الإيراني على أراضيه.

ولا شك أن النظام اليوم يجد نفسه في موقع المفاضلة بين إيران من جهة ودول الخليج من جهة ثانية، لكنه بنفس الوقت، لا يحرم نفسه من مغامرة التفكير بكيفية ابتزاز الجميع، ودون أن يخسر أي طرف من الأطراف.

فهو بحاجة إلى إيران التي استطاعت تثبيت حكمه، بالاضافة إلى أنها الضمانة لبقائه على كرسي السلطة، كما أنه بحاجة للمال الخليجي الذي بدونه لن يكون قادراً على ممارسة السلطة، لكنه لا يثق به ولا بدوره.. فماذا يفعل في هذه الحالة؟

لقد أعطى إعلان أمريكا سحب قواتها من سوريا، فرصة كبيرة للنظام كي يبتز الجميع، لكنه ومع ذلك يخشى أن يحتدم الصراع ويخرج عن حدود سيطرته.. لذلك نراه، حتى الآن لا يستطيع أن يستثمر الانفتاح الخليجي عليه، سوى في الإطار السياسي، وبأن الآخرين بدأوا يعترفون بانتصاره، ومن جهة ثانية يحاول أن يبحث عن الحلول الداخلية في مواجهة أزمته الاقتصادية.. وهي حلول كما يراها، من خلال إعادة عجلة التنمية الاقتصادية، ومن خلال مال القطاع الخاص، الذي أخذ يتمدد وبصورة أبشع مما كان عليه ما قبل العام 2011.. لكن عزاءه أن هذا المال يمكن السيطرة عليه. أما المال الخليجي، فإن النظام لا يشعر بالثقة حياله، كونه مال لا يهدف إلى حماية حكمه وسلطته من وجهة نظره.

لهذا يؤكد الكثير من المراقبين، أن انفتاح دول الخليج على بشار الأسد، سوف يبقى مقيداً بشرط تحجيم العلاقة مع إيران، وهو ما يجعل النظام في هذه الحالة ميالاً أكثر لإيران، وعلى مبدأ: "اللطم الإيراني ولا المال الخليجي".


ترك تعليق

التعليق