شباب سوريون.. من مقاعد الجامعة إلى ماكينات الخياطة في تركيا


ربما لا يعرف الزائر لمدينة اسطنبول، أضخم المدن التركية، أن في أقبية آلاف الأبنية يوجد مصانع خياطة، الحرفة الأكثر انتشاراً في تركيا، وخصوصاً إسطنبول، السوق الكبير، والذي يستوعب جميع القادمين إليه.

واللافت أن آلاف السوريين يعملون في هذه المهنة رغم أن بعضهم لم يكن يجيدها، وآخرون تركوا مقاعد دراستهم الجامعية في سوريا، وانتقلوا إلى تركيا بحثاً عن فرصة دراسية جديدة، ولكن صعوبة العيش دفعتهم للعمل كـ "خياطين".

موقع "اقتصاد" التقى عدة عاملين في مهنة الخياطة كان بينهم مهندس الميكانيك "محمد الحافظ"، قدم إلى تركيا من حلب شمالي سوريا عام 2016، وعمل في أحد معامل الخياطة التركية لأنه يعرف المهنة من قبل، فقد لازمها فترة الثانوية وتعلم قسماً جيداً منها.

وقال "الحافظ" إن "العثور على وظيفة جيدة لشخص جديد في تركيا أمر صعب ويحتاج فترة ربما تكون طويلة في البحث، ويحتاج إلى إقامة أو (كملك- هوية لاجئ) بالإضافة للغة التركية، وأنا لا أملك ولا واحدة منها، فقد كنت على مشارف الزواج وأحتاج إلى أي فرصة عمل وبأسرع وقت ممكن".

وأضاف: "مردود الخياطة جيد نوعاً ما مقارنة بأعمال أخرى عُرضت علي، فالفرق كبير يصل إلى 1000 ليرة تركية أو أكثر، كما أن الرواتب تختلف من منطقة إلى أخرى وبحسب صنف العمل وساعاته، لكن بشكل عام تبدأ من 1800 وتصل إلى أكتر من 4000 ليرة تركية".

ويوجد الكثير من السوريين الذين يعملون في المجال، وقد تصل نسبتهم في بعض المعامل إلى 80% مقارنة مع الأتراك، بحسب "الحافظ".

وبيّن "الحافظ" لموقع "اقتصاد" أن اللغة التركية ليست شرطاً في العمل بمهنة الخياطة. "ستتعلم خلال عملك بعض المصطلحات والجمل، وقد تطلب المساعدة من العمال السوريين الذين يجيدون اللغة، فصاحب المعمل التركي لا يهمه سوى الإنتاج والمال وكلما كان إنتاجك جيداً كان وضعك أفضل ومعاملتك جيدة، طبعاً السوري معاملته أقل نوعاً ما فهو أجنبي، لكن كنت أحوز معاملة خاصة لكوني مهندساً".

وفي سياق آخر، تواصل موقع "اقتصاد" مع الشاب السوري "أحمد فؤاد" الذي قدم من مدينة اللاذقية غربي سوريا، وأجبر على ترك جامعته، قادماً إلى تركيا عام 2015 باحثاً عن مستقبل أفضل.

وقال "فؤاد": " كانت رحلتي شاقة جداً، عملت في عدة مهن وأماكن وأُكل حقي أكثر من مرة، ثم عملت في ورشة تفصيل ألبسة وصل أجري حينها لـ 900 ليرة تركية عملت على طاولة القص، حيث يتم تجميع القماش طبقة فوق أخرى ومن ثم قصه وفق قوالب المصمم، العملية سهلة، ولكن نقل بكرات الخياطة الثقيلة جعلت من العمل مرهقاً جداً فتركته".

وأردف: " تنقلت بين عدة ورشات، وتحملت الكثير من المتاعب والإساءات، ثم استقر بي الحال في ورشة يملكها سوري وتركي مناصفة بأجر 1200 ليرة تركية".

وأكّد "فؤاد": "لقد كان لدي تصميم كبير على تعلم هذه المهنة فأنا اليوم خياط (درزة) بشكل أساسي مع العمل على (الحبكة) أحياناً، والجو في الورشات مريح خصوصاً وأنك تضع سماعات الأذن طول النهار، فكنت استمع للكتب ما عوضني عن نقص القراءة، فهذه السنة لوحدها أنهيت قرابة 85 كتاباً متنوعاً".

وأشار "فؤاد" لموقع "اقتصاد" إلى أنه يعمل الآن لأجل استكمال أوراق جامعته وجلبها من سوريا، إلا أن التكلفة كبيرة نوعاً ما، لكنه سيسعى جاهداً لتحقيق ذلك.

وختم: "هناك نكتة شائعة تقول في معناها أن (التركي يطلب من الله في الجنة نهران، نهر من الشاي عن يمين، ونهر من الماكينات عن شمال)"، مضيفاً: "من سخرية القدر أن لقاءاً جمعني بثلاثة شباب لا يعرف أحدنا الآخر، الأول خريج هندسة معلوماتية، والثاني خريج اقتصاد، والثالث خريج كيمياء تطبيقية، ماذا تعملون يا شباب؟.. (خياطون في ورشة خياطة)".



ترك تعليق

التعليق