سيرة السوريين.. والمازوت


لا تتغير إجابات عمال محطات الوقود في العاصمة وريفها: (لا يوجد مازوت)، وهذه الحال منذ بداية موسم الشتاء حيث يصبح هذا السائل الحاجة الرئيسية للمواطن إذ لا دفء يدخل بيوت السوريين دونه.

كازية "جديدة عرطوز" بجوار جامع الأحمد لا تخلو من الطوابير يومياً، وعندما يدخل صهريج المازوت إلى المحطة تبدأ جموع السوريين بالاصطفاف عسى أن تحظى بكالون 20 لتر يمكن أن يكفي ليومين، ولكن الهدف كما يقول "أبو درويش"، هو شراؤه بالسعر النظامي 185 ليرة للتر، ولكن هذا يبدو مستحيلاً فمن يحصل على الكالون هم ممن يرتدون اللباس العسكري وموظفي البلدية والمخابرات، أو من معارف صاحب المحطة، ومن ثم تأتي الصيحات من العمال أن المازوت (خلص) أو من الشرطي الذي ينظم الدور بأن المازوت المتبقي سيتم توزيعه للمدارس ومؤسسات حكومة النظام.

المسؤول يكذب

يروي أحد سكان دمشق لصحفة محلية أنه وجاره قررا الذهاب إلى الكازية بعد أن سمعوا حديثاً لـ "مسؤول" في الإذاعة، أن "المواطن" يمكنه أن يشتري اللتر بـ 296 بالسعر الحر بدل أن يستغله تجار الأزمة، وبالتالي يستفيد الطرفان صاحب المحطة و"المواطن".

لكنهما لم يحصلا على أية نتيجة. فالعامل وصاحب الكازية رفضا ذلك.

أخبرا صاحب المحطة أن "مسؤولاً" قال إنه يمكن ذلك بشرط أن يقدم المشتري صورة عن هويته للمحطة، وأنهما يريدان الشراء بسعر غير مدعوم. لكنه رفض ذلك، مؤكداً أن لديه قراراً يمنع ذلك. أي أن "المسؤول" كان يكذب.

السوق السوداء حاضرة

يتابع "المواطن" شكواه بعد أن يئس من صاحب المحطة، حسب الصفحة المحلية ذاتها، فيقول: (ونحنا عم نرجع البيدونات على صندوق السيارة بيجي لعنا ولد صغير وبيسألنا بدك مازوت ؟! قلناله طبعاً رجع سألنا كم ليتر بدك قلناله 40 ليتر فكان جوابه انو بيعرف واحد عنده بس الليتر 400 ليرة !! سألته وين عنوانه قال امشوا معي).

وبالفعل دفع "المواطن" وجاره ثمن 40 لتر مازوت 16000 ليرة لأنه كما يقول: (يمكن العالم تلومنا لانه دفعنا 400 ليرة حق الليتر بس والله فكرنا بعد مافقدنا الأمل انو يوصلنا الدور اذا بنشتري من السوق السوداء أفضل ماندفعهم ثمن أدوية ألتهابات وأعصاب ومراجعات عند الدكاترة).

المواطن يدرك تماماً أن ما سيدفعه من زيادة على ثمن اللتر يجنبه ذل طابور المازوت، وأمراض الشتاء التي سيدفع لعلاجها أضعاف ما دفعه في السوق السوداء.

وأما الفقراء

الموظف يشتري كالون المازوت الحر ما بين 5000- 8000 ليرة سورية أي أنه يدفع ما بين 20%- 50% من راتبه ثمناً ليومين أو ثلاثة أيام من الدفء، وأما البرميل فيصل سعره الرسمي حوالي 37000 ليرة أي حوالي راتب شهر بالكامل، وإذا اشتراه من السوق السوداء بـ 40 ليرة فهذا يعني أنه يحتاج إلى ضعفي راتبه.

أما الجزء الأكبر من السوريين ممن لا وظيفة لهم فقد عاشوا ما قبل الحرب على شراء المازوت باللتر ويمكن أن يشتروا خمس لترات وهي سعة (طاسة الصوبيا)، والاعتماد على الأغطية لقضاء لليل دون كهرباء أيضاً، والنوم باكراً هو الحل.

في الخيام

تلك قصة أخرى للسوريين الذين اختاروا أن يخرجوا على استبداد النظام، ومنذ بداية موسم الشتاء هم إما غرقى في خيامهم أو يرتجفون من البرد، ومع تزايد الفعالية الجوية، تزداد الأمراض التي تُنهك أجساد كبار السن والصغار، وحصلت وفيات ناتجة عن البرد بين الأطفال في ظل صمت من المنظمات الدولية، والجهات التي كانت تدعم الشعب في ثورته.

حال السوريين في الداخل وفي مخيمات اللجوء بين ذليل في طابور الانتظار، ومفجوع من عالم بلا ضمير أو رأقة.

ترك تعليق

التعليق